نتائج المرحلة الأولي أكدت أن الجماهير مع 'الدولة' في مواجهة التحديات مهمة البرلمان القادم.. عدم التخلي عن مطالب الشعب ومحاسبة كل المتراخين والمتجاوزين إذا فشل مجلس النواب القادم في مهمته.. فاعلم أنها الفوضي والمرحلة الثانية ستعكس ملامح البرلمان مبكرًا مرت المرحلة الأولي بسلام، سقط المشككون والكذابون، كانوا قد توعدوا، وأعدوا العدة، حملات إعلامية ممنهجة، تشكك في كل شيء، ادعاءات وأكاذيب عن عودة وانتاج الحزب الوطني من جديد، بعضهم تجرأ وقال إنه يري مشهد برلمان 2010 يعود مجددًا، ينسون ويتجاهلون عن عمد، كيف كان برلمان 2010، وكيف كان التزوير، وكيف كان الغضب الجماهيري!! بسرعة البرق تناسي البعض أن مصر اليوم غير مصر الأمس، وأن الانتخابات البرلمانية في جولتها الأولي كانت مثالاً يحتذي، وأن القضاء المصري كان حريصا علي نزاهتها، إلي حد التصلب في كثير من المواقف. ينسي هؤلاء أن الدولة وقفت علي الحياد، وأن قوات الشرطة والجيش التزمت بحماية الجميع، حافظت علي الأمن والاستقرار، أجهضت المخططات قبل وقوعها انجزت الاجراءات اللوجيستية بالشكل الأفضل، وانتهت الانتخابات في هذه المرحلة دون نقطة دماء واحدة، وهو انجاز ليس بالهين.. أتأمل المشهد، حرب إعلامية لا تتوقف، ضجيجها يصل إلي البسطاء، لكنهم لم يتجاوبوا معها، إنهم يعرفون أن العازفين، هم أنفسهم الذين دفعوا البلاد إلي المأزق الذي عاشته مصر من 25 يناير إلي 30 يونيو، شككوا في كل شيء، أساءوا لكل شيء، كانوا سببًا في انهيارات كثيرة حدثت في البلاد، صمتوا لبعض الوقت، لحقوا بركاب الثورة، أرادوا أن يغسلوا سمعتهم، وأن يعودوا إلي الناس من جديد، ثم سرعان ما انقلبوا ولكن هذه المرة في صورة جديدة، ارتدوا وجوها أخري، تحدثك عن المعاناة وعن النزاهة الغائبة، وعن الحكومات المتراخية، وعن السيسي الذي أخل بالوعود، يظنون أن البعض عاد يصدقهم مرة أخري، الناس ملت، قرفت ينظرون إليهم نظرة ساخرة، يتذكرون كلماتهم وشعاراتهم الجوفاء في أوقات سابقة وينصرفون عنهم.. انظر إلي حكمة الكبار، حشود المرأة والشيوخ والرجال، وقطاعات لا يستهان بها من الشباب، هؤلاء خرجوا من أجل الأمن والاستقرار، من أجل برلمان يدافع عن مصر ويتبني مشاكل الجماهير ويساند القيادة في مشروعها الوطني، دون صدام، ودون عودة إلي الفوضي من جديد. علينا أن ندرك أن النتائج النهائية للجولة الأولي قد تعطي مؤشرا علي طبيعة وتوقعات المرحلة الثانية، وإن كانت المرحلة الثانية تبدو أشد شراسة، سينهمر فيها سيل الأموال وتحاك فيها المؤامرات، وتتبدل فيها التحالفات، سوف تسيطر لغة ' الانتقام' عليها، كل يريد أن يثأر لنفسه، ويستعيد كرامته، ويعيد انتاج صورته الذهنية لدي الآخرين. قد يظن البعض أن الأمر قد حسم، وهذا كلام واهم، الانتخابات لا تزال في مرحلتها الأولي، وجولة الاعادة في المرحلة الأولي قد تحوي مفاجآت، صحيح أنها لن تكون بقوة مفاجآت المرحلة الثانية والأخيرة، ولكنها ستكون مؤشرا علي شكل خريطة البرلمان والقوي المشكلة له في المرحلة التالية. أدرك أن الجماهير المصرية مع مشروع الدولة بكل تفاصيله، أعرف أن الرهان علي الشارع رهان صحيح، وأن الشارع يمتلك من الوعي الوطني ما يجعله قادراً علي الفرز، لكن ذلك ليس نهاية المطاف، العملية الانتخابية تتحكم فيها عوامل متعددة، إن لم يتم التعامل معها بجدية، فإن النتائج ستأتي عكس تطلعات الجماهير وآمالها.. علينا أن ندرك تماما أن البرلمان القادم يمتلك من الصلاحيات التي تجعله الحاكم الأول والقوة الفصل في التشريعات والقوانين بل واختيارات الحكومات أو إقالتها، إن ذلك يستوجب من كافة الوطنيين الدقة في الاختيار، والحرص علي أن يكون لدينا برلمان يبني ولا يهدم، يتصدي لمسئولياته بروح من الحرص علي كيان الدولة، الدولة التي لا تزال معرضة للخطر من الداخل والخارج.. لا تصدقوا أن مصر باتت بعيدة عن الخطر، المخططات سارية، والمؤامرات تكشف عن وجهها كل يوم، والخارج لن يتركنا في حالنا، وقوي التآمر في الداخل تعيد تنظيم صفوفها رغم الضربات القوية والمؤثرة، والتي كان آخرها عملية 'حق الشهيد' التي أجهضت الكثير من هذه المخططات داخل أحراش وجبال سيناء.. صحيح أننا نمضي إلي الأمام، ولكن ذلك يستوجب إجراء المزيد من التغييرات في الآليات والخطط بل والأشخاص أيضا، هناك الكثيرون حول الرئيس ليسوا بقوة ولا قدرة ولا إخلاص الرئيس لرسالته وأدائه. يجب أن يدرك الجميع أن مصر 'اليوم' مختلفة عن مصر 'الأمس'، الناس تعي كل شيء، والجماهير تمتلك من الشجاعة ما يجعلها تقف وتتحدي بكل قوة، دون خوف أو تردد، ذلك أن الشعب الذي دفع الثمن غاليًا، من أجل أن يعيش حرًا كريمًا، لا يمكن أن يستسلم للأمر الواقع مرة أخري، مهما كانت التحديات التي تواجهه. ثقة الناس في الرئيس كبيرة، ولكن من حق الناس أن تحاسب كل من يتجاوزون وكل من يتعدون اختصاصاتهم، وكل من يحاولون عرقلة التقدم إلي الأمام. لقد حذرنا كثيرًا مثلا من الإجراءات التي كان يتخذها محافظ البنك المركزي السابق، والتي تسببت في اجهاض مقررات مؤتمر شرم الشيخ وتطفيش المستثمرين.. بح صوتنا، وبح صوت المخلصين، لكن أحدًا لم يحرك ساكنًا، حتي وقعت الكارثة، فإذا بالدولار يصل في السوق السوداء إلي 8.5 جنيه، اتراه كان يخطط عبر إجراءاته التي قالت إنها ستقضي علي السوق السوداء لتصل إلي هذا الحد الكارثي الذي هدد المستوردين وتسبب في موجة غلاء معيشية جديدة، لم يعد أحد قادرًا علي مواجهتها. ماذا يعني أن يصدر الرئيس قرارًا بعلاوة 10% للعاملين ثم يعود وزير المالية بعد ثلاثة أشهر ليصدر قرارًا مناقضًا بضرورة استعادة قيمة العلاوة من العاملين مرة أخري، مما يهدد بحالة غضب عمالية عارمة؟ كيف حدث ذلك، ومن الذي أشار بذلك؟ أين الميستشارين المحيطين، وأين الحكومة، وكيف صدر القرار، وكيف تم إجهاضه بهذه الطريقة، وهل هناك من درس رد الفعل وتداعياته؟ الأسئلة كثيرة والأمثلة متعددة، وهذا يربك المشهد ويقدم رسالة خاطئة إلي الجمهور، فلابد من تدارك الوضع، وإعادة الحسابات مجددًا، والتأني في إصدار القرارات، وهو ما يستوجب أن تكون هناك مجموعات تضبط الإيقاع وتقدم المشورة الصحيحة والمخلصة. صحيح أن البرلمان القادم سيكون صوته عاليًا وسيحاسب علي كل كبيرة وصغيرة، ولكن ذلك يجب أن يتم في إطار 'العبور الآمن' للمرحلة الراهنة بكل أزماتها ومشاكلها، وهو أمر يستوجب انتخاب العناصر الوطنية التي تدرك تمامًا الفارق بين المسئولية وبين الفوضي، بين التصدي للإجراءات المغلوطة وبين تصدير المشهد للشارع بأن البلاد أصبحت في قبضة من لا يعبر عن آمالهم وطموحاتهم. لقد سمعت من الناس الذين احتفلوا بالفوز في بلدتي وفي حلوان كلمات تبعث الأمل في النفوس، تصر علي الاستمرار في دعم الدولة ومؤسساتها وقائدها الرئيس عبد الفتاح السيسي، لكنها تضع في المقابل طموحاتها وآمالها بين أيدينا وتحملنا المسئولية كاملة. ولا أظن في اعتقادي أن هناك أنبل من هذا النبض الجماهيري المخلص والصادق، فهل يكون البرلمان القادم علي قدر الطموحات والآمال؟! لا خيار أمامنا إلا أن نكون!!