إنها ترتيبات الخالق.. أن يكون هو أحد أيقونات ثورة أخرجت شعبا من ظلمات نظام قطع فيه أنهار الحرية عن أعماق شعبه.. إنه إرادة من الله أن يكون ذلك الشاب ذو ال28 ربيعا مفتاحا لباب يقطن وراءه فساد دام على مدار 30 عاما.. مفتاحا فتح الآفاق لما خفي وما ظننا أنه لن يظهر.. إنه ابن الإسكندرية خالد سعيد والذي كانت وفاته شرارة الانطلاق للثورة النظيفة.. ثورة 25 يناير 2011. في مثل هذا اليوم 6 يونيو عام 2010.. فارق خالد سعيد صبحي حياته ضحية لتعذيب وبطش داخلية حبيب العادلي، بعدما أراد فضح جرائم الداخلية في أقسام الشرطة عن طريق بيعها للمواد المخدرة، ونجح في ترويج فيديو يؤكد صحة ادعائه. تعود الواقعة إلى أحد مقاهي الإنترنت في منطقة سيدي جابر بالإسكندرية، عندما دخل شرطيان مرتديين ملابس مدنية إلى المقهى، لتفتيش خالد بموجب قانون الطوارئ، فهاجمه الشخصان وقيّدا حركته، وعندما حاول تخليص نفسه منهما ضرباه وصدما رأسه برف رخامي بالمقهى، واستكملا ضربهما المبرح له بمدخل عمارة مجاورة للمقهى، حيث ضرباه حتى الموت، وذلك وفقا لشهود العيان في سيدي جابر. بيان الداخلية ردا على مقتل خالد في أعقاب الحادثة بعدة أيام أصدرت وزارة الداخلية بيانا أكدت فيه عدم مسئوليتها عن وفاة خالد سعيد بالإسكندرية، متّهمة عناصر ودوائر بعينها في الترويج من خلال وسائل إعلامية متعددة الادّعاء بأن رجال شرطة سريين قد اعتدوا عليه وتسبب ذلك في وفاته، على نحو مخالف للحقائق وينطوي على مغالطات صارخة. وأرجعت الداخلية سبب وفاة خالد إلى ابتلاع لفافة مادة مخدرة ترتب عليه حدوث اختناق أسفر عن وفاته، بعد أن حاول فردي شرطة ضبط ما وصفته ب"المحكوم عليه خالد محمد سعيد صبحي"، ويرافقه أحد أصدقائه. وأكدت الداخلية صحة ادعائها بتأكيد أن تعاطي خالد للفافة مخدرة أكدها الشهود الخمسة، ومنهم صديقه الذي كان يرافقه المواطن محمد رضوان عبد الحميد ورجل الإسعاف الذي حاول إسعافه، كما أكدته تحقيقات النيابة في الواقعة والتي توافقت مع نتيجة التقرير المبدئي للطب الشرعي، الذي تضمن أن الوفاة نتيجة إسفكسيا الخنق لانسداد القصبة الهوائية باللفافة التي حاول ابتلاعها. وأضاف بيان الوزارة أن المذكور كان مطلوبا لتنفيذ حكمين بالحبس صادرين في القضيتين، الأولى تحمل رقم 7439 جنح سرقات 2009، والأخرى لحيازة سلاح أبيض، وأنه سبق ضبطه في أربع قضايا سرقات وحيازة سلاح وتعرّض لأنثى، كما أنه مطلوب في القضية رقم 333 لسنة 2008 للهروب من الخدمة العسكرية، فضلا عما تضمّنته أقوال والدته في التحقيقات من أنه معتاد تعاطي المواد المخدرة. شهود العيان يكذّبون الداخلية كان رد شهود العيان للحادثة مخالفا لما أوردته وزارة الداخلية في بيانها، حيث اتفقوا على أنه "مواطن سكندري شاب، كان شابا ممتازا خلوقا متعلّما بأمريكا، ويعشق الموسيقى والوحدة، أقنعه صديق أن يخرج من بيته للصيد، رجع بالشورت من البحر، ليُضرب حتى الموت أمام بيته"، هذا ما يقوله سكان الشارع وصاحب مقهى الإنترنت وجيرانه في شهاداتهم المصوَّرة. لكن القضية انتقلت إلى الرأي العام وأثارت موجة غضب شعبية، وبحثت منظمات حقوقية عالمية عن خيوط تلك الواقعة، ووُجّهت أصابع الاتهام من نشطاء حقوقيين إلى الشرطة باستمرار ممارستها التعذيب في ظل حالة الطوارئ، حينها أُطلق على خالد سعيد لقب: "شهيد قانون الطوارئ". صفحة "كلنا خالد سعيد" شرارة الثورة أسس نشطاء متضامون مع قضية خالد سعيد صفحة على فيسبوك تحت عنوان "كلنا خالد سعيد" للتضامن معه، وفي خلال 10 أيام وصل عدد المشتركين في الصفحة إلى نحو 180 ألف مستخدم، ليعكس هذا الرقم حالة الغضب الشعبي الذي تصاعد احتجاجا على قتل خالد. واشتركت صفحة "البرادعي رئيسا" على فيسبوك هي الأخرى في الاحتجاجات، داعية إلى ورشة عمل إلكترونية لبيان كيفية التحرك الشعبي للحصول على حق خالد، فيما بدأ مركز نصار للقانون تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في جريمة الداخلية بمقتل الشاب خالد سعيد لتقديم المتهمين للمحاكمة. إعادة تشريح جثة سعيد استجابة للضغوط الشعبية قرر المستشار عبد المجيد محمود -النائب العام آنذاك- إحالة التحقيق لنيابة استئناف الإسكندرية وندب لجنة ثلاثية من مصلحة الطب الشرعي بالقاهرة، برئاسة كبير الأطباء الشرعيين لإعادة تشريح الجثة. في أعقاب ذلك وافقت النيابة العامة على طلب هيئة الدفاع المقدم من محمود البكري العفيفي، بشأن الادعاء بالحق المدني ضد العادلي، والمخبرين محمود صلاح وعوض إسماعيل بمبلغ 500 ألف جنيه كتعويض مؤقت، كما تقدم ببلاغ طالب فيه بتوجيه تهمة الشهادة الزور لكل من الشهود الثلاثة الذين شهدوا يوم الواقعة. صدر قرار بحبس المخبرين محمود صلاح وعوض إسماعيل -المتهمين بالتسبب في قتل خالد سعيد بالإسكندرية- 4 أيام على ذمة التحقيقات، بعد أن وجّهت لهم النيابة تهمتي القبض على مواطن دون وجه حق واستعمال القسوة. فيما صدر التقرير الفني الذي أعدّه 3 من أساتذة كليات الطب بجامعات القاهرة، وعين شمس، والإسكندرية، والذي قال بأن لفافة البانجو تمّ حشرها في حلقه بعد وفاته إثر تعرّضه للضرب المُبرح من الشرطيين. 25 يونيو "جمعة الغضب" في 25 يونيو 2010، خرج عدة آلاف من المصريين في تظاهرة احتجاجية في مدينة الإسكندرية كان على رأسها الدكتور محمد البرادعي والمستشار محمود الخضيري وجورج إسحاق وأيمن نور وحمدين صباحي، والعديد من القوى والحركات الثورية، تنديدا بما وصفوه ب"عمليات تعذيب منظمة" للمعتقلين في أقسام الشرطة. كانت تلك الاحتجاجات والتظاهرات، مقدّمة لثورة ربما طال انتظارها لكثيرين، ويحسب لصفحة "كلنا خالد سعيد" أنها كانت من أوائل من دعوا للحشد في 25 يناير 2011 وهو ما يوافق عيد الشرطة، ليكون أنسب رد على ما وصفوه ب"تجاوزات وزارة الداخلية، وقتل خالد سعيد كضحية لقانون الطوارئ". قضية مقتل خالد سعيد على طاولة القضاء بعد وفاته بعام و4 أشهر، وفي أعقاب قيام ثورة 25 يناير، صدر حكم محكمة جنايات الإسكندرية بالسجن المشدّد لمدة سبع سنوات للمتهمين في قضية مقتل خالد سعيد، بعد أن وجّهت النيابة لهم تهم القبض على شخص دون وجه حق، واستخدام القسوة والتعذيب البدني، لكن محكمة النقض قبلت الطعن المقدم من المتهمين على الحكم، وقضت بإعادة محاكمة المتهمين أمام إحدى دوائر محكمة جنايات الإسكندرية، والتي أخلت سبيل المتهمين على ذمة القضية، وتواصل نظر القضية ولم يصدر فيها حكم حتى الآن. بعد 3 سنوات من وفاته.. هل عاد حق خالد سعيد؟ ربما ثار شعب ضد حاكم ظالم لم يحترم شعبه، ولم يقدّس حريته ولم يدافع عنه، فأهان كرامته، ووضع قدماه على رقابه، لكن شخصا حاول التحرر من تلك القيود، فقُتِل، فثار شعب، فاتحد، فنجح، فعزل رئيسا، وأنهى نظاما، وجاء نظام، وما بينهما حكم عسكري، والغريب أن ثلاثتهم لم ينجح في الظفر بحق ذلك الشهيد أو غيره، في مهرجان عرف ب"البراءة للجميع"، حتى أننا استنشقنا بعض نسائم الأمل أثناء انتخابات الإعادة لرئاسة الجمهورية والتي وافقت تلك الفترة الذكرى السنوية الثانية لوفاة خالد سعيد، حين أكد الرئيس محمد مرسي أن دماء الشهداء في رقبته، وذلك في اتصال مع والدة خالد سعيد، أعرب فيه عن كامل تضامنه مع أسرته، وجدّد تعهّده بالقصاص العادل لدمه ودماء كل شهداء ثورة 25 يناير، ومنذ ذلك التاريخ.. ربما نسي الرئيس وعده لذوي الشهداء بالقصاص، وربما فقد الأهالي الذين انفطرت قلوبهم على أبنائهم الأمل في أن يروا القصاص فيمن قتل فرحة عمرهم..