مقدمة أولى: خرج آلاف من أبناء الشعب المصري منذ سنوات ثلاث، لا يطلبون شيئا أكثر من«عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية»، وكلها مطالب لا تتعارض، ولا تنطوي على صراع على مقاعد الحكم، بل إن مضمون هذه المطالب يحمل إقرار المواطنين لغيرهم بالسلطة التي لا تحرك لديهم أطماعا، ولا يعنيهم من هؤلاء الذين يبحثون عن مقاعد السلطة غير توفير تلك المطالب فقط.. تلك كانت الثورة التي بدأت في الخامس والعشرين من يناير 2011. مقدمة ثانية: شارع يضج بالغليان.. تستبد به مشاعر الغضب والرفض، التي أشعلتها قرارات قاتلة وطاحنة لشعب حاول في مقدمة أولى أن ينبئ حكامه أنه بالكاد يجد قوت يومه، تلك القرارات التي وجد نفسها في ظلها مسئولا عن سداد كل فواتير فشل حكامه، ليعاني مزيدا من ارتفاع أسعار مواد الطاقة ووسائل المواصلات، وما تستتبعه تلك الوسائل من زيادة لأسعار كثير من السلع والخدمات، بعد إلغاء الدعم على مواد الطاقة. مقدمة ثالثة: مزيد من الغضب والاحتقان داخل صدور المصريين، بعضه أمكن التعبير عنه بالكلمات، وأكثره لن يتم الكشف عنه إلا مع مرور الوقت، واقتراب ثورة الجياع المدمرة. تقول ليلى سويف – أستاذ العلوم بجامعة القاهرة، وعضو مؤسس بجبهة طريق الثورة، إن الثورة المصرية فى حالة جذر الآن، فالثورة مرت خلال السنوات الثلاث الماضية بحالات مد وجزر بين السلطة والثوار، إلا أنها فى هذه المرة تشهد حالة جزر قوية بعد انتصار مشهود من قبل الثورة المضادة برجال أعمالها وشبكة مصالحها. وتضيف: طالما أن هناك عدم ثقه بين المواطن والحكومة التى تكذب عليه، وتدعي أنها تدعمه بينما هي في الحقيقة تزيد الأعباء على كاهله، بالتوازي مع غلبة التناحر السياسي على الساحة فإن الثورة في ظل هذه الأحوال تبقى قائمة، رغم زيادة عدد المعتقلين والمصابين والقتلى. ويقول محمود عزت – عضو المكتب السياسى للاشتراكيين الثوريين، إن اللحظة الراهنة تشهد تراجعا وانهزاما للثورة المصرية أمام الثورة المضادة، لكن هذا لا يعنى موت الثورة، فخلال الأعوام الثلاثة الماضية تناوبت الثورة المصرية حالات تراجع وحالات انتصار، حدث هذا أثناء اعتصام يناير وأثناء حكم طنطاوى ومرسى والآن نعيش نفس الحالة. وأضاف أن انهزام الثورة نهائيا يتطلب شيئين: الأول حالة من الاستقرار "الوهمى"، سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى، فعلى المستوى السياسى فهناك صراع بين الثوار والسلطة من طرف والإخوان والسلطة من طرف آخر بسبب التعسف والقهر الذى يمارسه النظام ضد أى صوت معارض. ويرى محمد صلاح – المتحدث الإعلامى باسم حركة شباب من أجل العدالة والحرية، أنه رغم أن أهداف الثورة باتت الآن مجرد شعارات تفتقر لوجود مؤشرات أو دلالات على تحقيقها، فإن عدم تحقيق الأهداف في حد ذاته سيبقى الوقود الداعم والدائم الذي لا يملك أي حاكم رفع الدعم عنه، لأن الشعب وحده سيبقى عامل الحسم المحرك والفاعل، وهو العامل الذي ينبغي اتقاء غضبة جوعه وفقره، فهي الغضبة التي يمكنها ألا تبقي ولا تذر. مقدمة أخيرة: ربما كثرت المقدمات، أو بالأحرى، ربما شهدت السنوات الماضية مقدمات فقط، لكن التاريخ السياسي والاجتماعي والإنساني على وجه العموم يبقى الشاهد الذي لا يكذب أبدا على حقيقة خالدة فحواها أنه: «لا مقدمات بلا نتائج»، حتى وإن طال الزمن على بلوغ النتائج. وأمانة الإعلام والتنوير تبقى غالبا متمثلة في حمل جرس التنبيه والإنذار لصالح المجتمع كله ولصالح الوطن كله.