يقولون إنَّ كل شعب ينال الحكومة التي يستحقها، وهي حقيقة لاشك فيها، فقد كنا -وربما لم نزل- نستحق حكومات مبارك ومرسي وغيرهما، فهم لم يأتوا ليحكمونا من المريخ، بل هم منا و نحن منهم، وقد ابتلينا بهم وهم- أيضا- قد ابتلوا بنا، فسدوا وأفسدوا لأنَّنا كنا أضعف من أن نوقف فسادهم، ولأنَّهم بفسادهم كانوا يسترون عورة فسادنا. نعم نحن فاسدون مهما أنكرنا وكابرنا، لكن نظرة واحدة لقمامة الشوارع تؤكد فساد طباعنا وانحطاط أخلاقنا، لم يأمرنا مبارك بالقذارة لكننا عشناها واستمرأناها قبل مبارك وبعده، ولم يكلف الحاكم نفسه عناء تنظيفنا لأنَّ قذارتنا تبرر فساده واتساخ ضميره، وعدم نظافة يده. كان هذا أبسط مثال ندلل به على بؤس حالنا، اتهمنا الرجل بأنَّه أفقرنا وجهلَّنا، وتناسينا أن فقرنا هذا اختيار الأغبياء وليست سياسة نظام حاكم، لم يمنع مبارك ولا من خلفه المال عمن أراد أن يغتني، لم يمنع الرجل من تاجروا وأثروا بالأراضي والعقارات وهم كُثُر، ولم يغل يد من غشوا الغذاء والماء ولوثوا الهواء، ولا تظنوا أنَّني أقصد هنا أصحاب المليارات من أتباع مبارك والحزب الوطني، بل أقصد صغار الثراة والذين ما إن يصلوا إلى درجة معلومة من الثروة إلا وسعوا للالتحاق بركب السلطة للحفاظ على ثرواتهم و تنميتها؛ لكن البعض الآخر منهم كان يتجاهل السياسة كلية ويكتفي بجمع المال، لم يغل مبارك وحلفاؤه يد صغار الموظفين – ناهيك عن كبارهم- عن استغلال مراكزهم لجمع ثروات صغيرة بأساليب فاسدة، كالرشوة والتربح والاختلاسات الصغيرة، لم يقاوم مبارك- أيضا- فئة من المدرسين الفاسدين كسروا ظهر الأسرة المصرية، ب (سبوبة) الدروس الخصوصية، مستغلين فشل المدارس التي تركها مبارك منهارة شكلا ومضمونا، لم يصنع الرجل الفساد، هو فقط لم يقاومه، بل من حقه أن يدعي أنَّ التيار كان أقوى منه وأنَّه حاول وفشل. مَسَّ الفساد ضمير كل واحد منا، مهما ادعينا الطهارة، حتى أنَّ ثورة ثقافية واحدة، لن تكفي لتخليصنا من إرث قرون من الفساد، فلقد فسد كل شيء فينا تقريبا، بل إنَّ إدراكنا للطهارة ذاتها صار فاسدا، أصبحت الطهارة تقاس بطول القماش واللحى، أفسد فسادُنا حتَّى أذواقنا، فأصبح الإسفاف فنا شعبيا، والتفاهة غناءً شبابيا، بل وفسد أجمل ما فينا، فصرنا نعد الحب خطيئة والجمال وقاحة، قتل الفسادُ الرحمةَ في القلوب، فطفل الشوارع الجائع العاري يُساكِننا بلا مبالاة، لكننا على استعداد أن نذبحه لو أقلق راحتنا أو مد يده، ليخطف طعاما يحتاجه، بل حتى إزهاق الأرواح البشرية لم نعد نقيِّمه على المطلق بل نسأل أولا من القاتل، ومن الضحية قبل أن نصدر مشاعر الرحمة، نظرنا بالأمس القريب إسرائيل تدك غزة دون مبالاة لأنَّنا حسبنا أنَّ أهلها لا يقبلون ما ارتضيناه (لمست هذا عند كثير من الناس) ثم إنَّنا نفحص جيدا مذهب السوري الذبيح أهو سني أم علوي قبل أن تذهلنا قسوة القاتلين. قل لي عن فساد أي حكومة أو أي رئيس نتحدث !! فمن من الرؤساء يقدر أن يقاوم طغيان فسادنا ودكتاتورية انحطاط أخلاقنا، وعلى أي توريث تباكينا، ونحن نورث أطفالنا تلك الصفات، إنَّ حكامنا فاسدون لأننا فاسدون، وهم منا خرجوا ومن فتاتهم الفاسد نقتات. وفي ظل لحظات تاريخية فارقة عندما أهدتنا عناية السماء حكاما حالمين – ناصر مثالا- وكانوا عصيين على الإفساد بذلنا نحن كل الجهد لنتملص من نقائهم ونُطَوِّع سياساتهم لفسادنا، أحببناهم بصدق لأنَّهم كانوا كطوق النجاة للغريق، لكننا حاولنا استغلال مزاياهم دون رغبة منا في إحداث التغيير الضروري لنتطهر لنواجه المستقبل بروح تستحق الحياة والاستمرار في الوجود؛ فضاعت للأسف تلك الفرص دون قدرة على التعويض، فكم من الوقت علينا أن ننتظر حتى تترأف السماء بنا؟ وهل نستحق نحن فعلا رحمة السماء؟!