د. عاصم الدسوقى: قانون غريب من نوعه د. جمال شقرة: دعونا يوسف زيدان للمناظرة مرتين.. وتهرب د. أحمد درويش: رددت على «زيدان» بكتاب عن صلاح الدين الأيوبى د. إبراهيم الهدهد: ندعم مشروع قانون يضبط الحريات ولا يقيد النقد لم يتوقف الجدل فى أوساط المثقفين والمؤرخين منذ تقدم النائب د.عمر حمروش أمين سر لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب، بمشروع قانون يجرم إهانة الرموز والشخصيات التاريخية إلى مجلس النواب، والذى أحاله د. على عبدالعال رئيس المجلس إلى لجنة مشتركة من اللجنة التشريعية ولجنة الثقافة والإعلام. مشروع القانون )خمس مواد(، تعد مادته الثالثة هى الأخطر؛ لأنها تنص على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس سنوات وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 500 ألف جنيه، كل من أساء إلى الرموز والشخصيات التاريخية، وفى حالة العودة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد على سبع سنوات وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه». غير أن تطاول د. يوسف زيدان )فى وسائل الإعلام( على بعض الشخصيات التاريخية عزز تقديم المشروع لمجلس النواب لاسيما بعد وصف «زيدان» ل«صلاح الدين الأيوبى» ب«واحد من أحقر الشخصيات فى التاريخ الإنسانى» وزعم أن القائد الوطنى أحمد عرابى «دمر مصر وجلب إليها الاحتلال الانجليزى وأنه أى عرابى طالب حكم كسابقيه»، فضلا عن التطاولات السابقة للباحث اسلام بحيرى على رموز إسلامية من قبل على الإمام البخارى وعلى الأئمة الأربعة.. فكيف استقبل المثقفون والمؤرخون مشروع القانون؟ وما هى تخوفاتهم الحقيقية منه؟ وأين يرون مكمن الخطورة فيه؟ هل هو قانون يهدر الحريات ويكمم الأفواه أم أنه يصون حقا رموز الأمة وثوابتها وشخصياتها التاريخية من الإهانة والعبث؟ فى البداية سارع د. عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان بالقول هذا قانون غريب من نوعه وغير مسبوق إلا فى دستور 23 حيث قانون العيب فى الذات الملكية.. لكن مسألة دراسة التاريخ وشخصياته يقوم بها متخصصون أساسا فى دراسة التاريخ، وعلى أساس المنهج العلمى يمنع الباحث فى التاريخ من إصدار الأحكام، وعليه فقط أن يفسر الأحداث، وهناك مقولة لفلاسفة التاريخ الإنجليز تقول: Dont Put history in trial, but interpret it onlyوترجمتها: «لا تحاكم التاريخ ولكن عليك أن تفسره فقط». وعند التعرض لشخصية تاريخية كما يشدد د. عاصم الدسوقى ينبغى على الباحث الرجوع إلى الظروف التاريخية الموضوعية التى صاحبت القرار أو الموقف الذى اتخذه الحاكم. وعن خطورة مشروع القانون يرى د. الدسوقى أنه يفتح الطريق للانقضاض على أى شخص يتعرض لشخصية تاريخية، وهذا القانون مثله مثل قانون إزدراء الأديان وكلاهما يستخدم فى ترهيب الباحثين وإصابتهم بالهلع وإشهار سيف الاتهام فى وجوههم. وإذن فما هو الحل؟ يذهب د. الدسوقى إلى أن الحل هو فى مناشدة الباحثين التزام المنهج العلمى في كتابة التاريخ، ومنعهم من إصدار الأحكام وأن يتركوا ذلك للقارئ وحده. وأنا أعلم والكلام للدكتور عاصم الدسوقى ما أثاره د. يوسف زيدان على إحدى الشاشات من بلبلة عندما أهان صلاح الدين الأيوبى. وأنا ضد أفكار يوسف زيدان وهو يحمل دكتوراه فى الفلسفة الإسلامية، ومن ثم فهو غير متخصص فى التاريخ، وغير مؤهل تأهيلاً علميًا لدراسة التاريخ، ولو كان الأمر كذلك ما كان هناك داعٍ لإنشاء أقسام التاريخ بالجامعات لتعليم الدارسين وصناعة الباحثين، وفى نهاية الأمر لا يصح أن تكون كتابة التاريخ والتحدث فيه حرفة من لا حرفة له. أما د. أحمد درويش أستاذ البلاغة والنقد الأدبى والأدب المقارن بكلية دار العلوم جامعة القاهر ومقرر لجنة الدراسات الأدبية بالمجلس الأعلى للثقافة فيرى ضرورة أن تكون هناك ضوابط ينبغى أن تضاف إلى مشروع القانون، حتى لا يكون هناك حجر على حرية الفكر والبحث العلمى، ومن هذه الضوابط: تحديد مفهوم التراث، ومفهوم النقد، وإضافة عبارة: «دون أدلة تاريخية كافية» لنص مشروع القانون. ويضيف د. أحمد درويش أن للباحث الحق فى أن يعرض لأى شخصية بالبحث والتحليل وذكر الايجابيات والسلبيات. وإذا كانت النتائج التى توصل إليها صادمة للفكرة الشائعة عن هذه الشخصية، فعليه أن يقدم الأدلة الحقيقية ويوازن بين جوانب السلب والإيجاب، وأن يحكم على الشخصية بظروف عصرها هى لا بظروف عصرنا نحن، وخاصة الشخصيات السياسية التى تكون أمام تحديات معينة، وتمر بمراحل فاصلة أو تكون هناك مؤامرات لتشويه هذه الشخصية ولا نعلم عنها شيئًا كثيرًا. فعلى الباحث -من وجهة نظر د. درويش- أن يدقق وراء الظروف التاريخية التى دفعت الشخصية -فى ظنه- إلى أن تفعل ما فعلت، وأن يكون حكمه حكم المؤرخ العادل لا حكم الباحث المتعجل. وفى المقابل -يواصل د. درويش- لابد أن يضاف إلى مشروع القانون أن هنالك ثوابت للأمة، وخاصة فى مجال أمجادها، أو ما تعتز به فى مقابل ما ينازعها عليه أعداؤها فى الحضارة. ينبغى أن يوضع هذا فى الحسبان قبل أن نقدم لأعداء الأمة ما يهز اليقين الذى ارتكنت إليه أزمنة طويلة، وألا نعلن أن هذا اليقين زائف إلا بعد تقديم أدلة كافية وبعد تروٍ ودراسة متخصصة. أما بالنسبة لما أثير مؤخرًا على لسان د. يوسف زيدان عن صلاح الدين الأيوبى فلقد رددت على هذا -يقول د. درويش- بكتاب: «صورة صلاح الدين الأيوبى فى الآداب الأوربية الوسيطة» بينت فيه الوجه الإيجابى لصلاح الدين الأيوبى الذى اعتبره الأوربيون من نبلاء الإنسانية، وحتى دانتى الليجيرى الذى أنشأ الجحيم لمخالفيه فى العقيدة رفع صلاح الدين والإسكندر الأكبر من جحيمه لمكانتهما فى خدمة الإنسانية. وعودة إلى المؤرخين يقول د. جمال شقرة أستاذ التاريخ ومدير مركز بحوث الشرق الأوسط: رغم أننى من الذين استاءوا كثيرًا من إهانة بعض الرموز الوطنية على لسان يوسف زيدان خاصة صلاح الدين الأيوبى والزعيم أحمد عرابى، ورغم رفضى لتشويه رموز الأمة وتزييف التاريخ، فإننى لا أوافق على هذا القانون بالشكل الذى طُرح به؛ لأنه بهذه الصورة من الممكن أن يؤدى إلى نتائج عكسية تقيد الحرية. وكنت أتصور- والكلام للدكتور جمال شقرة- أن علاج هذه المشكلة يكون بالمناظرات العلمية، ونحن دعونا د. يوسف زيدان لمناظرة علمية مرتين: الأولى- عندما دعوناه لمناظرة مع علماء متخصصين فى تاريخ العصور الوسطى والحروب الصليبية على أرض مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس. والأخرى عندما خاص فى تاريخ الزعيم أحمد عرابى فدعوناه لمناظرة يُدعى إليها المتخصصون فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر الذين أنجزوا بحوثهم ودراساتهم العلمية حول تاريخ أحمد عرابى وتاريخ الحركة الوطنية المصرية، وكانت المناظرة هذه المرة على أرض الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، ورفض د. زيدان المناظرة فى المرتين وتهرب. ويواصل د. شقرة قائلًا: كانت وجهة نظرنا ولا تزال هى أن الفكرة تدرأ بالفكرة والمادة العلمية الجديدة الموثقة والصحيحة تدفع إلى إعادة قراءة تاريخ الرموز أو الوقائع التاريخية بصفة عامة. ونتيجة لنسبية هذه الوقائع وعدم تحديد مفاهيم واضحة لمصطلحات مثل: الرمز والزعيم.. وما إلى ذلك؛ فإننا نتمسك برأينا أنه إذا ما تم تزييف حقيقة تاريخية ما، أو الاعتداء على رمز متفق عليه بين جمهرة العلماء فإننا فى هذه الحالة نعاقبه بإشهار إفلاسه، وتبيان جهله بالمناظرات العلمية، والوقوف ضد شطاحته وأفكاره المتطرفة بفضحه فى وسائل الإعلام المختلفة.. وأما مكمن الخطورة فى هذا القانون فيراه د. شقرة فى أنه ربما يقع هذا القانون فى يد جماعة ذات توجه أيديولوجى معين فتبالغ فى تطبيقه وتحاكم الحرية، فإذا ما تصورنا جدلاً أن الحاكم الذى سيطبق القانون من المنتمين إلى الزعيم عرابى أو جمال عبدالناصر أو غيرهما فالمؤكد أن استخدامه لمواد القانون سيكون عنيفًا فى مواجهة أعدائه، وستتحول المسألة إلى تصفية حسابات سياسية. ومن المعلوم أن السياسة إذا دخلت فى التاريخ أفسدته. ويرى د. حامد أبو أحمد أستاذ الأدب الأسبانى وعميد كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر أن مشروع القانون لا صلة له بالحريات، وإنما يعود إلى أننا نعيش حاليا حالة من شقين: أولاً هناك هوس بالشهرة من قبل البعض والآخر أن أجهزة الإعلام لديها أيضا هوس بهذا النوع من التصريحات الغريبة. انظر مثلا إلى الفتاوى التى خرجت أخيرًا، وكلها ضد الدين والحضارة الإنسانية، ومع الأسف هذه الفتاوى خرجت من أزهريين، مثل فتوى إرضاع الكبير، ومضاجعة المرأة الميتة، ومضاجعة الحيوانات، وهذا الكلام يعد وصمة عار عندما ينتشر عنا فى الغرب، فهذا أشد تخلفًا من داعش. وخذ مثلاث حديث د. يوسف زيدان عن صلاح الدين الأيوبى الذى يعترف العالم كله بأنه كان قائدًا إنسانًا، وهو الذى حرر العالم العربى من الخطر الصليبى فى موقعة حطين. وبم نفسر ذلك؟ يجيب د. حامد أبو أحمد بأن هذا هوس بالشهرة، ويحمل بعدا آخر وهو التزلف إلى الصهيونية، متخيلا أنه يمكن أن يحصل على جوائز عالمية. والإعلام أيضا يضيف د. أبو أحمد جزء من اللعبة وهو مدان فى هذه المسألة فهو مولع بالإثارة، وهو الذى يفتح المجال والمساحات لهذا النوع من التخريف والتخريب جريا وراء زيادة المساحات الإعلانية التى تدر ربحًا عاليًا يصب فى جيوب أصحاب هذه القنوات والعاملين بها. ومن ثم يقرر د. أبو أحمد أنا مع مشروع هذا القانون لكى يلجم هذا الهوس الذى وصل حدًا غير مسبوق، وحتى لا نفاجأ فى المستقبل بمزيد من هذه الإساءات إلى رموزنا التاريخية.