فرامل القطارات ملقاة على الأرض بورش حديد مصر »اركب علشان تموت.. اقطع تذكرة وخد عليها كفن هدية« عبارات لخصت معاناة ركاب القطارات ونطق بها لسان حال الغلابة وسط حالة من الإحباط واليأس.. »الأخبار« تجولت في منطقة الورش بغمرة والشرابية ورصدت الحالة المزرية لقطارات الغلابة أو قطارات الموت.. نوافذ القطارات مهشمة.. الكلاب الضالة تسكن القطارات التي تحول معظمها إلي قطع من حديد الخردة أو التي تنتظر رصاصة الرحمة.. دورات المياه تحولت إلي صناديق للأشباح بلا مياه أو صرف.. مياه الصرف الصحي تتسرب تحت القضبان.. فلنكات مخلوعة.. فرامل منزوعة من العربات وملقاة علي القضبان. واقع أليم تعاني منه ورش سكك حديد مصر تعكس حالة الفوضي والإهمال التي تعاني منها هيئة السكة الحديد. وصلنا إلي مكان الورش وكنا نتوقع أن نجد كتيبة من المهندسين والعمال داخل الورش تعمل بهمة خاصة بعد الحادث الأليم الذي وقع في البدرشين وأدمي قلوبنا جميعاً وراح ضحيته 91 شهيداً من خيرة شباب مصر و701 مصابين يرقدون بين الحياة والموت علي أسرة غير آدمية في مستشفيات لا تقل حالة الإهمال فيها عن فوضي السكة الحديد. وجدنا مجموعة من العمال تعد علي أصابع اليد الواحدة بعضهم يستمتع بأشعة الشمس والآخر يعض علي شفتيه حزناً وغيظاً علي ما آلت إليه حالة السكة الحديد.. بكل جرأة نطق العمال بعد أن سكتوا عقوداً طويلة.. نطقوا بعد أن رأوا أشلاء جثث إخوانهم تمزقها عجلات القطار المنكوب.. تكلموا حتي يتحرك المسئولون سريعاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. العمال داخل الورش صرخوا مؤكدين أن إهمال العقود الماضية نحصد ثماره الدموية الآن.. غياب الرؤية والخطط ومبدأ تحت الترابيزة أسباب رئيسية للإهمال الذي تشهده سكك حديد مصر.. »مفيش صيانة«.. هكذا بدأ حديثه عم ناصر محمد أحد عمال ورش الميكانيكا بسكك حديد مصر مؤكداً انهيار منظومة صيانة الجرارات داخل الورش وكذلك عربات القطارات، فالجرارات التي تعمل حالياً داخل الهيئة عمرها 34 عاماً جاءت إلي مصر عام 0791 من كندا، ومنذ ذلك الحين لم يتم استبدالها بأخري، وفي عهد وزير النقل الأسبق محمد منصور وصل إلي مصر منحة كويتية قدرها 8 مليارات جنيه لتطوير الجرارات، واشترطت بنود الاتفاقية أن تتولي التطوير شركات أجنبية، وبالفعل تولت شركة كناريل الكندية مهمة إعمار الجرارات وقامت بعمل عمرة لأكثر من 06 جراراً، وكانت تكلفة العمرة للجرار الواحد تصل إلي 2 مليون جنيه، بعدها خالف المسئولون بوزارة النقل بنود العقد وأحضروا شركات مصرية تتولي الإعمار والإصلاح، ومع بداية دخول الشركات المصرية انهارت المنظومة، وبدأ تكلفة إعمار الجرار الواحد تصل إلي 7 ملايين جنيه دون أن تنعكس مظاهر الإصلاح علي الجرار نفسه، ليدخل عدد كبير من الجرارات مرحلة التكهين، فالشركات المصرية كانت تكتفي بطلاء الجرارات فقط.. تخيلوا.. طلاء الجرارات يتكلف 7 ملايين جنيه. في مجال ميكانيكا ورش القطارات قال ناصر إنه يقوم حالياً بإصلاح أحد الجرارات، وفوجئ أن »موتور« الجرار معطل، ومن المفترض أن كل جرار له 4 مواتير يسير بها، ونظراً لعدم توافر قطع الغيار يتم استبدال الموتور المعطل بآخر يتم إحضاره من جرار خرج من الخدمة وتم تكهينه!! ياسر محمد فني ATC بورش السكة الحديد أكد أن الورش تفتقد للصيانة تماماً، وقطع الغيار غير متوفرة نظراً لعدم وجود ميزانية، ومجموعة رباط ATC هي عبارة عن الصندوق الأسود للقطار حيث انها مسئولة عن تسجيل سرعة القطار والمخالفات التي يرتكبها سائق القطار سواء كان كسر سيمافور أو الدخول علي تحويلة خطأ أو تجاوز السرعة أو محطة. تخصص مختلف كارثة أخري يكشف عنها وليد محمد فني كمبروسور داخل الورش وهي قيام عمال الورش بالعمل في مجالات غير تخصصهم لنقص في العمالة داخل الورش وغياب التدريب، موضحاً أنه يعمل فني كمبروسور أي إنه مسئول عن دفع الهواء اللازم لاستخدام الفرامل للجرار، ورغم ذلك فهو المسئول عن تولي مهام في أمور الميكانيكا وتركيب الفرامل. ويبدو أن نقص قطع الغيار كان عاملاً مشتركاً في كل أنواع الورش، فوليد أكد أيضاً وجود نقص شديد في قطع غيار الكمبروسور، كما أن كل الجرارات التي تعمل في الورش من المفترض أن يتواجد بها كشافات بمعدل 4 كشافات إضاءة لكل جرار، ولكن الواقع يؤكد أن بكل جرار كشاف واحد! وليد أكد أنه أحياناً يتم التغاضي عن بعض الأعطال المتواجدة في الجرارات لعدم توافر قطع الغيار، لتسير هذه الجرارات بأعطالها مهددة بوقوع أية كارثة في أي وقت لتتحول إلي أعطال كارثية، مشيراً إلي أنه استقبل أمس أحد سائقي القطارات طلب منه استبدال »الحديدة العكس« المسئولة عن سير القطارات بأخري نظراً لعطل الأصلية لكنه فوجئ بأن السائق يستخدم حديدة غير مطابقة للمواصفات ابتكرها السائق من تلقاء نفسه. عم أبو اليزيد عامل بإحدي الورش قال إن عدم الاهتمام بعمال الورش سبب أساسي في تدهور حالة الصيانة، فرواتب العمال هزيلة ولذا يلجأ معظمهم إلي العمل الخارجي وهو ما يجعلهم يفقدون تركيزهم أثناء العمل في الورش موضحاً أنه يعمل في مهنة أخري وهي ميكانيكا السيارات بعد الانتهاء من عمله الأساسي بالسكة الحديد حتي يستطيع توفير نفقات حياته، وينبغي علي الدولة الاهتمام بعمال الورش. داخل الورش اكتشفنا أن غرفة التحكم التي من المفترض أنها علي صلة كل لحظة مع غرفة الإدارة لا تزيد مساحتها علي متر في متر ويجلس بها 7 من عمال الصيانة!.. العمال أكدوا أنهم لم يلتقوا بأي مسئول من قبل قيام الثورة، فالمسئولون لا ينزلون إلي أرض الواقع ولكنهم يعلمون جيداً حجم المشاكل الهائلة التي تعاني منها ورش سكك حديد مصر. وطالب بعضهم بضرورة خصخصة سكك حديد مصر حتي يتم الاهتمام بها وتوفير قطع غيار، فيما طالب البعض الآخر بضرورة زيادة ميزانية القطاع بوزارة المالية وعودة الشركات الأجنبية المسئولة عن الصيانة. حبر علي ورق وأكد سائق قطار رفض ذكر اسمه أن صيانة الجرارات والعربات تتم علي الورق فقط وأعمال الصيانة مجرد »تحصيل حاصل«.. والعملية ماشية »بستر ربنا« مشيراً إلي أن الجرارات تدخل الورش وتخرج ولا يحدث بها أكثر من تموينها بالوقود. وأشار إلي وجود عمليات سرقة منظمة لقطع الغيار بالورشة قائلاً: »عمليات السرقة تحدث كل يوم« مؤكداً أنه شكا مراراً من عمليات السرقة، لكن لم يحدث أي رد فعل.