«دى مش قباحة يا حميدة.. دا جهل بعيد عنك!».. هل تذكر هذا التعليق الذى أتحفنا به عبدالفتاح القصرى فى فيلم «ابن حميدو»، وهو يسكن غضب ابنته «حميدة» التى ثارت عندما سأل «إسماعيل ياسين» أباها المعلم حنفى «أنعم وأكرم» بسذاجة: أنعم وأكرم دا اسم والدك؟!. منذ شهور ونحن نعيش حالة فلتان لسان من جانب عدد من الوزراء والمحافظين، يخطئ من يصنفها فى دائرة «القباحة»، لأنها تقع بامتياز فى دائرة «الجهل». فلتان لسان المسئولين ظاهرة قديمة ظهرت فى حياتنا -على استحياء- بعد ثورة يناير، لكنها ترعرعت وتفرعت وانتشرت بعد موجة الثورة الثانية فى 30 يونيو. فأصبح وصم المواطن ونعته بأبشع الصفات سمت الكثير من المسئولين، ويمكن فهمها كمحاولة من جانب المسئولين لاختبار مدى القدرة على العودة إلى «قديمه»، أو بعبارة أخرى العودة إلى الطابع «الاستعلائى» و«التحقيرى» الذى كان يحكم علاقة السلطة بالشعب قبل قيام ثورة يناير 2011. أغلب المحافظين والوزراء تورطوا فى جريمة «فلتان اللسان»، بعد 30 يونيو، بشكل يؤشر إلى أننا أمام ظاهرة ممنهجة، وأقول «ممنهجة» لأننى ألاحظ أن الرئيس يسمع ويتابع وتصل إليه المعلومات الدالة على سوء معاملة المواطنين من جانب المسئولين وإهانتهم علناً بألسنة حداد، دون أن يتخذ قراراً واضحاً، أو يعطى توجيهاً قاطعاً بالتوقف عن هذه المهازل، ولا سبيل هنا للتحجج بالإطاحة بوزير العدل المستشار محفوظ صابر، بعد كلامه المعلن عن رفض تعيين أبناء الزبالين فى سلك القضاء. لا سبيل إلى التحجج بهذه الواقعة، بسبب ما أعقبها من وقائع تشهد على أن اللسان المنفلت ما زال يعمل بقوة، يؤكد ذلك إهانة وزير الزراعة صلاح هلال للوفد النوبى الذى ذهب إليه لمناقشة حق أبناء النوبة فى الاستفادة من المشروعات الجديدة، فما كان منه إلا أن طردهم من مكتبه -طبقاً لموقع «البوابة»- وقال لهم: «روحوا لرئيس الوزراء وخلوا الدستور ينفعكم». وفى الوقت الذى كان يهين فيه وزير الزراعة أهالى النوبة، كانت وزيرة التطوير الحضارى تهين أبناء الصعيد بقولها: «الصعايدة هم سبب العشوائيات فى القاهرة». هاتان الواقعتان اللتان حدثتا بعد الإطاحة بوزير العدل تشهدان على أننا أمام فعل ممنهج. وعلينا أيضاً أن نفهم أن إقالة المستشار «محفوظ صابر»، ليس مردها قرار مسئول، بل منبعها حالة الغضب التى اجتاحت الشارع المصرى الجديد الذى أفرزته ثورة 25 يناير، والتى أجبرت رئيس الوزراء على التحرك واستبعاد وزير العدل من حكومته. قلة أدب المسئولين فعل ممنهج تستهدف السلطة من خلاله اختبار الشعب، وتحديد إمكانية عودته إلى حظيرة الطاعة التى عاش بداخلها ثلاثين عاماً من حكم «مبارك» مرة أخرى. ولست أدرى متى ستدرك السلطة أن المصريين تغيروا، وأن ثورة يناير أحدثت تحولات محسوسة فى فكر وأداء الكثيرين، وذلك هو المعنى الحقيقى للثورة: «تغيير الفكر والأداء»، ويخطئ من يتصور أن المصريين ما زالوا على ما دأبوا عليه من كسل ورفض للعمل وقبول للفساد، فالمصريون أوعى من غيرهم بعوراتهم، إنهم فقط يخوضون الآن مرحلة «إثبات الذات» مع السلطة، ورغم تعدد محاولات المسئولين إقناع الشعب بقبول الإهانة، فإن الشعب لم يزل يرفض ويثبت «جهل» من يتورط فى ذلك.. أما «القباحة» فمفيش سلطة تغلب الشعب فيها!.