في أواخر القرن الماضي وقبل ان يبدأ القرن الواحد والعشرون تحدثت في احد لقاءاتي عن ضرورة القدوة الحسنة لشباب القرن الجديد ولعلي بعد أحد عشر عاما من هذا القرن وتأكيدا لما سبق ان ذكرته أعيد بعضا من حديثي عن أهمية وضرورة القدوة الحسنة لهذا الجيل. لقد دخل شبابنا هذا القرن وهم مسلحون وملمون ببعض التحديات وكان أبرزها العولمة وثورة المعلومات وتزايد دور الإعلام وتأثير اتفاقية التجارة العالمية »الجات« علي الدول النامية والفكر الغربي عن صراع الحضارات ومخاطر تغير الظروف المناخية والبيئية، كذا آثار الصراعات الاقليمية ولعلي أشير هنا إلي بعض هذه التحديات وآثارها علي مصر والمنطقة العربية.. فلا شك ان العولمة كانت لها آثار ضخمة بعد ان أصبح العالم قرية صغيرة وتتناقل أخبار الكوارث الطبيعية والاجتماعية التي خلفت مناخا عاما من التوتر والقلق خاصة للشباب عن حاله ومستقبله.. ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية وخطر الكساد العالمي والبطالة الصريحة والمقنعة مع التضخم بالاضافة إلي الأفكار والسلوكيات الهدامة فقد انعكست آثارها علي مصر وأجيالها الصاعدة، حتي ان القرية المصرية التي كانت تنعم بالهدوء والنوم من الغروب إلي الفجر وكانت طموحات سكانها محدودة للغاية فإذا بها تمتلئ بالشباب الواعي والمثقف الذي يحلم بنماذج الحياة الأوروبية والأمريكية.. فقد أزاحت العولمة الحواجز بين الدول وانشئت الشركات متعددة الجنسيات واستقبلت بعضا من شباب جيلنا الحالي.. وبالرغم من الآثار الايجابية للعولمة مثل السماوات المفتوحة والارتقاء بالحياة الإنسانية واستخدام التكنولوجيات المتطورة في نظم الاتصال والمعلومات الا انها تركت آثارا سيئة منها عدم القدرة علي مواءمة التعليم مع العولمة وأصبح اعتبار الكم غير كاف بل ضرورة اتباع الكم مع الكيف.. كما ان الاستثمار أصبح يسعي لفرص النجاح فقط وأصبحت المنافسة كونية وشرسة بالنسبة للدول النامية وبالتالي أصبحت الدول المتقدمة صاحبة القرار.. وعلينا ان ننظر كيف أثرت بشكل رئيسي اتفاقية التجارة العالمية »الجات« علي الدول النامية وترتب عليه ضرورة وضع خطط كفيلة بالتغلب علي تلك الآثار وظهرت تحديات رئيسية مثل موضوع الملكية الفكرية وحرية نشر الأفكار والمعتقدات خاصة في ظل التطور الهائل في وسائل الاتصالات التي تحمل سيلا من الموضوعات الهدامة كما ظهرت ضرورة مجابهة تلك الأفكار. وبعد انتهاء الصراع بين الشرق والغرب وتفكك الاتحاد السوفييتي ظهر فراغ فكري وايديولوجي وأعلن المفكر صموئيل هانتنجتون عن صراع الحضارات وأظهر في كتابه ان التفاعل الرئيسي سيكون عددا من الحضارات وأهمها الحضارة الغربية واليابانية والكنفوشية والإسلامية والهندية والسلافية والارثوذكية واللاتينية وربما الافريقية.. واستخلص بأن هذا الصراع سيؤدي إلي ضعف دور الدولة وان الدين سوف يستغل هذا الضعف وتنمو حركات أصولية ويصبح الدين أكثر أهمية من الإحساس بالهوية، وليكون احد عوامل تجميع الحضارات، كما خلصت النظرية إلي ان خطوط التماس بين الحضارات ستحل محل الحدود السياسية أو الأيدولوجية وان أخطر الصراعات سيكون بين الغرب والإسلام.. وبالرغم من ان البعض انتقد هذه النظرية إلا انه علينا ان نتحوط من الأمر ومن وجهة نظري أري ان الحل الأمثل والمتاح أمام شباب اليوم وهم قادة المستقبل بعض القيم والأهداف المهمة ومنها: الايمان العميق بالله دون تعصب - حب الوطن والولاء له - التسلح بالعلم والمعرفة الجادة والثقافة العامة مع الثقة بالنفس - المشاركة الفعالة في مجالات الحياة المختلفة (اتحادات - انتخابات - جمعيات ....إلخ)- الجدية في الأداء مع احترام الرأي الآخر (أدب الحوار) - القدرة علي التمييز بين المتناقضات أو المتضادات (الخير والشر - الصح والخطأ- النجاح والفشل - الثقافة والجهل - القوي والضعيف...إلخ) - الطموح لمستقبل أفضل والاصرار علي النجاح الهادف، وبهذا نكون أمام شباب القدوة الحسنة في مصرنا الغالية وهذا ما أتوقعه من شباب 52 يناير.