لم يكن رأس الفرعون المطروح تحت حذاء شامبليون منذ قرابة القرن ونصف القرن سوي مجرد 'وثيقة' منحوتة علي حجر، سجل فيها 'بارتولدي' حلماً ظل يراوده كواحد من الأبناء البررة لعائلة صهيون، المُؤمِنة- حسب عقيدتها- بأن خلاصها لن يتحقق.. ومسيحها لن يجيء.. وهيكلها لن يُشَيد إلا بعد إخضاع مصر، وتركيع أحفاد فرعون تحت أحذية أحبار الشعب المختار.. تماماً كما يشرح التمثال الوضيع. وهكذا صور لهم غرورهم علي مر العصور أن بلوغ الحلم مسألة وقت ليس إلا، وعليهم التفكير في كيفية تحقيقه.. فدأبوا علي ممارسة الضغوط، ونصب الفخاخ مستغلين طيبة المصريين وصبرهم.. وغباء، وعناد، وضعف، وفساد، حكامهم. وفي كل مرة كانت الآمال تتبدد في الأشبار الأخيرة علي أعتاب مقبرة الغزاة والحاقدين والمتآمرين، وبالأخص لو نطق شعب مصر، وجيشها معاً بالكلمة الفصل، عنذئذ يصبح الأمر محسوماً لصالح الوطن دون النظر لأي اعتبارات أخري.. سيناريو ثابت في التاريخ البعيد والقريب يتكرر دائماً عند اللزوم. لكن المؤامرات رغم افتضاحها ما كان لها أن تفلح- علي الأقل- في تكديرنا، وعرقلة خطانا نحو المكانة التي نستحق اعتلاءها، لولا وجود الفشلة، والمستهترين الذين سمح تقاعسهم باندساس فصائل من الخونة المأجورين بين صفوفنا.. ولن نذهب بعيداً.. فمقتل السادات خير دليل علي الخيانة، التي لولاها أيضاً ما تفوق الفساد علي نفسه في عصر مبارك، وما استطاعت جماعة من القتلة، والمجرمين، المُضلِلين، الكذابين اختطاف ثورة وُلِدَت نقية بريئة في 25 يناير، وسرعان ما تدنست بأقدام هؤلاء الأنجاس بعد أن وطؤوها متنكرين في عباءة الدين، محتمين بقداسته وهيبته المستقرة في وجداننا.. وهو ما أدي إلي اندلاع ثورة كل المصريين في 30 يونيو لتُسقط أقنعتهم المصطنعة، وتضطرهم إلي المجاهرة بخيانتهم الثابتة بالصوت والصورة عبر مشاهد التوعد بحشد زملائهم في الداخل والخارج لإشاعة الفوضي، والدمار. ولولا الخونة ما استطاع الإرهاب أن يتوغل ليحصد أينع زهورنا من مدنيين وعسكريين في كل ربوع مصر من أقصاها لأقصاها وصولاً إلي نائب الشعب وفقيده المستشار هشام بركات، وانتهاءً بأصغر جندي شهيد علي أرض الفيروز. والخونة المعروفون داخل السجون يساندهم خونة آخرون مطلَقو السراح يعيشون بيننا، ويأكلون علي موائدنا، وهم الأخطر، والأكثر عطشاً لدمائنا، والأحرق شوقاً لخراب بلادنا. ولأننا شعب يعشق الجمال فلطالما حاولنا طمس القبح بتبديل المسميات الحقيقية للأشياء بعبارات أخري أخف وطأة.. كالاختراق، والطابور الخامس، وغيرها من النعوت غير المفهومة للعامة، ولكن المقصود بها هو الخيانة ولا شيء غيرها. وأن كان الشرك بالله يعتبر من قبيل الخيانة الروحية مع آلهة آخري غير الله الواحد الأحد، وعاقبتها الخلود في جهنم الحمراء.. وإن كانت الخيانة الزوجية بمعني الزنا حدها الرَجم في الشرع.. وإن كانت خيانة الأوطان جريمة عظمي جزاؤها الإعدام.. فما بالك بالخيانة وقت الحرب في ميدان القتال! [email protected]