جمعة لم الشمل كان من المفروض انها جمعة توافقية بين أبناء الوطن الواحد للتأكيد علي أهداف الثورة وأن مصر أولا وأخيرا ولكن ماذا حدث؟! خرج كل فصيل سواء أكان حزبا أو جماعة أو ائتلافا أو تيارا سياسيا أو دينيا يعبر عن نفسه فقط مع بعض المناوشات مع الفصائل الأخري وعادت الشعارات القديمة الجدلية مثل إسلامية.. علمانية.. ليبرالية.. وغيرها من الشعارات التي اعتقد أنها تحمل في طياتها معني الأنانية وليس التكاملية بين أبناء الوطن الواحد. لقد غلب الطابع الإسلامي في جمعة لَّم الشمل مما اثار بعض الهواجس في نفوس القوي الأخري والأغلبية الصامتة ليس من الإسلام في ذاته ولكن من المرددين له بحناجر قوية واستعراض القوة ولغة يعتبر بعض المواطنين أنها تحمل تهديدا لحياتهم لأنها ستأخذ الناس بشدة وقد تتجاهل تطور الحياة الإنسانية فتنزل عقابا علي من لا يرتدي جلبابا قصيرا أو من لم يطلق لحيته وأيضا علي المرأة غير المحجبة أو المنتقبة.. واستعادت الأذهان المشهد الأفغاني! أجد أنه من الضروري العودة إلي الفهم الصحيح للإسلام فالرسول الكريم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم عندما دعا كفار مكة إلي الإسلام دعاهم إلي التوحيد وترك الآلهة والأوثان. لم يردد كلمة إسلامية إسلامية في وجوه أعدائه وعندما هاجر إلي المدينة لم يسمها المدينة الإسلامية بل أسس دولة تقوم علي المبادئ العامة للإسلام والتي يرتضيها كل الناس سواء أكانوا مسلمين أو غير ذلك فآخي بين المهاجرين والأنصار وأصلح العلاقة بين الأوس والخزرج وأقام عهدا مع اليهود يسوده الوفاء والالتزام ببنوده وعندما خانوا العهد طردهم من المدينة لخيانتهم وليس لعدم إسلامهم. الإسلام ليس كلمة جوفاء يرددها البعض لتخويف وترويع الناس من العقاب الذي سينزل بهم، بل هو دين اختاره الله لعباده دستوره القرآن الصالح لكل زمان ومكان إلي أن تقوم الساعة لايزرع الشك أو العداء نحو الآخرين المختلفين معه بل يدعوهم إلي التأمل والتدبر وهذا ما ظهر جليا من الأعداد التي تدخل الإسلام يوميا في بلاد بعيدة عن الأمة العربية والإسلامية الذي يؤكد دائما لا إكراه في الدين. إذن الاحتكام إلي الإسلام هو الاحتكام إلي المبادئ السامية والأهداف النبيلة التي تُحكم بها الشعوب وما الإمام أو الحاكم أو الرئيس إلا أداة تنفيذية لهذه المبادئ وليس جلادا يمشي في الشوارع والميادين يقيم الحد علي الناس الذين لا يطبقون بعض أحكامه من غير المسلمين أو حتي المسلمين أنفسهم فلا يتصور أن يقوم الحاكم بإنزال عقوبة علي الرجال لأنهم تركوا ارتداء الجلباب وإطلاق اللحي أو الفتاة والسيدة غير المحجبة فهذه من الأمور التي سيحاسب الله عليها عباده وما لنا سوي الدعوة إلي الخير مع مراعاة تطور الأزمنة والحضارات فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل وليس الإيمان في الشكل والهيئة فقط. تعالوا جميعا نحفر خندقا ندفن فيه الغل والحقد الذي زرعه النظام السابق الفاسد ندفن فيه أنانيتنا، ندفن فيه إحساسنا بالظلم حتي لا ننتقم من أناس ليس لهم ذنب فيما ألَمّ بنا بل نحن جميعا ضحايا سواء من عذبوا في السجون أو عذبوا خارجها! تعالوا جميعا نعتبر ان الخلافات أمرا صحيا مادامت لم تتحول إلي صراعات واشتباكات واعتداءات فليس هناك من يحتكر الحقيقة والمعرفة وحده والمسلمون الأوائل استفادوا من المختلفين معهم في الأفكار والعادات وأساليب حياتهم عند الفتوحات الإسلامية والحضارة الإسلامية نفسها لم تقم بذاتها بل انها استوعبت ما سبقها من حضارات وثقافات وعلوم وآداب وفنون حتي صارت منارة ينهل منها العالم وقت الظلمات. علينا أن نقدم إسلاما وسطيا شفافا جميلا يقبل الجميع العيش في ظله كما عاش السابقون من غير المسلمين في كنفه دون حساسية أو صراع بل بتعاون وأخوة. [email protected]