للتاريخ أبواب كثيرة يدخل منها الصادقون فيوثقونه ويدخل من بعض أبوابه الكاذبون الذين يريدون الشهرة ويتبعون أهواءهم الشخصية فيخرجون سريعًا من نفس الطريق التى دخلوا منها لأن التاريخ علم بعيد عن الدين والسياسة. هذه عبارات المؤرخ المصرى د. عاصم الدسوقى الذى تحدث معنا بصراحة حول ما قيل عن شخصيات مصرية، كاشفا أن من يريد تشويه تاريخ مصر ليس بالضرورة أن يكون أجنبيًا ولربما يكون مصريًا له مآرب أخرى. • فى البداية تعرضت للهجوم من قبل مذيعة فى cbc فما هو أصل الموضوع وهل تنتوى الظهور معها مرة أخرى؟ - حدثنى مدير المحطة للاعتذار وطلب حضورى مرة أخرى للقناة ورفضت رفضًا باتًا وقلت له لن أقوم برفع قضية واعتبرت أن ما حدث موقف عابر ممكن أن يحدث مع أحد تلاميذى، وفى النهاية تصرفات هذه المذيعة تنم عن تربيتها وأنا لم أر هذه المذيعة إلا قبل الفاصل الذى يمهد لدخولى على الهواء ولم أتحدث معها على الإطلاق قبل ذلك..بدأت بطريقة مستفزة فى حوارها معى تقول إن تاريخ مصر كتبه الأجانب وإن كان هذا صحيحًا فهؤلاء الأجانب هم باحثون فى التاريخ وليسوا مؤرخين لأن المؤرخ هو الذى يسجل التاريخ لحظة بلحظة مستندًا إلى مصادر عديدة، وفى مصر مؤرخون كثر كتبوا التاريخ بشفافية كبيرة، ولكنى طوال حوارى معها تريد أن تنتصر لرأى د. يوسف زيدان الذى يحاول تشويه شخصيات كبيرة فى التاريخ المصرى لأغراض فى نفسه. • كمؤرخ كبير ما المصادر التى يستقى منها المؤرخون توثيقهم للتاريخ؟ - هناك أوراق حكومية فى دوائر الدولة وأوراق موثقة فى السفارات ترصد الأحداث كذلك الصحف، بالإضافة إلى المذكرات الشخصية، وهنا لابد أن أذكر أن أى سياسى كتب ونشر مذكراته وهو على قيد الحياة فهو كاذب كاذب، لأن أصدق مذكرات تلك التى يكتبها صاحبها وتنشر بعد وفاته مثلما فعل سعد زغلول ومحمد فريد وعبدالرحمن فهمى.. هذه الشخصيات العظيمة كتبت مذكراتها وبوصية تم نشرها بعد وفاتها يعنى مثلا عندنا مذكرات الزعيم سعد زغلول الذى اعترف على نفسه أنه تمكن منه داء الخمر ولعب القمار، ومحمد فريد أيضا كتب فى مذكراته سبًا وشتمًا فى بعض السياسيين المعاصرين له وبأبشع الشتائم، وبالطبع لو نشر هذا الكلام وهو حى كانت سترفع عليه قضايا فكانت هذه المذكرات أشبه براحة نفسية لصاحبها. • فى تقديرك لماذا الآن يصف يوسف زيدان بعض الشخصيات الكبيرة فى التاريخ المصرى بهذه الأوصاف والحكايات غير المقبولة؟ - يقول د. يوسف زيدان إن عرابى تسبب فى دخول الاحتلال الإنجليزى لمصر فهو يفترى عليه وينسى أن عرابى وقف أمام الخديو وهو لا يمثل مصلحة شخصية له، وإنما يمثل مصالح الشعب والجيش المصرى، وكان يطالب بأن يكون وزير الدفاع مصريًا لا عثمانيًا أو شركسيًا، ويكون هناك مجلس نواب يمثل الشعب فكان مع عرابى عامة الشعب وكان ضده من هم مرتبطون بالعثمانيين والشراكسة والسلطة مثل الشاعر أحمد شوقى لأن أحمد شوقى من أصول شركسية، فعندما عاد عرابى من المنفى سنة 1902 بعد 20 سنة فى منفاه قال له شوقي: صغارا فى الذهاب وفى الإياب هذا كل شأنك يا عرابى فرد عليه عرابى وقال: كبار فى الذهاب وفى الإياب..رغم أنف أولاد الكلاب. كذلك وصف زيدان صلاح الدين الأيوبى بأنه أحقر شخصية فى التاريخ، وهذا أمر غير مقبول لأن صلاح الدين هو قائد مسلم كردى اصطدم بالفاطميين فعزلهم، وكان ممكنا أن يحدث العكس ويهزمونه لأنه فى تاريخ المعارك والحروب أمم تنتصر وأمم تزول والصراع السياسى لا يعرف الأخلاق، أما أن يقول زيدان إن الناصر صلاح الدين حقير لأنه هزم الفاطميين من نسب وسلالة الرسول عليه الصلاة والسلام هذه حكم ومواعظ لا يعرفها التاريخ! ما يقوله زيدان يشى بأنه «مأجور» أو يريد تقديم نفسه بشكل دعائى يسعى من خلاله للفت النظر أو استقطابه من أى جهة ما، ولا أعلم ما دخل زيدان بالتاريخ وهو حاصل على دكتوراه فى الفلسفة كان هناك هرج ومرج حولها، حتى روايته «عزازيل» هى رواية مترجمة مقتبسة عن رواية إنجليزية وفكرة عزازيل مقتبسة من شخصية هيباتيا الإنجليزية، وأيضا حول روايته هرج ومرج وفى النهاية ففى اعتقادى يريد زيدان تشويه هؤلاء القادة العسكريين ونسب كل آفة إليهم فى إسقاط واضح على نظام الحكم اليوم. كتابة التاريخ • هل تمت كتابة تاريخنا المصرى دون تدخل أجنبي؟ - عندما يؤرخ التاريخ يكتبه المؤرخون من مصادر موثوقة عدة ومن كتب التاريخ المصرى هم مصريون منهم عبدالرحمن الجبرتى وبعده أمين سامى وبعده ميخائيل شاروبيم وبعدهم عبدالرحمن الرافعى، وهؤلاء المؤرخون يختلفون عن الباحث الذى يعتمد عليهم فى توثيق بحثه، وهذا من الممكن أن نجد باحثين أجانب كتبوا فى قضايا تاريخية مصرية الأمين منهم هو من يستند على تأريخ هؤلاء المؤرخين. • فى تاريخ مصر هناك ثورات عدة أى منها ينطبق عليه اسم الثورة؟ - الثورة هى تغيير جذرى فى نظام الحكم، وذلك لم يحدث إلا فى ثورة يوليو 52 لأنه كان بها تغير جذرى فى الحكم، ومن بعد ذلك لم تحدث أى ثورات، وإنما هى مجرد إرادة لتغيير المسار، ولكن بقيت الأمور على حالها. • ما هو رأيك فى مذكرات السيد عمرو موسي (كتابيه)؟ - هناك كثير من الأشياء التى ذكرها عن عبدالناصر مشوهة فكيف يقول إن عبدالناصر كان يأتيه طعامه من سويسرا وكان معروفًا من الحوارين معه فى زمنه أنه كان يأكل الجبن والزيتون والفول، وكان منزله عبارة عن طابقين طابق أعلى فيه أهل بيته يصرف عليه من راتبه، ولكن عندما يأتيه ضيوف يستقبلهم فى الطابق الأرضى، وما يقدمه لهم من ميزانية الرئاسة، وعندما مات عبدالناصر كان حسابه كله فى البنك لا يتجاوز 261 جنيهًا، وأذكر قصة جميلة لعبدالناصر أنه كان يمر كل يوم فى طريقه إلى مكتبه وكان يجد من يجمع التبرعات لبناء جامع وفى يوم وجد المبانى توقفت فسأل فقالوا له إن الجمعية الخيرية التى تصرف على بناء الجامع قد نفدت أموالها فأمر بأن يعطى من التبرعات التى كانت تصل للدولة لاستكمال بناء الجامع فسمى باسم جامع عبدالناصر، والحقيقة لقد فقد عمرو موسى كثيرًا من مصداقيته بهذه المذكرات المبتورة التى شوهت صورة الزعيم جمال عبدالناصر الذى سعى للثورة لنصرة شعب مصر. • هل أنصف وحيد حامد الأحداث التاريخية فى مسلسل الجماعة؟ لاسيما عبدالناصر! لا، بالعكس اختار وحيد حامد ما يظهر أن عبدالناصر تابع للإخوان وأن سيد قطب هو من كان متحكمًا فيه قبل أن يضعه فى السجن، وهذا غير صحيح على الإطلاق، ولكن وحيد حامد اعتمد فى أحداثه على من يكرهون عبدالناصر مثل حمادة حسنى أو لم يعتمد على الرافعى هذا المؤرخ الموثوق وقلت إن خمسة بالمائة فقط من أحداث الجماعة هى فقط صحيحة وغير ذلك هو افتراء وبعيد عن الحقيقة.. • تيران وصنافير • ما القول الفصل تاريخيًا فيما يخص جزيرتى تيران وصنافير؟ - هما فى الأصل تتبعان للحجاز وكانت إمارة مستقلة، ولكن الدولة العثمانية أعطت محمد على باشوية جدة مكافأة له لضربه الثورة اليونانية ولما ضرب محمد على تم إلغاء ذلك، وبعد رجوع آل سعود إلى الحجاز من الكويت تم إعلان استقلال المملكة وتضم تيران وصنافير وهو امتداد أرضى يتبع الحجاز، وكان استقلال المملكة 1932، وفى سنة 1934 وهذه وثائق موجودة..عندما أراد طلبة قسم الجولوجيا فى جامعة فؤاد الأول القيام برحلة علمية إلى تيران وصنافير، اتصل وزير المعارف بالخارجية المصرية لأن مصر وقتها تحت الحماية البريطانية قبل معاهدة 36 والقنصل المصرى اتصل بالخارجية السعودية لطلب الإذن! فى سنة 1948 قامت حرب فلسطين وانهزم العرب وبعده احتلت إسرائيل ميناء أم الرشراش هنا خاف عبدالعزيز آل سعود وكلم الملك فاروق، وقال له أنت مسئول عن حماية الجزيرتين وأعطى له مقابلاً ماديًا أيضا، وهنا أعلنت مصر احتلال الجزيرتين. السعودية طالبت بهما فى 1981 وتم رفض الطلب وبعدها فى منتصف الألفينات وتم رفض الطلب حتى وضعه حسنى مبارك تحت الدراسة فى 2010 وبعد أن أعطينا السعودية اليوم الجزيرتين، سيتم توقيع اتفاقية بينها وبين إسرائيل وسيكون هذا اعترافًا من قبل المملكة السعودية بإسرائيل بشكل رسمى. •