حينما تتجرد من كل ما تحمله كلمة " إنسانية " من معنى ، فلا عجب أن تنحي ضميرك جانبا ، وتغض الطرف عن تعاليم دينك ، وتقتل نفس بغير ذنب ، فقد كان خالد سعيد "شهيد الطوارئ" نموذجا يعكس توحش الشرطة وهمجيتها ، لتكون جريمة مقتله واقعة معفرة بتراب الواقع المؤلم. أسس المخلوع "مبارك " ملكه على حساب كرامة شعبه ، وكان حامي الحمى هو " حبيب العادلي " الذي بذل كل ما في وسعه ليصون مُلك سيده ، فكانت دماء الشباب هي الضريبة التي دفعوها لتظل "الداخلية " حصنا يستحيل المساس به أو برجاله، ولأن الطاغية لابد أن يسقط مهما طال استبداده ، كان هذا الشاب هو شرارة الغضب الأولى لتتعالى الأصوات " كفى ذلا وهوانا " . منذ ثلاث سنوات وعند دخول خالد إلى "مقهى إنترنت" بالقرب من منزله هاجمه شخصان أمسك به أحدهما وقيد حركته من الخلف والآخر من الأمام، وعندما حاول تخليص نفسه منهما ضرباه برأسه ب"رف" رخامي في المقهى الذي حضر صاحبه وطالبهما بالتوقف والخروج فورا فأخذا خالد سعيد معهم إلى مدخل عمارة مجاورة وأوسعاه ضربا حتى الموت، أمام العديد من شهود العيان في منطقة سيدي جابر. أثار مقتل خالد سعيد موجة غضب شعبية في مصر وردود أفعال من منظمات حقوقية عالمية، تلتها سلسلة احتجاجات سلمية في الشارع المصري وبخاصة في الإسكندرية والقاهرة . وبرغم أن حوادث الانتهاكات الجسدية والقتل العمد على يد الشرطة كانت ظاهرة دائمة الحضور في المجتمع المصري وتفشّت في السنوات الأخيرة من حكم "مبارك" إلا أن محللين رأو أن انتماء خالد سعيد إلى الطبقة الوسطى التي كانت تقليديا أقل معاناة من تلك الطبقات الشعبية والمٌعدمة، ما أدى إلى تعاطف قطاعات جماهيرية واسعة بين من رأوا فيه مثالا عمّا يُمكن أن يُصيبهم وأبناءهم، وأدى ذلك إلى تنشيط الحشد الجماهيرية ضد النظام المخلوع. ويرى الدكتور أحمد عبد الحفيظ، نائب رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ، أن الوضع الحقوقي في مصر لم يختلف كثيرا عما قبل الثورة ، فمازالت هناك انتهاكات لم تنجح الثورة في إنهاءها نظرا لأن القائمين على إدارة البلاد لم يطهروا جهاز الشرطة، مشيرا إلى أن الوضع الآن أشد إهانة لأن الانتهاكات تتم في العلن مع السياسيين، والدليل على ذلك هو استشهاد الحسين أبو ضيف أمام الاتحادية ، ومحمد كريستي ومحمد الجندي وجيكا وغيرهم. وتابع أن المخرج الوحيد للتخلص من تلك الانتهاكات هو التحركات الشعبية والضغوط لتصحيح مسار الثورة حتى لا تستكمل جماعة الإخوان المسلمين الهيمنة على جهاز الحكم وتستخدم العصا الأمنية في قمع كل من يعارضها. من جانبه قال مدحت الزاهد، المتحدث الرسمي باسم حزب التحالف الشعبي الاشتراكي ، إن الظروف المصاحبة لمقتل خالد سعيد عن طريق سحله وتعذيبه هي التي فجرت الثورة التي نادت بأن لا تهان كرامة المصري وأن تكف وزارة الداخلية عن ممارساتها ضد المواطنين ، سواء عن طريق التعذيب أو الاحتجاز بدون دليل ، وهي سياسات مازالت موجودة حتى الآن ويقوم بها جهاز الشرطة التي لم تستوعب أن الأسباب التي تدفعها للقبض على شخص حتى ولو كان مجرما لا تبرر أبدا قتله أو إهانته، ولم تستوعب أن الشباب اختاروا يوم 25 يناير ليبدأو ثورتهم في دلالة رمزية على تحديهم الشرطة التي تقمعهم. وأضاف الزاهد أن القوى الثورية طالبت الرئيس محمد مرسي باللجوء إلى محكمة العدل الدولية لتولي التحقيق مع رموز النظام السابق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية لأن موادها لن تتطلب أدلة جنائية استطاعت الشرطة إخفاءها ، ولكن ستحاسبهم بموجب مسئولية المتهم، طالما أنه مسئول وحدثت انتهاكات في عهده، ولكنه رفض ولم يبد أي اهتمام ، مشيرا إلى أن ممارسات النظام القائم تعد تكرارا لنفس المشهد في عهد النظام السابق مما ينبئ بنهايته كما انتهى من قبله. وفي السياق ذاته قال هشام الدسوقي، عضو الهيئة العليا بحزب الحرية والعدالة إن خالد سعيد هو أحد ابرز أسباب اشتعال ثورة 25 يناير وخروج الملايين في الشوارع للتعبير عن غضبهم، مؤكدا أن حزبهلا يقبل بأي شكل أن يهان مصريا خاصة داخل أقسام الشرطة،لافتا إلى أن هناك تأخر واضح في سير قضية خالد سعيد ، إلا أنه يجب أن لا يتدخل أحد في أحكام القضاء التي ستأخذ مجراها في الدنيا، بالإضافة إلى قضاء الله في الآخرة.