كان قد مر شهر كامل على كارثة قليوب، التى اصطدم فيها قطاران، وخلفت 55 قتيلا، فى أغسطس 2006، عندما اختار د. أحمد نظيف رئيس الوزراء الإذاعة المصرية ليعلن من خلالها أنباء سارة لهيئة السكك الحديدية. قال نظيف إن هناك خطة لتطوير هيئة السكك الحديدية بتكلفة تصل إلى 8 مليارات ونصف المليار، ليس فى تدبيرها مشكلة، بعد حصول الدولة على أكثر ما يقرب من 17 مليار جنيه، من الرخصة الثالثة للمحمول. «خطة التطوير الأساسية بدأت بالفعل منذ ثلاثة أشهر، واعتمدت على الأسلوب العلمى، حيث تم اختيار بيت خبرة عالمى بدأ العمل بالفعل منذ ستة أسابيع، وسينتهى من عمله تماما فى غضون شهرين، وسيقوم بتقديم خطة تنفيذية تفصيلية لكل ما سيتم تطويره فى هيئة السكك الحديدية، وسيتم الإعلان عنها فى حينها». وأشار نظيف إلى أن وزارة التعاون الدولى نجحت فى الحصول على بعض المعونات والقروض للمساعدة فى خطة التطوير، سواء من الصناديق العربية أو من البنك الدولى. مرت 3 سنوات على هذه التصريحات، ولم يتم الإعلان عن خطط لتطوير السكك الحديدية، ما عدا خطة إعادة الهيكلة فى عام 2008، رغم أن د. نظيف وعد بتخصيص هذه المواد بشكل فورى بما يعجل بتنفيذ الخطة لكى تتم خلال سنتين بدلا من خمس سنوات كما كان مقررا. فى العام الماضى بدأ الغضب من أول مشروع تطوير للهيئة منذ عام، وتحت شعار «التطوير وإعادة الهيكلة»، تم تقسيم الهيئة إلى 4 قطاعات، وهى المسافات القصيرة، والمسافات الطويلة، والبضائع، والبنية الأساسية. وخلق هذا التنظيم الجديد تفاوتا بين العاملين فى الرواتب والحوافز، فحوافز القيادات الإدارية بالآلاف، فى حين لا تتعدى حوافز العمال عشرات الجنيهات. وفى يناير الماضى أضرب السائقون مطالبين بزيادة حافز الكيلو، من 9 إلى 25 قرشا، ووافق وزير النقل على الزيادة، التى يتصرف على دفعتين. واحتج موظفو وعمال هيئة السكك الحديدية على إجراءات الشركة الإيطالية المكلفة بإعادة هيكلة الهيئة وقطاعاتها. «إعادة الهيكلة جعلت هيئة السكك الحديدية أفضل فى كل شىء»، هكذا يؤكد المسئولون، الذين يتهمون العاملين بالخوف من أى وضع جديد، والرغبة فى عدم التغيير، كما أكدوا أنه لم يتم المساس بحقوق العاملين أو الاستغناء عنهم، بل على العكس سيزيد من فرص لوظائف أخرى جديدة. وقال المهندس أشرف سلامة رئيس هيئة السكة الحديد فى العام الماضى إن خطة تطوير وإعادة هيكلة السكة الحديد «تعد علامة فارقة فى تاريخ سكك حديد مصر التى مضى على إنشائها أكثر من 150 عاما، وسوف يلمس المواطنون نتائج التطوير خلال أقل من عامين»، وقد مر عام كامل على التصريحات. «الهرجلة» هى العنوان الذى يمنحه المهندس عيد عبدالقادر، رئيس الهيئة الأسبق، للطريقة التى تتم بها إعادة الهيكلة. «المفروض أن تتم الهيكلة من قاعدة الهرم وليس من قمته، لكن الذى تم هو مضاعفة الحوافز لمديرى الإدارات ومديرى العموم ووكلاء إدارات بلا حساب تحت مسميات جديدة، ضاعت فيها أجهزة رقابية وتفتيشية متخصصة لصالح إدارات أخرى عامة لا تخصص فيها»، كما يقول عبدالقادر. الأوضاع الفنية للقطارات والورش ليست على ما يرام، كما تقول مصادر إدارية بالهيئة: القطارات تتأخر، والجرارات تتعطل، وأكثر من 30% منها يرقد فى الورش، كما هناك ما يقرب من 300 جرار و600 عربة تحتاج إلى إعادة تأهيل، أما الحديث المستمر عن الهيئة فهو دائما تساؤلات حول نقص الكفاءة فى أداء الهيئة، وأسباب تأخر القطارات، وازدحامها. يبتسم عمال الهيئة إذا سأل أحد الركاب عن سبب تعطل القطارات، «يمكن يكون مفك هو السبب فى عطل الجرار»، حتى بعد استيراد الجرارات الجديدة لم تضف أى جديد فى قوة الجر، حدثت أعطال وحوادث برفع طاقة نقل البضائع والركاب وبالتالى زيادة الإيرادات بشكل مستمر، بمجرد وصول الجرارات الجديدة. ووعدت تصريحات مسئولى الهيئة بأن تصل الخسائر إلى نقطة الصفر فى عام 2010 قبل المعدل الزمنى الذى وضعه الوزير وهو 5 سنوات. دراما الجرارات الجديدة كانت الحدث الوحيد بعد ذلك اشترت الهيئة 80 جرارا من شركة جنرال إليكتريك بمنحة ليبية قطرية، بالإضافة 40 جرارا تم شراؤها من شركة إليكتروموتيف ديزل. ومنذ تشغيل بعضها فى مارس الماضى، أصبحت الجرارات الجديدة حديث المدينة، بعد أن تسببت فى عدة حوادث. وتقدم مجموعة من السائقين ببلاغ للنائب العام يؤكدون فيه وجود عيوب فنية بها، أهمها صعوبة عمل نظام التحكم، مثل نظام الكمبروسور (الفرامل). «فى حالة حدوث أى شىء للجرار، حريق مثلا، لا يستطيع السائق، إنقاذ نفسه»، كما يقول المصدر السابق، الذى يشرح تفاصيل فنية دقيقة. «الشباك الموجود فى كابينة السائق ضيق، ولا يستطيع السائق القفز من خلاله، وإن استطاع، على الأقل لازم يتكسر أو يتكسح»، كما يصف على، لأن مستوى ارتفاع الجرار عالى، بالإضافة إلى أن باب الخروج من الجرار فى منتصف الجرار، قريب من الأجهزة والمعدات، فلا يستطيع السائق أن يمر من خلالها، بعكس الجرارات القديمة التى تستخدمها الهيئة، فهى أكثر أمانا. محمد إمام، سائق، يقول إن الجرارات تسببت فى وقوع أكثر من حادثة، بسبب مشكلات فى التصميم، منها عدم وجود مفاتيح لإيقاف المحرك بجوار الكابينة مما يجبر السائق على الوجود داخل غرفة محرك، ويعرضه لأخطار مولدات الضغط العالى وأجهزة الشحن الهوائى، التى أيضا تعمل بالضغط العالى. الوزن الزائد مشكلة تمنع الجرارات أيضا من الذهاب إلى ورش الصيانة، فالقضبان بين ورشة الفرز ومحطة رمسيس لا تحتمل هذا الوزن. المشكلة الأخيرة للجرارات الجديدية هى أن العاملين بالسكة الحديد يفتقرون إلى الخبرة الكافية التى تؤهلهم للتعامل مع هذه الجرارات وأعطالها، مما يكلف الهيئة مبالغ ضخمة فى صيانتها، خاصة بعد انتهاء فترة الضمان. «طرازات الجرارات الجديدة ذات تكنولوجيا متقدمة جدا» فى فاكس مفصل للرد على كل هذه التحفظات، كتب محمود سامى، رئيس هيئة السكك الحديدية إلى «الشروق» يقول إنها «طفرة حقيقية وإضافة لقوة الجر بسكك حديد مصر، وإن أبواب الجرارات مطابقة لمواصفات السلامة العالمية، وإن تصميم وتصنيع مثل هذه الطرازات بذات نظام الأبواب، وتعمل فى العديد من دول العالم بكفاءة تامة ومطابقة لمواصفات الأمن والسلامة العالمية». ونسب فاكس رئيس الهيئة لمهندسين فنيين «تأكيدهم أن هذه الجرارت تمثل طفرة حقيقية داعمة لأسطول الجر بالهيئة»، وذلك بعد التدريب والتجريب الأولى للجرارات الجديدة. يستعرض رئيس الهيئة مميزات أخرى للجرارات الجديدة، مثل «نظام لحماية العاملين والفنيين فضلا عن السائقين من تعرضهم لأخطار الكهرباء بالداخل، وذلك لأن التيار الكهربائى يتم فصله نهائيا عن الأجهزة الكهربائية الموجودة داخل التابلوهات فى حالة فتحها. «السكة الحديد ليست فى حاجة لاستراتيجية جديدة ولا تمويل» الرأى للدكتور سعد الدين عشماوى، أستاذ تنظيم النقل، والرئيس الفخرى للجمعية العلمية العربية للنقل، الذى يؤكد أن «كل شىء متوفر، والتمويل الذى حصلت عليه الهيئة من الوزارة الحالية، يفوق أى فترة، بس المهم يتم تطبيقه. الوزير قال: اعطونى فرصة ستة أشهر، وتشوفوا السكة الحديد هاتكون إزاى، واحنا لسه منتظرين». يرصد د. عشماوى أهم مشكلات السكة الحديد فى نقطتين: شبكة مستهلكة، وعمالة غير مدربة. «لكن الهيئة لديها القدرة على التغلب على تلك المشكلات، فقد حصلت على دعم كبير من الدولة، ونجحت فى تخفيض نسبة الفاقد الذى وصل إلى أكثر من 30%، بسبب كارنيهات الطلاب والقضاة والصحفيين، وبالفعل أصبحت وزارة التربية والتعليم تدفع للهيئة ثمن الفرق بين التذكرة المدعمة وغير المدعمة، كما حصلت على تمويل من الخارج لشراء جرارات جديدة، تلك مصادر تمويل كفيلة بأن تصلح من أوضاع الهيئة». لا يمكن عمل منظومة للسكة الحديد وحدها، «لابد أن تكون هناك منظومة متكاملة مع وسائل النقل الأخرى، مثل النهرى والبرى، حتى يتم نقل البضائع بدءا من المصنع، وصولا إلى المستهلك، تنقل على أكثر من وسيلة نقل، فمثلا إذا قمنا بعمل خط سكة حديد يربط بين الواحات والمنيا، لن يستخدمه الركاب بكثافة خط يربط بين إسكندرية والمنيا، بالتالى تكاليف إنشاء الخط الواحات ستكون أقل جدوى، كذلك لابد من زيادة عدد الرحلات فى المناطق المزدحمة، مثل القاهرة والإسكندرية». ثم استكمل «حتى نقدم مستوى خدمة جيدة، لابد من توفير عدد العربات، بما يتناسب مع الإقبال، مثل قطارات الصعيد المزدحمة، ولابد أن يتوافر بها على الأقل عشر عربات بالقطار». يضحك د. سعد الدين عشماوى وهو يضيف: فى قطار الصعيد بيقعدوا فوق بعض. «عند التخطيط للمستقبل هناك قواعد علمية مهمة» يضرب د. سعد الدين عشماوى مثالا على ذلك يما يسميه أولوية رحلة العمل، كقاعدة علمية يجب مراعاتها. «يعنى يا مسئولين فى السكة الحديد، لما أضع أولويات، تكون المناطق الصناعية مثل أكتوبر والعاشر من رمضان، على رأس القائمة، ولابد أن نقدم أعلى مستوى خدمة، لأن تلك المناطق تدر عوائد ضخمة، ولابد من توفير الراحة للعمال، حتى نشجع العمل والإقبال على تلك المناطق، لكن إذا حدث العكس سيبحث العمال عن مناطق قريبة لهم، حتى ولو كانت بنصف الأجر». «لابد أن يكون نصيب السكة الحديد من نقل البضائع على الأقل 35%، لكنها تساهم الآن بنسبة 7% فقط»، كما يقول د. سعد الدين. «السكة الحديد ليست مثالية أو نموذجية، وعلى الرغم أن أوجه القصور عديدة فإن مستواها الحالى أفضل نوعا ما»، يقولها محمد القيرانى، عضو بلجنة النقل واللجنة التشريعية بمجلس الشعب، مضيفا أن الفساد الإدارى الموجود بالهيئة جزء من سلوكيات البشر، «خاصة إذا كانت الوزارة خدمية، وعوائدها كثيرة، يكون بها فساد أكثر، ويحدث تطوير فى القطاع لكن ببطء». يرصد القيرانى بعض أولويات التطوير أمام الهيئة، ومنها تحديث نظام المزلقانات، «الذى يعتمد على العمل اليدوى، وليس الإلكترونى كما هو معمول به فى الدول الأوروبية، ويسبب العديد من الحوادث والمشكلات، فهو نظام بدائى يتحكم فى أرواح الملايين التى تنتقل كل يوم من خلال القطارات»، كما يرى القيرانى، لكن يرى أن وضع التنمية فى مصر وطاقاته لا تتحمل تغيير نظام السكة الحديد بأكمله، لأن تطبيق هذا النظام يحتاج إلى تغيير البنية الأساسية للهيئة كالمحطات وغيرها.