وزير الهجرة تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    نائب سيناء: مدينة السيسي «ستكون صاعدة وواعدة» وستشهد مشاريع ضخمة    محافظ الغربية يتابع استعدادات المركز التكنولوجي لاستقبال طلبات التصالح في مخالفات البناء    الدكتور أشرف غراب يكتب: حقوق الإنسان.. والادعاءات الزائفة    الهاني سليمان: فزنا على الزمالك رغم الغيابات.. ولعبنا جيدا بعد طرد حسام حسن    دمياط تستعد لاستقبال شم النسيم.. ورأس البر تتزين لاستقبال روادها    بعد خضوعه للعلاج ب «الكيماوي».. محمد عبده: "أنا بخير وفي مرحلة التعافي"    «ابعتها لحبايبك».. أفضل رسائل التهنئة ب عيد شم النسيم 2024    فيديو.. محمد عبده يبكي خلال حديثه عن إصابته بالسرطان: هذا من محبة الله    مجانا.. تقديم خدمات المبادرات الرئاسية بكنائس قنا خلال الأعياد    «لو منعناه هيتباع سوق سوداء».. «الصحة» تحذر المواطنين من الأسماك المملحة خاصة الفسيخ    .تنسيق الأدوار القذرة .. قوات عباس تقتل المقاوم المطارد أحمد أبو الفول والصهاينة يقتحمون طولكرم وييغتالون 4 مقاومين    10 مايو.. انطلاق ملتقى الإسكندرية الأول للسرد العربي بمركز الإبداع    نجل الطبلاوي: والدي كان مدرسة فريدة في تلاوة القرآن الكريم    نتنياهو:‫ الحرب في غزة ستنتهي بانتصار واضح.. ومصممون على إعادة المحتجزين    «جالانت» يحث «نتنياهو» بقبول صفقة التبادل ويصفها ب«الجيدة» (تفاصيل)    الوزير الفضلي يتفقّد مشاريع منظومة "البيئة" في الشرقية ويلتقي عددًا من المواطنين بالمنطقة    الإسكان: إصدار 4 آلاف قرار وزاري لتخصيص قطع أراضي في المدن الجديدة    لوائح صارمة.. عقوبة الغش لطلاب الجامعات    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟ دار الإفتاء تجيب    ظهر على سطح المياه.. انتشال جثمان غريق قرية جاردن بسيدي كرير بعد يومين من البحث    والده مات بسببها منذ 10 سنوات.. خلافات على أرض زراعية تنهي حياة شاب في المنوفية    الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على موقع صوت أوروبا لبثه دعاية مؤيدة لروسيا    الهلال يطلب التتويج بالدوري السعودي في ملعب المملكة أرينا    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    لجميع المواد.. أسئلة امتحانات الثانوية العامة 2024    روسيا تسيطر على قرية جديدة في شرق أوكرانيا    طريقة عمل الميني بيتزا في المنزل بعجينة هشة وطرية    «العمل»: جولات تفقدية لمواقع العمل ولجنة للحماية المدنية لتطبيق اشتراطات السلامة والصحة بالإسماعيلية    نقل مصابين اثنين من ضحايا حريق سوهاج إلى المستشفى الجامعي ببني سويف    تامر حبيب يعلن عن تعاون جديد مع منة شلبي    انطلاق مباراة ليفربول وتوتنهام.. محمد صلاح يقود الريدز    «أنا أهم من طه حسين».. يوسف زيدان يوضح تفاصيل حديثه عن عميد الأدب العربي    "صحة المنوفية" تتابع انتظام العمل وانتشار الفرق الطبية لتأمين الكنائس    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    وزير الرياضة يتفقد مبنى مجلس مدينة شرم الشيخ الجديد    تقرير: ميناء أكتوبر يسهل حركة الواردات والصادرات بين الموانئ البرية والبحرية في مصر    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    رئيس مدينة مرسى مطروح يعلن جاهزية المركز التكنولوجي لخدمة المواطنين لاستقبال طلبات التصالح    ندوتان لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية بمنشآت أسوان    الحكومة الإسرائيلية تقرر وقف عمل شبكة قنوات الجزيرة    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    التنمية المحلية: استرداد 707 آلاف متر مربع ضمن موجة إزالة التعديات بالمحافظات    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    موعد استطلاع هلال ذي القعدة و إجازة عيد الأضحى 2024    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    ميسي وسواريز يكتبان التاريخ مع إنتر ميامي بفوز كاسح    لاعب فاركو يجري جراحة الرباط الصليبي    اتحاد الكرة يلجأ لفيفا لحسم أزمة الشيبي والشحات .. اعرف التفاصيل    استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على بلدة ميس الجبل جنوب لبنان    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 3 مج.ازر في غزة راح ضحيتها 29 شهيدا    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضاء.. والقدر.. وسكك حديد مصر!

ليست مؤامرة بالتأكيد، أن يتوقف القطار الذى كان يستقله د. هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء، بصورة مفاجئة.. لكنها - وهذا هو الغالب - رسالة تحذير شديدة اللهجة لم يلتقطها «قنديل» فى حينه!
فالوضع سيئ حقا، إذ تطل رءوس الكوارث فى كل لحظة من بين قضبانها.. تقول لكم: انتبهوا، أنا لكم بالمرصاد.. وإنكم لغير منتبهين!




سائقون يصرخون كل لحظة .. و«عطشجية» يأنون فى كل رحلة وفنيو صيانة «ماهرون» لكنهم لايدرون - فى ظل الروتين والإمكانيات - ماهم فاعلون.. فقد باتت رائحة الدم تحاصرهم من جميع الجهات.. وتحولت بمرور الوقت محلا للبلاء والابتلاء! وتحولت إلى همزة الوصل بين حياة المصريين وأبواب السماء!

وزرنا أعمق مكان داخل الهيئة «ورش إصلاح العيوب واستبدال التالف» واكتشفنا أنها مليئة بالكوارث!.. نقص حاد فى قطع الغيار والإمكانيات.. رأينا محركات ملقاة على الأرض واكتشفنا أنها جديدة.. والجرارات تحتاجها بالفعل! ولذلك تمثل السكة الحديد إحدى أهم محطات انتقال أرواح المصريين إلى السماء إما بسبب حريق فى العربات أو حادث تصادم أو هجوم من البلطجية بسبب انعدام التأمين.

الانتحاريون!
من غرفة الملاحظة - مركز تجمع قائدى القطارات- والتى تشمل الاستراحة الخاصة بهم التقينا بعدة سائقين قرروا أن ينفضوا عن أنفسهم هموم السكة الحديد التى باتت تثقل كاهلهم.. فتحى عبدالشافى (31 سنة فى الهيئة) يعمل على خط «طوالى القاهرة» قال لنا: جرارات السكة الحديد معظمها منتهية الصلاحية منذ عدة سنوات، وينقصها العديد من قطع الغيار المهمة ووسائل الأمان مثل الزجاج الأمامى للجرار والذى ينفجر دائما فى وجوهنا «لأنه غير مخصص للصدمات»، بالإضافة إلى أنها لا تصلح للجلوس لفترات طويلة خاصة أثناء الصيف إذ ترتفع درجة الحرارة بشكل كبير مع انعدام وجود تكييف، والجرارات الحديثة التى تم استيرادها مؤخرا غير مطابقة للمواصفات وكثيرة الأعطال بعكس القديمة التى عملت بالخدمة لسنوات طوال.. وكل ذلك يعرض الركاب لمخاطر لا حصر لها.

مجدى شبل 30 سنة - عامل بالهيئة أردف على «عبدالشافي» قائلا: أهم المشكلات التى تواجهنا وتعيقنا عن أداء عملنا هى انعدام تأمين القطار رغم وجود فردين من الشرطة فى كل قطار «أمن أو مخبرين»» لكنهم لا يؤدون دورهم ويكتفون بحماية أنفسهم وهو ما يساعد الخارجين على القانون فى مهاجمة القطار والاعتداء على الركاب وطاقم القطار، وسرقتهم كما يحدث فى كثير من الأحيان، فضلا عن الباعة الجائلين الذين أصبحوا ظاهرة تهدد سلامة القطار، بعدما اعتادوا شد «جزرة الهواء»! وفى بعض الأحيان بلف الطوارئ!

وهو ما يؤدى إلى توقف المحركات بعيدا عن تحكم السائق ويؤدى إلى تلف الفرامل سريعا.. فهم يفعلون ذلك ليتمكنوا من الصعود إلى القطار فى غير محطاته الرسمية!

ووصل الأمر ببعض الباعة إلى تعمد تأخير القطار فى رمضان الماضى حتى لا يتمكن الركاب من الوصول قبل مدفع الإفطار ويضطرون إلى الإفطار داخل القطار، وبالتالى يضمنون بيع بضاعتهم، وهو ما شجع بعض الركاب الذين تعرفوا على مكان «الجزرة» داخل العربة وتعلموا من الباعة طريقة استخدامها لإيقاف القطار والنزول فى المكان الذى يريدونه!


التقط أحمد محمد فتحى سائق كان عائدا لتوه بقطار 91 من أسيوط طرف الحديث وحكى لنا عن واقعة حدثت له بمركز العياط فعندما جاء أحد الباعة وطلب منه أن يوقف القطار فى العياط لينزل هناك وهى محطة لا يقف القطار بها كأن أن رفض هذا الأمر.. فاستخدم البائع الجزرة وتم استدعاء شرطة المحطة، والتى تفاوضت مع السائق لإطلاق سراح البائع - وفقا لرواية قائد القطار - ورغم أنه أصر على تسليم البائع لنقطة شرطة محطة الجيزة إلا أنهم أطلقوا سراحه بعدها، وقام عدد من الباعة الجائلين بتهديد سائق القطار بالانتقام ردا على ما فعله مع زميلهم!

رضا سعد «27 سنة فى الهيئة» طوالى القاهرة أضاف: الوضع المالى والمعيشى والمهنى للسائقين داخل الهيئة رغم تحسنه نسبيا بعد الثورة لا يزال غير مجدٍ، فهل يعقل أن تتم محاسبة السائق بعشرة قروش ونصف لكل كيلو و6 قروش لمساعد السائق؟ مع الوضع فى الاعتبار أن أكبر مسافة يمكن أن يقطعها السائق فى الرحلة هى 375 ك وهى المسافة بين القاهرة وأسيوط، إضافة إلى التأخير الذى يحدث للقطار، إذ لا يتم تعويض السائق عن ساعات التأخير التى يتعرض لها القطار بسبب حوادث قطع الطرق والاعتصامات حيث يمكن أن يقضى السائق أكثر من 8 ساعات بدون تأمين فى مناطق مهجورة داخل الجرار!

وحتى الملابس المخصصة للسائقين وهى عبارة عن طقمين «صيفى وشتوي» لم نحصل عليها لمدة خمس سنوات متواصلة، وبعد أن تقرر صرفها لنا مؤخرا، لم نستلمها هذا العام!

أيضا الطعام والشراب مسئول عنهم السائق.. فالهيئة لا تصرف إلا وجبة واحدة لقائدى قطار النوم فقط وتمنح للسائقين فى رمضان 150 جنيها فقط كبدل تغذية للشهر الكريم بأكمله!

ناهيك عن استراحات السائقين غير الآدمية،. الخالية من الخدمات والمليئة بالحشرات والتى وضعتها السكة «بحرفية» فى كل المحطات بجوار المزلقانات!.. وهو ما يجعل مسألة النوم والراحة للسائق مستحيلة فى ظل أصوات القطارات المستمرة.


قمنا بزيارة استراحة السائقين الملحقة بمحطة رمسيس.. ووجدنا غرفتين فقط مخصصتين للسائقين: كل غرفة تحتوى على خمسة أسرة فقط.. وهى لا تكفى السائقين الذين ينتظرون بها وبالتالى يحرم الكثيرون من الراحة التى يحتاجونها لقيادة رحلة أخرى بقطار آخر، أيضا لاحظنا حالة الغرفة السيئة.. فهى متسخة.. والزجاج الذى يحميهم من الأتربة وبرد الشتاء معظمه مهشم.. إضافة إلى انعدام الخدمات والحالة المتهالكة لدورات المياه.

عدنا للحديث مرة أخرى مع السائقين.. وتحدثنا مع إبراهيم عكاشة الذى أخبرنا أن اليوم يبدأ بالتوقيع على دفتر الحضور ثم يعين الملاحظ أحد الجرارات له استعدادا للسفر به ثم من المفترض أن يتم الكشف على الجرار فى ورش الصيانة قبل انطلاقه من خلال جميع التخصصات للتأكد من عمل كل الأجهزة به وصلاحيته، وهو ما لا يحدث!

ويستكمل عكاشة: عند استلامى للجرار واكتشافى أى مشكلة به أو عطل أو نقص أطالب المسئولين عن الصيانة بإصلاح العيب، إلا أنهم غالبا ما يردون بعدم وجود قطع غيار متوفرة! وعندما أرفض الخروج بالجرار يأتون ويتوسلون إليّ لقيادته حتى لا يضار أحدهم.. وفى بعض الأحيان أقابل بالتهديد وخصم جزء من راتبى أو استبعادى واستبدالى بأحد السائقين الاحتياطيين والذين من الممكن أن يحصلوا على أموال مقابل «تفويت الأمر».. وفى النهاية أضطر إلى الخروج بالقطار، رغم خطورة هذا الأمر!
\
محمد خير مساعد قائد قطار أو كما يطلقون عليه «عطجشي» قال لنا:
كل المعطيات تنذر بوقوع المزيد من الكوارث فى المستقبل بسبب الفساد والإهمال المتفشى فى هيئة السكة الحديد.. فالمزلقانات حالتها متردية رغم اعتماد مبالغ مالية طائلة من أجل تطويرها، وهى شديدة الخطورة نظرا لأنها غالبا ما تكون مفتوحة، بالإضافة إلى السيمافور إشارة المرور فى السكة الحديد المظلم فى معظم الأحيان، وزجاج الجرار المعتم، الذى يحجب الرؤية عن السائق فضلا عن التعدى على السائقين من قبل الخارجين على القانون.. وهو ما حدث مع أحد الزملاء، عندما تم «تثبيته» - سرقته تحت تهديد السلاح.

وطالب «خير» بتأمين القطارات من خلال قوة أمنية كافية ترافق القطارات بالإضافة إلى وثيقة تأمين على الحياة ضد المخاطر التى يتعرض لها السائق أسوة بوثيقة تأمين الركاب.
عبدالغفار السيد «قائد قطار درجة أولي» وهى أعلى درجة للسائقين، أحد ضحايا التمسك بالمبادئ ومراعاة الضمير والحرص على أرواح الناس.. رفض قيادة الجرار من محطة «اللمون» إلى «أبو غطس» لعدم صلاحيته.. وكانت النتيجة اتهامه بالجنون، واستخرجوا له «أورنيك» نفسى برقم «420497» بتاريخ 25/6/2013 وهو طلب تحويل للعيادة النفسية، مع حرمانه من الحوافز الخاصة به.

وكان رد فعله أن رفض مجددا الامتثال للكشف كما أخبرنا، المفاجأة التى اكتشفناها أنه مازال مستمرا فى العمل، رغم اتهامهم له بالجنون!.


لم نكتف بما سمعناه من قائدى القطارات وقررنا أن نخوض التجربة بأنفسنا.. ركبنا عدة جرارات لنكتشف تفاصيل مثيرة «طفايات حريق بلا بيانات، مساحات زجاج لا تعمل، فرامل ضعيفة وأحيانا لا تعمل، التحكم الآلى للقطار لا يعمل أو غير موجود»!

التجربة الأولى كانت بصحبة إسلام دعبس «10 سنين فى الهيئة» مساعد قائد قطار وهو قائد جرار رقم 3155 «وردية» أى أنه يعمل داخل نطاق المحطة فقط، قال لنا أنه يعمل على جرار من نوع «هنشل» وهو ألمانى الصنع موديل «1970» وكان من المفترض أن يخرج من الخدمة منذ سنوات، وأضاف أن القوة «الفرملية» للجرار الخاصة بإيقاف القطار 50% بالرغم من أن المفترض ألا يعمل الجرار بأقل من 90% للقوة «الفرملية»، وبالتالى الفرامل لا تعمل بشكل جيد، بالإضافة إلى أن جهاز «ATC» أو التحكم الآلى بالقطار والمتصل بالصندوق الأسود لا يعمل، أيضا جهاز اللاسلكى وهو وسيلة الاتصال بين سائق الجرار والمراقب من النوع القديم وكثير الأعطال.


تجربة أخرى مع جرار أحد القطارات والذى تحدثنا مع سائقه وسمح لنا بالتصوير دون ذكر اسمه أو تصويره خوفا من عقاب الهيئة، وكانت البداية أن اكتشفنا عدم وجود مساعد قائد قطار معه وفقا للقواعد المتبعة فى السكة الحديد كما لاحظنا عدم وجود جهاز التحكم الآلى بالقطار «ATC»، وعانينا كثيرا من السخونة المنبعثة داخل الجرار والتى لا يمكن احتمالها، والشيء الملفت للنظر والذى رصدناه بأنفسنا عدم وجود فرامل بالجرار نظرا لتآكل «لقم الفرامل» كما قال السائق!، ورصدنا طريقة إيقاف القطار من قبل السائق عن طريق عملية تسمى «الربط» وتتم عن طريق تفريغ هواء المحرك ولاحظنا أن القطار لم يتوقف إلا بعد عدة دقائق من ربطه وهو ما ينذر بكارثة فى حال عدم اتخاذ السائق هذه الخطوة فى الوقت المناسب.
التجربة الثالثة كانت مع أحد جرارات «الوردية» والذى كان متجها إلى ورش الصيانة وفضل قائده أيضا عدم ذكر اسمه خوفا من عقاب الهيئة:

هذه التجربة كانت مثيرة، حيث مررنا على «عزبة أبو حشيش» المشهورة بأعمالها الإجرامية والتى يعرفها كل سائقى القطارات من خلال تعرضهم يوميا للرشق بالحجارة والزجاجات تمهيدا لسرقتهم أو سرقة أحد مكونات القطار، وهو ما تسبب فى إصابة العديد من السائقين ووفاة أحدهم منذ 6 أشهر، هذه العزبة المعروفة للشرطة وتغض الطرف عنها دون أن تحرك «هيبة الدولة» لها ساكنا، عندما مررنا بالعزبة طلب منا السائق أن نأخذ ساترا وأغلق نوافذ الجرار واختبأ معنا وكانت العناية الإلهية مصاحبة لنا، فمررنا بسلام وهو ما يحدث نادرا.
الصيانة
انتقلنا للجزء الأهم فى منظومة السكة الحديد.. «الطرف الثالث» فى كوارث القطارات، التقينا بعدد من الفنيين من قسم البواقى المسئول عن صيانة الجزء السفلى من القطار المنضمين حديثا للسكة الحديد بعد أن انتقلوا بالتبعية من شركة «محمود عبدالسلام» التى ظلت مسيطرة على صيانة قطارات «النوم والأسباني» بالإضافة إلى عربات القوى والتكييف لمدة تجاوزت الثلاثين عاما، وبرغم كفاءتهم، وخبراتهم العالية، إلا أن إدارة السكة الحديد ترفض إلى الآن تعيينهم ومساواتهم بموظفى الهيئة، واكتفت بمنحهم عقودا مفتوحة دون وضعهم على الدرجات المالية المناسبة لخبراتهم، بالإضافة إلى رفض علاجهم فى مستشفى السكة الحديد.. تعرفنا على مشاكلهم واقتربنا من معاناتهم وحرصنا على إخفاء أسمائهم بناء على رغبتهم.

فنى برادة ويعمل منذ 25 عاما مع شركة محمود عبدالسلام قال لنا: منذ انضمامنا للسكة الحديد بعقود مفتوحة ونحن نحصل على مقابل مادى أقل بكثير من نظرائنا فى الهيئة، حيث أحصل على 750 جنيها فى مقابل 1500:2000 جنيه يتقاضاها نظيرى فى الهيئة رغم أن فنيى الشركة المنضمين حديثا إلى الهيئة يتميزون بالخبرة والكفاءة العالية، حتى أننا نتفرد بقدراتنا على القيام بعمل «عمرة» داخل السكة الحديد دون الحاجة إلى النقل إلى ورش «أبوراضي» بالفيوم كسائر ورش الصيانة بالهيئة وهو ما يوفر على الهيئة أكثر من 20 يوما يستغرقها النقل فقط!

واستكمل «ع»: نحن نعمل فى ظروف غير مناسبة ونصنع من الفسيخ شربات.. نحاول أن نعوض قطع الغيار الناقصة بفكها من القطارات القديمة والتالفة وأبرزها «لقم الفرامل» وأجهزة الزحف المسئولة عن عدم التوقف المفاجئ للقطار، وأن يتم ذلك بشكل تدريجي، والسوست وهى أجهزة الجزر المربوطة بين العربات، وبلف التقسيم، والذى يتسبب عدم صلاحيته فى عدم توقف القطار وتدمير عجلات القطار، إضافة إلى عجل القطار ورمان البلى الخاص به وهى غير موجودة منذ أكثر من عام.

«خ» فنى برادة يعمل منذ 20 عاما قال: لدينا قدرة لعمل عمرة لمولد عربات القوى والتى تعمل منذ أكثر من 31 عاما بتكلفة 14 ألف جنيه ومع ذلك كلفت هيئة السكة الحديد شركة خاصة باسم «IBF» بعمل عمرة لمولد عربات القوى ب 60 ألف جنيه وهو ما يعد إهداراً للمال العام.

«م» فنى يعمل فى قسم الضواغط والتكييف منذ 26 عاما قال: لدينا نقص شديد فى قطع الغيار وهو ما يعيق عملنا وأهم تلك القطع غير المتوفرة الكونتاكتورات منذ 4 شهور وهو المسئول عن توصيل الكهرباء بالإضافة إلى لمبات النيون ومفاتيح الفيوز، وما ترسله الهيئة لنا من قطع غيار تكون صينية الصنع رخيصة الثمن وهو ما يؤدى إلى تلفها فى خلال رحلة أو اثنتين ويؤدى بالتبعية إلى خسائر أخرى أهمها حرق الموتور وتعطل التكييف وهو ما يحدث كثيرا.

شاهدنا بأنفسنا كيف استطاع الفنى الماهر «م» تحويل كونتاكتور تالف ألقته ورشة صيانة السكة الحديد الرئيسية فى القمامة إلى كونتاكتور جديد وصالح للعمل.
انتقلنا إلى ورشة الصيانة الرئيسية لجرارات السكة الحديد ولاحظنا وجود عدد قليل جدا من الفنيين والعمال لا يتعدى أصابع اليد الواحدة فى وقت العمل الرسمي، ولاحظنا أيضا وجود محركات ملقاة على الأرض بشكل فوضوي، قال لنا أحد العاملين بالورشة أنها مواتير جديدة أمريكية الصنع للقطارات لم تقرر الهيئة بعد تركيبها برغم حاجتها لها ودون أن تخزن بشكل صحيح وهو ما يعد إهدارا للمال العام.

مهندس يدعى عبدالفتاح اضطرب بشدة لوجودنا وطالبنا بعدم التصوير بحجة عدم كشف أسرار الهيئة.

أخبرنا أحد الفنيين- والذى طلب حجب اسمه حرصا على عمله- أن الجرارات الجديدة معظمها غير جيد وكثير الأعطال وقطع غياره غير متوفرة فى مصر وشاهدنا بأنفسنا عددا كبيرا من الجرارات الجديدة والتى توقفت عن العمل فى بداية تشغيلها.

المهندس خالد السيد مدير الصيانة فى ورش صيانة الجرارات نفى أن يكون لديه نقص فى قطع الغيار وقال إن كل شيء على ما يرام وإن أهم مشكلة تواجههم هى تقاعس شرطة النقل والمواصلات عن حماية السكك الحديدية وتساهلها مع سارقى كابلات الجرارات فى أسيوط وإيتاى البارود، ثم عاد وطلب منا عدم ذكر اسمه خشية أن يتم التنكيل به من قبل شرطة النقل والمواصلات!
مفتشو القطار!

مفتش القطار أو «الكمسري» أحد العناصر البشرية المهمة فى منظومة السكة الحديد ذهبنا إليهم فى معقلهم برصيف 11 بمحطة رمسيس تحدثوا عن أهم ما يواجههم من مشكلات.

عبدالجابر أحمد والذى يعمل فى هذه المهنة منذ 32 عاما قال: التعامل مع الجمهور أصبح فى غاية الصعوبة الآن، فالجميع يعتقد أنه بات من حقه أن يركب «ببلاش» ويأخذ ما ليس حقا له ونحن نحاول أن نوقفهم عند حدهم برغم عدم وجود تأمين داخل القطار يرفع عنا شرهم ويمكننا من تطبيق الأمن عليهم، لأن الحرس المكون من فردين داخل القطار يرفضون التجاوب معنا بل ويطالبون ببقاء الراكب الرافض لدفع ثمن التذكرة، ولكنى أصر دائما باستخدام جميع الحيل على تحصيل ثمن التذكرة ويعد ضعف المقابل المادى بالمقارنة بما نواجهه من أعباء هو ثانى المشاكل، حيث نحصل على جنيه واحد فقط على كل تذكرة نقطعها داخل القطار للراكبين دون حجز فى بعض القطارات ونصف جنيه فى البعض الآخر وفقا لثمن التذكرة ونعمل 6 أيام فى الأسبوع ولدينا يوم واحد إجازة، وعن الطعام والشراب فنحن نحصل مثلا على 145 جنيها بدل وجبة عن شهر رمضان كله!، وعن الملابس أول بدلة شتوى وصيفى تسلمناها الآن منذ 6 سنوات.

عربى محمد رجب رئيس التشغيل فى مكتب الكمسارية بمحطة رمسيس ورئيس اللجنة النقابية للعاملين بالحركة والنقل قال هو الآخر: أهم مشكلة تواجهنا هى بلطجة الشرطة واستخدام رجال وأفراد الشرطة لنفوذهم فى ارتياد القطار دون دفع مقابل، وهو ما نحاول منعه الآن بناء على تعليمات رئيس الهيئة!.

وحتى تكتمل الصورة وضوحا، كان لزاما علينا أن نعرض الرأى الآخر من خلال رد رئيس هيئة السكة الحديد على شكاوى عمال الهيئة الخاصة بنقص قطع الغيار وسوء الجرارات، وباقى المشكلات الأخري.

فى البداية سألنا م. مصطفى قناوى رئيس هيئة السكة الحديد عن سبب إهمال المحركات التى تم استيرادها من أمريكا وعدم استخدامها حتى الآن.. لكنه فاجأنا وقال إنه ليس لديه معلومات بشان هذا الموضوع بحجة أن رئيس الهيئة لا يجب أن يهتم بكل تفاصيل العمل، لأن هذه المحركات مسئولية الورشة ومديرها، وإنه سيسأل المختصين عن هذه المحركات ليتأكد من وجودها أصلا!

أما عن إشكالية تأمين القطارات ومساعى الهيئة لحلها.. قال : تجرى الآن محاولات مع الشرطة لتخصيص دورية أمنية داخل كل قطار وبدأنا بالفعل فى تنفيذ ذلك منذ 10 أيام فى بعض القطارات، وهذا سيساهم فى حل مشكلة «الجزرة» ويمنع الباعة من توقيف القطار ، وقد تم القبض على بعضهم خلال الأيام الماضية.

عرضنا أيضا على رئيس الهيئة قضية عدم الاعتماد على عمال «محمود عبدالسلام» فى ورشة الصيانة والعمرة، وتكليف شركة «إنتر بلاس» غير التابعة للهيئة رغم أن عمال «محمود عبدالسلام» بإمكانهم القيام بنفس العمل بمستوى أعلى وتكاليف أقل.. وللرد على هذا الموضوع قام رئيس الهيئة بالاتصال بأحد مهندسى السكة الحديد لمعرفة التفاصيل، فأخبره أن شركة إنتربلاس تقوم بصيانة «الباورات» والعمرات مجانا دون أن يكلف ذلك الهيئة أية مبالغ، فى مقابل أن عمال «محمود عبدالسلام» لا يمكنهم القيام بنفس عمل الشركة ويتكاسلون عن العمل فى معظم الوقت.. ولم يتم تثبيت هؤلاء العمال ومساواتهم بعمال هيئة السكة الحديد حتى الآن لأن القرار يجب أن يصدر من الوزارة أولا، وحتى الآن لم يصلنا أى قرار بشأنهم، مثلهم مثل باقى العمالة المؤقتة على مستوى الجمهورية.

رئيس الهيئة نفى أن يكون هناك نقص فى قطع الغيار الخاصة بالجرارات وأن معظمها متوفر، لأن الهيئة لا تتأخر فى شراء المستلزمات من قطع الغيار، وأضاف قائلا : «أشك إن فيه عامل يشتكى نقص قطع الغيار» !

وردا على شكوى بعض سائقى القطارات بسبب قرب الاستراحات من المزلقانات وما ينتج عنه من انعدام الهدوء والراحة بسبب أصوات القطارات المتواصلة.. قال : من المفترض أن يكون السائقون اعتادوا سماع صوت القطار، واستراحات ومبانى الهيئة كلها قائمة على خطوط السكة الحديد لأنه لا يصح أن نبنى خارج أراضى الهيئة التى نمتلكها.. وبالنسبة للمخاطر التى تواجه السائقين عند المزلقانات وخاصة عند «عزبة أبو حشيش» قال : الدوريات الأمنية ستقلل من هذه المخاطر خاصة عند منطقة «أبو حشيش» وسيمنعون الهجوم المتكرر على قطاراتنا ونحن نعلم أن جميع السائقين متضررين من هذا المكان.

كما نفى رئيس الهيئة أن يكون هناك نقص فى زى السائقين والكمسارية، مؤكدا أنه من المفترض أن يكون الجميع استلم زيه هذا العام ومن لم يستلمه ربما يكون التأخير بسبب مخازن الورش.. وأكد أيضا أن معظم الجرارات صالحة ولا يمكن أن يخرج قطار من الورشة إلى الخط الطوالى وهو غير صالح، والسائق الذى يكتشف أى عيب عليه أن يمتنع عن قيادة القطار.

وعندما عرضنا على رئيس الهيئة آراء بعض السائقين فى صلاحية الجرارات وأن بعضهم يرفض العمل عليها بسب انتهاء صلاحيتها منذ سنوات، وأعطيناه مثالا على ذلك ما فعله «عبدالغفار السيد» الذى امتنع عن قيادة جرارغير صالح، ونتيجة لذلك اتهمته الهيئة بالجنون.. قال : عبدالغفار بالفعل ليس طبيعيا وكان يجب أن يتم تحويله للعيادة النفسية للتأكد من ذلك لكن أوراق تحويله لم تتم بالطريقة السليمة.. كما أكد رئيس الهيئة أن بعض العمال يرفضون قيادة بعض الجرارات بحجة «ضيق» الكبينة فى بعض الجرارات القديمة، وليس لأن الجرار غير صالح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.