يتعمد الأديب والروائي يوسف زيدان، خلق حالة من الجدال حول الشخصيات التاريخية بين الحين والآخر، ليضع المجتمع أمام حالة من الالتباس حول صحة ما يقول، وما بين مؤيد ومعارض لما يطرحه زيدان، لجأ البرلمان إلى البحث عن ضابط من شأنه حماية الرموز التاريخية من أن ينالها عبث العابثين. "صلاح الدين، قطز، وعرابي".. شخصيات أصابتها سهام "زيدان". صلاح الدين الأيوبي من أحقر الشخصيات فى التاريخ الإنساني، وقصة وا إسلاماه التي قدمت فى السينما المصرية، تزيد من العنف لدى الأطفال، هذه رؤيا الروائي يوسف زيدان، خاصة أن الأيوبي قام بجريمة ضد الإنسانية ضد الفاطميين وعزل الرجال عن النساء، فانقطع نسل الفاطميين فى مصر بعد توليه الحكم، زاعماً أنه حرق مكتبة القصر الكبير، والتي تعد فى ذلك الوقت أكبر مكتبة فى العالم لدواعي سياسية واهية وهي محاربة الفكر الشيعي.. ويواصل صلاح الدين الأيوبي لم يحرر القدس، بل عقد صلحاً مع الصليبيين بعد أكثر من حرب، انتقاماً لشقيقته فقط، وأن الوقائع التاريخية تؤيد ما ذكره، ويشدد لقب "الناصر" الذي التصق بصلاح الدين، لا يعني "عبد الناصر" أو "ناصر الدين"، وإنما هو أحد الألقاب التشريفية التي منحها الخليفة الفاطمي الأخير "العاضد" لصلاح الدين، ونصه الأصلي "ناصر أمير المؤمنين العاضد لدين الله الفاطمي"، ليخلص إلى طرح تساؤلات حول طريقة المعاملة ورد الجميل من قبل صلاح الدين تجاه الخليفة العاضد. لم يكتف زيدان بما سرده فى شخص صلاح الدين، ليؤكد أنه خان سيده السلطان نور الدين، وعصى أوامره، وترك المهمة المكلف بها وهى حصار الصليبيين، وانشغل باستقدام أفراد أسرته وتوزيع المناصب عليهم، وفق ما أرخه مؤرخو السنة أمثال المقريزي وابن الأثير، مستعملين تعبيرات مخففة مثل "وقعت بينهما الوحشة"، ليتابع "فى غمرة هذه الوحشة، فجأة مات السلطان نور الدين، فذهب صلاح الدين على رأس جيش قوامه سبعمائة فارس إلى عاصمة السلطنة دمشق، واستمال بعض قواد السلطان المتوفى فجأة، و حارب بعضهم الآخر وقتلهم شر قتل، وهم مسلمون سُنّة، واستولى على الحكم وتزوج أرملة السلطان عصمة خاتون، وحارب ابنه الذي تحصن بالعاصمة الثانية للسلطنة، مدينة حلب، ومثلما مات السلطان نور الدين فجأة قبل خلعه لصلاح الدين، مات الخليفة الفاطمي الأخير العاضد لدين الله فجأة، وهو شاب، بعد أن جرّده صلاح الدين من ممتلكاته، ومات ابن السلطان نور الدين فجأة وهو صبى، فاستولى صلاح الدين على حلب، كل الذين وقفوا بين صلاح الدين وكرسي العرش ماتوا فجأة هذه بعض الاتهامات التي وجهها "زيدان" لصلاح الدين، وهذا يقودنا إلى السؤال الثالث". سيف الدين قطز، هو أيضاً مغالطة تاريخية وفق رؤية زيدان، فقصة "وا إسلاماه" معظمها مغالطات تاريخية، دون أن يقدم الرواية الصحيحة للتاريخ، أو كيف تحصل عليها. الزعيم الراحل أحمد عرابي هو ثالث من أصابهم سهام الروائي يوسف زيدان، حيث ذكر أنه كان سبباً فى ضياع الوطن ودخوله فى نفق مظلم واستعمار دام لأكثر من 70 عاماً، مضيفا أن المناهج الدراسية بها الكثير من الأخطاء، مثل وقوف أحمد عرابي أمام الملك، نافيا رؤية أحمد عرابي الخديو توفيق. ويواصل مقتطفات من أبيات الشاعر أحمد شوقي "صغارٌ فى الذهاب وفى الإياب.. أهذا كل شأنك يا عرابي _ عفا عنك الأباعدُ والأدنى.. فمن يعفو عن الوطن المصاب"، لدعم موقفه من الثورة العرابية، فى إشارة لشوقي وموقفه السلبي من ثورة عرابي، واستقبله بعد عودته من المنفى بقصيدة نشرت فى (المجلة المصرية ) لصاحبها ومنشئها خليل مطران، العدد الثاني فى 15 يونيو 1901، وقعها بإمضاء (نديم)، وفيها تشهير واستهزاء بعرابي وتطلعه لأن يكون ملكاً على مصر. مؤرخون.. السعي وراء الشهرة أساتذة التاريخ الحديث، رأوا أن "زيدان" يسعى للشهرة، وتحقيق أكبر قدر من المبيعات التي يقوم بتأليفها، مطالبين بالتوثيق التاريخي لكل من يزعم بأن الشخصيات التاريخية التي نقوم بتدريسها ليست كما نظن، مشددين على سن تشريعات من شأنها معاقبة لكل من يقوم بإهانة الشخصيات التاريخية، وقال الدكتور محمد عفيفى أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، إن كل شخصية تاريخية سياسية لديها سلبيات وإيجابيات ولا يصح اختزال مشوار أي شخصية بكلمة "أحقر أو أفضل"، مؤكداً أن المؤرخ الحقيقي يتعامل مع أي ظاهرة بهدوء، ويتحدث عن الشخصية بكل ما لها وما عليها، إضافة إلى أن المؤرخين يتعاملون بالبحث الدقيق ويدرسون السيرة الكاملة. بينما قال الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، إن الكاتب يوسف زيدان كل هدفه الحصول على شهرة زائفة، مشيرًا إلى أنه لا بد من الرد عليه حتى يتم كشف الأكاذيب التي يعلن عنها، مطالباً بضرورة سن تشريعات من شأنها معاقبة المعتدين عليهم، خاصة انه لا توجد دولة فى العالم تسمح بإهانة "رموزها الوطنية" وتفرض القوانين فى جميع الدول عقوبات رادعة فى جرائم إهانة الرموز الوطنية. التواصل الاجتماعى وفى السياق ذاته، قال بسام الشماع عالم المصريات إن هجوم الكاتب يوسف زيدان على القائد صلاح الدين الأيوبي لم يكن الأول له بل حدث وذكر، موضحاً أن بعد الهجوم على صلاح الدين الأيوبي فى المرة الأولى، قمت بتدشين صفحة رسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، تحمل عنوان "صلاح الدين الأيوبي رد الاعتبار" تتضمن 199 معلومة موثقة عن صلاح الدين، مضيفا أن من بين المعلومات المتواجدة على الصفحة، كتب الدكتور أحمد فؤاد سيد عن حرق صلاح الدين للمكتبة الفاطمية فى مصر" وتحول إلى كتب الدعوة الإسماعيلية التي احتوت عليها مكتبة القصر الفاطمي، فأحرقها وألقاها على جبل المقطم بحيث صارت تعرف بكميان الكتب، ثم فرق الكتب غير المذهبية التي صودرت من مكتبة القصر، على كبار علماء وأنصار دولته، أمثال العماد الأصفهاني والقاضي الفاضل وأبى شامة". وأشار "الشماع" إلى أنه فى حين حافظ الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه على كنائس النصارى فى القدس عبر العهدة العمرية، عامل صلاح الدين الصليبيين فى القدس معاملة طيبة، بينما يؤكد الدكتور مسير الجمال أن الحاكم العبيدي "الفاطمي" أمر فى عام 1008 ميلاديا بهدم كل الكنائس والأديرة بمصر وكذلك كنيسة القيامة فى بيت المقدس وأباح نهبها، وقد أشرف على نهب كنيسة القيامة وزير الحاكم الشيعي "النصراني أبن عبدون" والذي قتله الحاكم بعد ذلك، ثم ألغى أوامره، وتابع عالم المصريات، أن لم يخلف صلاح الدين الأيوبي داراً ولا يترك بستانا ولا عقارا، ولا ملكا ولا مزرعة ولا قرية ولا شيء من أنواع الأملاك،. مشروع قانون يدخل البرلمان فى سياق متصل، أكد الدكتور عمر حمروش، أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب، أن اللجنة تقوم بدراسة مشروع قانون يجرم الإساءة للرموز الوطنية، الذين ذكرهم التاريخ فى نضالهم من أجل مثل، كأحمد عرابي وسعد زغلول ومصطفى كامل وغيرهم من الرموز الوطنية.. وقال حمروش، إن لأحمد عرابي كزعيم وطني مقولة شهيرة نرددها على أبنائنا كل يوم وهي "لقد خلقنا الله أحراراً ولم يخلقنا تراثنا أو عقارنا "، فكيف نشكك فيه بمثل تلك الصورة التي لا تصح، مشدداً نحتاج إلى ان نعطي لأبنائنا قدوة لا أن نمحو عنهم القدوة وننل منها.