استطاع شباب مصر الرائع بوعيه وإصراره وصبره وطهارته أن يحيي أملا مات وأن يبعث وأن يزيل الكآبة التي تحجرت علي وجوه المصريين وأن »يكنس« في أيام قلائل عددا كبيرا من الرموز ذات الكراسي العالية وأن يطيح بها إلي مزبلة التاريخ.. طهر أرض الكنانة ونظف أرض النيل وأعاد البسمة لشفاه تشققت يأسا وإحباطا.. بعد نجاح الثورة الرائعة التي لم يشهد التاريخ لها مثيلا لا في الزمان ولا في المكان.. حمل الشباب نفسه »المكانس« لينظف ميدان التحرير.. هذا العمل الرائع في اعتقادي ليس لمجرد إعادة الميدان إلي ما كان عليه فهذا عمل تستطيع سيارة واحدة من هيئة النظافة أن تقوم به ولكنه في اعتقادي رمز أو درس آخر يقدمه الشباب للدولة الوليدة.. هذا الرمز يعني انه لابد من استكمال عملية التنظيف لتشمل كل القطاعات وكل المستويات.. فلا يخفي علي أحد أن أي مسئول كبير فاسد حوله بالضرورة عشرات من الفاسدين الصغار الذين ربما استفادوا من الفساد أكثر بكثير من فساد »الطرطور« الكبير.. هذا هو الدرس الجديد.. التطهير قبل التغيير وهو نفس الدرس الذي يؤكده منطق الأمور وحتمية العلاج الناجح والفعال.. عند علاج أي خراج يصيب الإنسان فإن الطبيب يقوم أولا بتنظيف الجرح والطبيب يحرص تماما أن تكون نظافة الجرح دقيقة وشاملة لأنك لو تركت الجرح يلتئم علي غير نظافة أو لمسة ولو كانت صغيرة من الصديد فإنه سوف ينفجر مرة أخري وسوف يصبح أسوأ بكثير مما كان عليه سابقا.. والإنسان عندما يريد أن ينشئ بيتا فإن أول ما يحرص عليه أن ينظف مكان الأساس وأن يكون فوق أرض صلبة.. فهو يزيل كل الخبث وكل التراب الهش قبل أن يبدأ بوضع الأساس.. التطهير إذن هو الخطوة الأولي واللازمة والأساس السليم والمتين للإصلاح المنشود اننا نبدأ من جديد للأسف فقد ضاع من عمر هذا الشعب أكثر من 05 عاما وهو زمن طويل في عمر الشعوب وإذا كنا سنبدأ من جديد فيجب ان تكون البداية سليمة وأن تكون خطواتنا علي الدرب الصحيح حتي لا تضيع دماء الشهداء وحتي لاتتبدد الثورة الرائعة التي قام بها شباب رائع.. والأمر الآخر هو ان يمتد التطهير ليشمل كل القطاعات.. لم يكن في مصر أي قطاع بعيد عن الفساد.. فقد طال الفساد كل قطاع وكل سلطة ونحن نخطئ كثيرا عندما نتعلق بقشة هشة اسمها المادة 88 من الدستور ونتصور ونحن بذلك نحلم ان هناك قطاعا ما كل من فيه كانوا ملائكة.. صحيح ان هناك قطاعات كان الفساد فيها أقل من غيرها ولكن الفساد طال كل شيء.. أقدم مثلا واحدا أحد قضاة الاستئناف تلقي وهو علي منصة القضاء تليفونا من سكرتير الهانم وما أدراك ما سكرتير الهانم يحدد له الحكم الذي يجب أن ينطقه بإدانة أسرة كاملة من خمسة أشخاص و7 من المحامين جرؤوا ودافعوا عن هذه الأسرة في قضية ملفقة.. ليست قتلا وليست سرقة.. وليس اغتصابا وإنما هي قضية ملفقة لمحضر صلح وذلك مجاملة لابنة أخت سكرتير الهانم الذي كانت رغبته أوامر تنفذ دون نقاش علي الجميع وقام القاضي الذي تلقي الأمر وهو فوق منصة القضاء بإدانة أسرة كاملة بالسجن عامين لكل منهم وذلك لأن أحد أفراد الأسرة وهو استاذ في كلية الطب جرؤ وقام بطلاق ابنة أخت السكرتير. هذا مثل والأمثلة كثيرة وهي تؤكد ان الفساد لم يترك شيئا ولا أحدا ونخطئ كثيرا لو عالجنا الجرح وتركنا فيه بقايا صديد.. خزائن النائب العام الدكتور عبدالمجيد محمود مليئة بأشياء يمكن ان تجعل الإنسان أي إنسان يبكي دما وهنا لابد من التأكيد علي أن هذا الرجل استطاع وسط البحر العاصف أن يحتفظ بكرامته وكرامة القسم الذي أقسمه واستطاع أن يصمد وسط التيارات العاتية وأن يكافح بكل ما توفره الطاقة حتي لا ينجرف هذا الجهاز الذي كان وحده واعتمد في ذلك علي تجربة شخصية هو صمام الأمان في جو مشبع بالفساد والانهيار وكان يقف إلي جواره مساعده ويده اليمني حامل العبء الأكبر المستشار عادل السعيد رئيس المكتب الفني الذي يرأس كتيبة ممتازة ومتميزة من أناس يخافون الله واستطاعوا بطهارتهم ورغم المعاناة الشرسة أن يدفعوا عن كثيرين الكثير من الشرور التي أفرزها الفساد.. وهناك أمثلة كثيرة للفساد وأمثلة كثيرة أيضا للنقاء كل ذلك يجب الكشف عنه ويجب إظهاره للمواطنين فذلك حقهم وذلك كما قلت هو الطريق الصحيح للإصلاح.. تطهير في كل قطاع وفي كل جهاز وفحص لأعمال كل مسئول كبير أو صغير وإلا ضاع ما صنعه شباب التحرير وما سطروه بدمائهم الطاهرة. ولله الأمر