بدأت الحكاية بمواطن مصرى بسيط ذاق مرارة انتشار الفقر والجهل والمرض فى بلده، وشاب كان يحلم بمستقبل باهر، وعاش بين المصريين ولم يكن يعرفه أحد.. لكنه وفى غمضة عين أصبح شعارا ورمزا لثورة قام بها المصريون آملين أن تُحقق لهم غدا أفضل.. إنه الشاب المصرى خالد سعيد. خالد سعيد لم يكن مجرد اسم بل رمز حمله المصريون داخل قلوبهم وعقولهم وفوق أكتفاهم يسيرون به فى الشوارع ينددون بالظلم والاستبداد والاستعباد والتعذيب، وانتهاك الكرامة والآدمية.. ومهما كانت الروايات بأن خالد سعيد كان مظلوما أو متهما -كما روج النظام السابق-.. إلا أنه كإنسان ومواطن مصرى لم يكن يستحق أن يٌقتل بهذه الطريقة البشعة، كان لابد من استرداد حقه ممن قتلوه، ولكن النظام السابق لم يفعل ولم يفلح السيد وزير الداخلية فى التضحية بأمينى الشرطة المتهمين بقتل خالد سعيد، لأن النظام بأكمله استهان بدماء وحياة المصريين، تارة فى عبارات الموت وتارة فى القطارات وعلى الطرق وفى المستشفيات وعلى الحدود.. ومن الطبيعى ألا يهتم بموت خالد سعيد بهذه الطريقة بل ساعد المجرم على الإفلات من العقاب. وبرغم كل فساد ذلك النظام ولسنوات.. وبرغم الفشل والجوع والجهل والمرض والإحباط الذى أصاب المصريين، إلا أن حكاية خالد سعيد كانت "القشة التى قسمت ظهر البعير".. فأشعلت نيران الثورة وأسقطت نظاما لم يفكر ولو للحظة أن يأخذ حقه ممن قتله حتى يهدأ الغضب الثائر ضده. والغريب اليوم أن تتكرر نفس الحكاية بعد الثورة التى أطاحت بالنظام الأول.. إنها حكاية الشاب "محمد الجندى".. أحد أبرز القيادات الشابة فى ميدان التحرير وثورة الخامس والعشرين، بل كان يحشد الأصوات لصالح للرئيس محمد مرسى أثناء الحملة الانتخابية له ضد منافسه الفريق شفيق... وبعد نجاح الرئيس وبعد التمكن من أدوات القهر.. تم تعذيب محمد وقتله بنفس النهج الوحشى الذى كان يستخدمه النظام لينهش فى لحم المصريين سواء بالتعذيب أو القتل أو السحل أو الاغتصاب. فأعادت لأذهان المصريين حكاية خالد سعيد.. فأصيب المصريون بالصدمة والسخط على النظام، متسائلين: هل نجحت الثورة؟ هل تغير النظام؟ هل تُحترم حقوق المصريين وتُصان كرامتهم؟ هل أصبح لحياتهم قدسية؟.. . الإجابة: لا النظام مستمر فى وجهه الآخر مستخدما آله الوحشية والتعذيب والقمع الأمنى، فقد سقطت الأنظمة وتغير الرؤساء.. ولكن السياسات مستمرة وواحدة والشعب المقهور واحد. تأكد لنا أنه رغم قتل كثير من الشباب قبل وبعد محمد الجندى أمثال كريستى وجيكا وأبو ضيف.. إلا أن حكاية الجندى بالتحديد ستكون القشة التى ستقسم هذا النظام.. وأن السخط سيزداد.. والغضب لن يهدأ.. والمصريون لن يتراجعوا.. والثوار لن يخافوا.. والثورة ستستمر، لأننا تأكدنا أن الثورة لم تحقق شيئا، ولابد أن تُكمل طريقها حتى تُصان دماء المصريين وكرامتهم وحياتهم.