الصمت الانتخابي هو فترة زمنية تسبق الانتخابات مباشرةً، يحددها القانون، ويحظر فيها أي دعاية للمتنافسين وذلك بغرض تحقيق التكافؤ بينهم، وكذلك خلق مناخ هادئ يسمح للناخب بالتأني في اختيار مرشحيه. والصمت بوجه عام من سمات الحكماء، وهو أبلغ وأرقي فنون عِلم الكلام.. فلغة الصمت وحدها قادرة علي ترجمة المعاني الكامنة في الشعور ببراعة وصدق، وبمفردات تبدو بسيطة رغم تعقُدها كالنظرة والإيماءة والدمعة والابتسامة.. والصمت من أنماط التعبير الآمنة، حيث لا مجال للسقوط في مظنة النفاق عند المدح، ولا في تهمة السب والقذف عند القدح. ويُحكي أن البعض كان يضع حصاة تحت لسانه ولا يُخرجها إلا وقت الطعام أو الشراب أو النوم!! فالصمت فضيلة تحتاج إلي جهاد مع النفس أولاً للفوز بها، والفلاسفة هم أناس تدربوا علي الصمت حتي أتقنوه، وكذلك العُبَّاد والنُسَّاك ففي صمتهم صلاة لا يسمعها إلا الله.. والطبيعي أن نجد الصامت مُحَاصَرًا بفضول الآخرين لمعرفة رأيه، أما المُثرثِر فيَنفرون منه ويقاطعونه كلما تكلم.. ولكن لأننا نعيش في الزمن الأردأ فكل المشاهدات تسير عكس التوقعات، حيث يتواري العقلاء تعففاً أو تأففاً، أو ربما اعتصاماً بخلوتهم المفضلة في الأعماق، بينما يطفو السفهاء علي السطح بفعل خِفَّة جماجمهم الجوفاء.. وها هم قد تحولوا إلي علماء ودكاترة في الاقتصاد والسياسة والأمن والفن والأدب وقلة الأدب أيضًا، فليس أهم عندهم سوي أن يصبحوا نجومًا نراهم ونسمعهم بالليل، ونعود في النهار لنقرأ ما فاتنا من هرائهم، ثم نعيد بثه في آذان أخري علي مدار اليوم، متقمصين شخصيات هؤلاء المتشنجين، مرددين آراءهم الضحلة.. والنتيجة مزيد من العداء والاحتقان والاستقطاب والمزيد والمزيد من التجهيل المُتعمَّد لشعب أراد أن يعرف فأخطأ قبلته ليقع في براثن شلة من المحتالين ومدعي المعرفة.. فماذا ننتظر من مجتمع أمسي فيه مذيعو الفضائيات وضيوفهم ومداخلوهم هم المُعلم والمُوَجه والقدوة المفروضة عليه بلا مبرر سوي تحقيق مصالحهم ولو علي جثث أجيال من الضحايا البسطاء. فالإعلام لم يعد منبرًا للحقيقة، ولا ملاذًا للضعفاء، ولا حتي مصدرًا للمعلومات، بل وكرًا لمتعاطي البذاءات وتجارها، يلتقط من الشارع أقبح ما فيه ثم يذهب من جديد ليبيع له نفس بضاعته وقد أصبحت أكثر إثارة وفتنة، وهكذا يغرق الجميع في مستنقع الوقاحة والقباحة.. صارت المحطات مرتعاً للاجئين الإعلاميين الباحثين عن الشهرة طمعاً في حصانتها. فهل تحول الكلام الوضيع إلي وظيفة مرموقة؟! هل باتت أحاديث القتل، والخيانة وزِني المحارم والشذوذ الجنسي والعفاريت سَبُّوبة، دون مراعاة لسلبياتها عندما تُذبح المُثُل أمامنا؟! والخلاصة: علينا بالصمت لتهدأ نفوسنا، وننسي الإهانات المتبادلة عبر سنوات الغل والرفض والتشكيك.. فالأمل معدوم وسط هذا الضجيج في أن ننعم بالوقت والتركيز لنعمل ونتقن ونستمتع ونتعلم فنتقدم إلا إذا التزمنا الصمت كما احترفنا الكلام.