كيف استطاع جمال عبد الناصر أن يجعل أهل القري والنجوع يشيعونه في جنازة حقيقية في شوارعهم وعلي جسور الترع التي حفرها ليقتنعوا به زعيما رغم الرحيل؟ يعد الشاعر إرِش فريد (1921-1988) من كبار الشعراء الألمان وقد كتب ديوانه الشهير : اسمعي يا إسرائيل، انتقيت منه هذه القصيدة. اسمعي يا إسرائيل! أتحدثُ إليكم لستُ كغريب ولست كعدو لكن أتحدث من الكراهية التي اشتعلت ضدكم القوي الظالمة لم تختفِ بعد هتلر لم تختف من هذه الأرض ماذا تفعلون؟ أتسمحون أن يساعدكم الظّلَمة؟ لهذا يجب عليََّ أن أُدخل المرارة في آذانكم تلك التي مُلئت بالأكاذيب مثلما حدث منكم في عصر الأنبياء حتي ولو تأتي الكلمات مني ذات مرارة ثقيلة فإنكم لا تستطيعون أن تقولوا هذا ما يقوله أعداؤنا!! أنتم في أوروبا ذقتم الجحيم الجحيم المطاردة والترحيل موت الجوع البطيء أنتم راقبتم جلَّاديكم والآن تقلدونهم في الصواعق والأعمال الوحشية القاسية، لكن ظلمكم كان كبيرا لأنكم أخذتم الأرض ممن يرثها ها أنتم أظلم المستعمرين وما ذنب المساكين الذين أخذتم أرضهم ؟ اغربوا. اغربوا مَن أعطي لكم المال والأسلحة سوف يفني وينتهي ولن يحموكم دائما لن يكون التقهقر من السهل عليكم لأن غضب المساكين سيعيش طويلا والكثير منهم يتمني لكم ما تمنيتموه لِمُعَذّبيكم عودوا..عودوا مَن أعطي لكم المال والأسلحة لن يحميكم طويلا لا يستخدمكم إلا كجنود ومرتزقة في حرب ضد المستقبل. الفلسطينيون الذين أمرتم جنودهم »أن اخلعوا نِعالكم» ودفعتموهم إلي الصحراء حفاة كقرابين تحمل أخطاءكم إلي الصحراء، مسجد الموت الكبير أحذية كثيرة هناك وصندل الصحراء من رمال لن يقبلوا أن يكونوا قرابين أبدا فآثار الأقدام العارية في الرمال يدوم.. يبقي؛ أقوي من قنابلكم ومدرعاتكم! نعش عبدالناصر كنت في نحو العاشرة من عمري، وكنا في بيتنا الصيفي وقد أتم العمال جَنْي القطن وقد جمعوه في أكوام عالية نلعب فيها، وبينما يباشر أبي العمال في تكبيس القطن في أجولة كبيرة، فجأة دوت صرخة حزينة من امرأة بالقرية تبعتها صرخات »جمال مات» وتوقّف العمال وأجهش الجميع بالبكاء، كان التساؤل الداخلي: مَن جمال الذي مات؟ توقفنا نحن الأطفال عن اللعب.. وبدأت الأسئلة، ولا أحد يجيب.. أخيرا أشار أخي الأكبر إلي صورة معلقة في مضيفتنا لجمال عبد الناصر وهو يلوّح للجماهير، كانت عينا أخي دامعتين وهو يقول : الزعيم جمال عبد الناصر مات، لكن بكاء الجميع رجالا ونساءً أمامي جعلني أوقن أنه أحد أقاربنا القريبين كان أخي مهووسًا به، وكان طالبا بجامعة عين شمس آنذاك، سافر إلي القاهرة فورا للمشاركة في جنازة جمال عبد الناصر وزرع فينا حب جمال عبد الناصر، كان يحكي لنا عن إنجازاته. في يوم الخميس - علي ما أتذكر - كانت الجنازات الرمزية لعبد الناصر تسير أمامنا، قري مركز قفط والمدينة، وكانت جنازة عبد الناصر لأحد النجوع تمر أمامنا وقد حملوا »كربا» (الخشبة التي يوضع فيها الميت) وكان هناك ميت حي حقيقي مغطي بملاءة خضراء وهم يمشون حاملين النعش الحقيقي/الوهمي، وهم يصرخون في حرقة »في سبيل الله يا جمال» وكدتُ أن أصدق أنهم أحضروا جثمان جمال عبد الناصر من القاهرة ليطوفوا به كل بلاد مصر، وفرصة الآن يمر أمام بيتنا، لكني فوجئت بالجثمان يتحرك ويرفع من علي وجهه الملاءة لأبصر واحدا أعرفه ( شقيق أحد زملائنا بالمدرسة ) سرعان ما أعاد الملاءة علي وجهه، وحتي اليوم عندما أراه وقد أخذت منه الشيخوخة حظها أتذكره ميتا علي »الكرب». ومازلت أسأل: كيف استطاع جمال عبد الناصر أن يجعل أهل القري والنجوع يشيعونه في جنازة حقيقية في شوارعهم وعلي جسور الترع التي حفرها ناصر ليقتنعوا به زعيما رغم الرحيل؟ عودة اتحاد طلاب الجامعات فرحتُ كثيرا بعودة انتخابات اتحاد الطلاب بالجامعات بعد غياب سنين لأنّ الاتحاد يُعلّم الطلاب المشاركة السيّاسية والاختلاف في الرأي مع احترام الرأي الآخر وقد كانت المنافسات حادة في الكليات النظرية وهذا شيء متوقع وإن كانت المعركة الانتخابية هادئة في بعض الكليات العملية، أرجو أن نترك الفرصة لطلابنا كي يثبتوا أنهم جديرون بالفوز بعضوية الاتحاد وأنهم قادرون علي اتخاذ قرارات تعبر عن تطلعات الطلاب وأفكارهم، فالتجربة ثرية وقادرة علي تبصير طلابنا بالمخاطر التي تحاك لمصر، وقد فرحتُ بفوز الطالبة (البصيرة) منة الله عبد الرحيم ثابت الطالبة بالفرقة الثالثة بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب بقنا بمنصب أمين مساعد اللجنة الفنية بمجلس اتحاد طلاب جامعة جنوب الوادي بعد انتخابات شرسة خاضتها بكل شرف واحترام، يأتي هذا تيمنا بعام 2018 »عام ذوي الاحتياجات الخاصة» وآمل أن يختفي من قاموس استخداماتنا اللغوية مصطلح »المعاق» و»المعوّق» ليحل محله مصطلح »المستطيع» وهذا من أدب اللغة العربية وجمالها التي أطلقت علي الصحراء المهلكة »مفازة» وأطلقت علي الكفيف »البصير». في وداع خادم القوم عندما حصلتُ علي الثانوية العامة سافرتُ إلي القاهرة للتقدم لمكتب التنسيق قبل اختراع التنسيق الإلكتروني، وكنتُ محتارا بأي كلية ألتحق؟ كان أحد أقاربي في القاهرة نزلتُ عنده، كانت شقته أشبه بالمندرة التي ينزل بها ناس البلد، يقضي هو وشقيقه محمود لهم كل مطالبهم، يحجز لهذه عند طبيب ويشتري لتلك غسّالة أو يختار لأحد أقاربه لون السيرامك ويشحنه له، في المساء رأي حيرتي لأي كلية أذهب ؟ ابتسم وقد جمعتُ طوابع الكليات منتظرا ترتيبها، قال لي: لا حيرة أنت شاعر، وعاشق للغة العربية لماذا لا تلتحق بقسم اللغة العربية معشوقتك بكلية الآداب، وكانت هذه الجملة كتفاحة نيوتن التي سقطتْ علي الأرض فاكتشف قانون الجاذبية الأرضية والنّسبية، وكقَرْع النحّاسين في أسواق بغداد الذي اهتدي الخليل بن أحمد بإيقاعه إلي اكتشاف علم العَروض.. ناولتُه طابع »كلية الآداب» ولصقه بيده مبتسما، سأراك معيدا وعميدا، ابتسمت.. وصدقَتْ نُبوءته.. الأسبوع الماضي عُدته في مستشفي المعادي العسكري حيث كان عميدا بالجيش المصري العظيم... كان يعاني من آلام مبرحة، ذكّرته بما مضي.. ابتسم كعادته وقال: أتذكر هذا الحمد لله قد تحقق ما قلتُه، طبعت علي جبينه قبلة وسافرت لأعود بعد أسبوع لأشارك في تشييعه لمثواه الأخير... كان مبتسما وسط أكفانه كعادته.. هل هي البشري؟ »لهم البشري في الحياة الدنيا وفي الآخرة». وداعا قريبي وصديقي أحمد طه..... »هل يموت الذي كان يحيا كأن الحياة أبدْ؟ حفنة كلام قُري الظهير الصحراوي : إذا ما سرتَ في الصحراء موازيًا نهر النيل فستجد تجمعات مبانٍ مكوّنة قُري الظهير الصحراوي، كان الهدف من إنشائها تحريك الناس من الوادي الأخضر الضيق ليتجهوا إلي بيوت الصحراء تاركين الرقعة الخضراء دون بيوت إسمنتية تقضي علي ما تبقي من الأرض الزراعية؛ وهذا هدف نبيل لكن المشاهَد الغريب أنها بُنيت من سنوات وتُركت قري للأشباح.. لماذا؟ هذا ما نوّد أن نعرفه وإلا استمر العجب في غياب السبب! الأصول غير المستعملة: لماذا لا نقوم بحصر الأصول غير المستعملة المملوكة للدولة في المدن والقري لتوظيفها؟ فكم من أراض زراعية ملك الدولة تُركت بورًا وكم من أراض تصلح للبناء لوقوعها في أماكن تجارية تركناها مجمع قمامة؟ هل لدينا إحصاءات هذه الأراضي وتلك العقارات؟ من المسئول عن إدارتها والإفادة منها؟ ولماذا لا يُعلن عنها لتأجيرها للشباب ليستزرعها ولكي يُقيم عليها مشروعات تنموية شبابية؟ هل يعرف أحدكم حجمها وعددها وقيمتها المالية؟ في النهايات تتجلي البدايات تكادُ يدي تندي إذا ما لمستُها وتنبتُ في أطرافها الورقُ الخضرُ أبو صخر الهذلي