عقب كل حادث قطارات تتجه اصابع الاتهام الي سائقي القطارات ، دون انتظار لمعرفة ملابسات الحادث، فقد اصبح السائقون دائما هم » كبش الفداء » لجرائم الإهمال المتراكمة منذ عقود، وزاد من حدة الهجوم عليهم في الكارثة الأخيرة لقطاري الإسكندرية، ذلك الفيديو الذي انتشر منذ أيام لمجموعة من السائقين وهم يتعاطون المخدرات داخل كابينة أحد القطارات. »الاخبار» التقت بعدد من سائقي القطارات واستمعت إليهم فاكدوا انهم المجني عليهم وان الاهمال الذي تعرض له مرفق السكة الحديد علي مدي عقود يتحمله السائقون والعمال البسطاء، واكدوا ان غياب الرؤية والخطط ستؤدي الي »الموت الاكلينيكي» للسكة الحديد. في البداية أكد مجدي جميل »سائق قطار القاهرة - الزقازيق» ان اتهام السائقين بانهم احد اهم أسباب حوادث القطارات غير عادل ومنصف للسائقين ، لان بعض »الجرارات» تخرج دون عمال صيانة ميكانيكية أو كهربية أو فنيين او أمن صناعي، وأنهم يتحملون كل هذه المسئولية أثناء رحلاتهم، بالإضافة لعملهم الأساسي كسائقين ، واضاف ان وزراء النقل المتعاقبين ورؤساء هيئة السكك الحديدية وعدونا كثيرا بحل الأزمات المالية ومشكلات صيانة جميع الجرارات الموجودة في الخدمة ، لكن لا حياة لمن تنادي. خيال مآتة وعلي جانب شريط السكة الحديد قابلنا احد سائقي قطار »القاهرة - الصعيد » قبل انطلاقه في إحدي الرحلات، والذي عبر عن حزنه الشديد بسبب الحادث الأليم، واشار إلي ان الكارثة لم يتسبب فيها السائقون، فنحن نقوم باعمال ليست من اختصاصنا ونقوم باعمال اضافية حتي تتم الرحلة علي خير، واضاف ان ورش الصيانة »خيال مأته » ولاتقوم الا بصيانة الأشياء الرئيسية فقط، وقطع الغيار غير موجودة ونأخذ القطع المتهالكة من الجرارات القديمة ويقوم زملاؤنا في الورش باصلاحها واعادتها للحياة مرة اخري. ويقول س.ع »مساعد سائق» باحد القطارات بان الدولة عند كل حادث تفتح ملف السكك الحديد مع العلم بان جميع المسئولين يعرفون الحالة التي وصلت اليها جرارات السكك الحديد المتهالكة،، واضاف اننا نحن السائقون مظلومون في كل حادث يحدث فنحن لسنا مسئولين عن جودة وصيانة القطار المسافر ولا حتي حالته ونقوم بعمل »اختراعات» حتي يتسني لنا الوصول الي وجهتنا الأخيرة بامان، واضاف بان هناك اعمال سرقة لقطع غيار لبيعها خردة في الأسواق. وأكد سائق قطار رفض ذكر اسمه أن صيانة الجرارات والعربات تتم علي الورق فقط وأعمال الصيانة »حبر علي ورق» فالقطارات تسير »بستر ربنا» ويشير إلي أن الجرارات تدخل الورش وتخرج ولا يحدث بها أكثر من بعض اعمال الصيانة البسيطة ومن ثم تموينها بالوقود. ورش الموت وصلنا إلي مكان الورش وكنا نتوقع أن نجد كتيبة من المهندسين والعمال داخل الورش تعمل بهمة كبيرة خاصة بعد هذا الحادث الأليم الذي وقع في الأسكندرية وأدمي قلوبنا جميعاً ، إلا أننا وجدنا مجموعة من العمال تعد علي أصابع اليد الواحدة بعضهم يجلس داخل كشك متهالك للحماية بأشعة الشمس والآخر يعض علي شفتيه حزناً وغيظاً علي ما آلت إليه حال السكة الحديد. بكل جرأة نطق العمال بعد أن سكتوا لسنوات طويلة.. نطقوا بعد أن رأوا أشلاء جثث إخوانهم تمزقها عجلات القطار المنكوب.. تكلموا حتي يتحرك المسئولون سريعاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. العمال داخل الورش صرخوا ليؤكدوا أن إهمال العقود الماضية نحصد ثماره بالدماء هذه الايام.. فغياب الرؤية والخطط كلها أسباب رئيسية للإهمال الذي تشهده سكك حديد مصر.. »مفيش صيانة».. هكذا بدأ حديثه عم صابر ابراهيم أحد عمال ورش الميكانيكا بسكك حديد مصر مؤكداً انهيار منظومة صيانة الجرارات داخل الورش وكذلك عربات القطارات، فالجرارات التي تعمل حالياً داخل الهيئة عمرها اكثر من 40 عاما، والكثير منها جاءت منذ زمن بعيد من دولة كندا وبعض الدول الاوروبية ، ومنذ ذلك الحين لم يتم استبدالها بأخري و تولت شركة كندية مهمة إعمار الجرارات وقامت بعمل عمرة لأكثر من جرار، وكانت تكلفة العمرة للجرار الواحد تصل إلي 2 مليون جنيه، بعدها خالف المسئولون بوزارة النقل بنود العقد وأحضروا شركات مصرية تتولي الإعماروالإصلاح، ومع بداية دخول الشركات المصرية انهارت المنظومة، وبدأ تكلفة إعمار الجرار الواحد تصل إلي 5 ملايين جنيه دون أن تنعكس مظاهر الإصلاح علي الجرار نفسه، ليدخل عدد كبير من الجرارات مرحلة التكهين، فالشركات المصرية كانت تكتفي بطلاء الجرارات فقط ومبلغ ليس بالقليل. وفي مجال ميكانيكا ورش القطارات قال صابر إنه يقوم حالياً بإصلاح أحد الجرارات، وفوجئ أن »موتور» احدي الجرارات معطل، فقمنا باستبدال الموتور المعطل بآخر يتم إحضاره من جرار خرج من الخدمة ومكهن واصبح خرده وأكد أن الورش تفتقد للصيانة تماما وقطع الغيار غير متوفرة نظرا لعدم وجود ميزانية، ومجموعة رباط AT» هي عبارة عن الصندوق الأسود للقطار حيث انها مسئولة عن تسجيل سرعة القطار والمخالفات التي يرتكبها سائق القطار سواء كان كسر سيمافور أو الدخول علي تحويلة خطأ أو تجاوز السرعة أو محطة. ومن داخل الورش رصدنا قيام عمال الورش بالعمل في مجالات غير تخصصهم لنقص في العمالة داخل الورش وغياب التدريب علي حد قولهم، موضحاً أنه يعمل فني كمبروسور أي إنه مسئول عن دفع الهواء اللازم لاستخدام الفرامل للجرار، ورغم ذلك فهو المسئول عن تولي مهام في أمور الميكانيكا وتركيب الفرامل ويبدو أن نقص قطع الغيار كان عاملا مشتركا في كل أنواع الورش، فيقول :» هناك نقص شديد في قطع غيار الكمبروسور، كما أن كل الجرارات التي تعمل في الورش من المفترض أن يتواجد بها كشافات بمعدل 4 كشافات إضاءة لكل جرار، ولكن الواقع يؤكد أن بكل جرار كشاف واحد! سلوكيات المواطنين ورغم الاتهامات الموجهة للسائقين، إلا أن الأمر لم يخل من اتهامات ايضا للمواطنين، فوسط غياب الرقابة يقوم المواطنون المسافرون بالنزول علي القضبان للوصول الي القطار والبعض الاخر يقوم بالنزول علي القضبان في مشهد يعكس الفوضي وغياب الراابة.. حتي العربة الاخيرة لم تسلم من صعود عدد كبير من المسافرين والتسطيح خارج القطار معرضين حياتهم للخطر والسقوط في اي لحظة علي القضبان.