أعلن العميد محمد سمير المتحدث العسكري أنه لا توجد قوات برية مصرية في العمليات الدائرة تحت اسم «عاصفة الحزم»، وبيانات المتحدث العسكري دقيقة. أثق فيها ثقتي في القيادة العليا للقوات المسلحة وتقديراتها بالقياس إلي المصلحة الوطنية أولا والواجب القومي في إطار الظروف الخاصة بمصر ومقتضيات مفهوم الأمن القومي الآن، وفي إطار دروس الماضي المؤلمة. أؤكد أن استعادة وقائع التاريخ ليست لمجرد الحكي إنما لاستلهام الدروس والعبر الآن، بعد صدور بيان المتحدث العسكري أجد أن المبرر الأخلاقي لمناقشة التدخل البري قائم، عندما يعلن المتحدث عن وجود قوات تحارب في اليمن لنصمت احتراما للجيش الذي يحارب وقوامه اشقاؤنا وأبناؤنا. ونحمد الله أن الظروف تمكننا الآن من الحوار وإبداء الرأي. فقد اتخذ قرار التدخل في اليمن عام 62 بدون أي مناقشة، لا برلمانية ولا شعبية، وكان ذلك بناء علي نصيحة وتقرير من أنور السادات عضو مجلس قيادة الثورة، وبدأ الأمر بستمائة جندي وسرعان ما ارتفع التورط حتي بلغ عشرات الألوف، ومع كل احترامي لما ابداه السيد سامي شرف فإن درس التاريخ النهائي يؤكد أن الحملة إلي اليمن انهكت الجيش وكانت البوابة الأساسية إلي هزيمة يونيو 1967 التي لا يقارن بها إلا هزيمة السلطان الغوري في مرج دابق 1517. ولا تقنعني أي مبررات عن تحرير اليمن واخراجه من القرون الوسطي. ولولا هبة الشعب المصري في التاسع والعاشر من يونيو لدخلت مصر تماما إلي القرون الوسطي. انني ارجو قراءة شهادة الفريق عبدالمنعم خليل التي ضمنها كتابه «حروب مصر المعاصرة» ونشرتها جريدة الشروق مؤخرا، هذا القائد العظيم حارب في اليمن، ولديه رؤية متجردة نقية كأقطاب الصوفية، أساسها المصلحة الوطنية، لنقرأ شهادته بدقة ولنصغ إليه وإلي القادة الذين حاربوا هناك. يلفت نظري التناقض بين ما جاء في رد سامي شرف وشهادة الفريق عبدالمنعم. يقول الأول إن القوات لم تزد علي ستين ألفا، ويقدرها سيادة الفريق بمائة وخمسين ألفا، وأن المبلغ الذي انفق علي اليمن لا يزيد علي خمسمائة مليون جنيه، كما قال السيد سامي شرف، ارجو ملاحظة أن السد العالي، تكلف اربعمائة مليون جنيه، وان الدولار في بداية الستينيات كانت قيمته سبعة وثلاثين قرشا، لنا أن نتخيل لو انفق المبلغ علي تنمية الصعيد بدلا من الحرب في اليمن. التناقض في الشهادتين يثير قضية الوثائق الخاصة بحروب مصر، غير أن ما كتبه الفريق عبدالمنعم خليل من شهادة واقعية حافلة بتفاصيل مؤلمة حوي تساؤلا يلخص مأساة التدخل في بداية الستينيات في اليمن. يقول القائد المحارب إن رجاله من جنود المظلات وضباطها كانوا يسألونه: «لماذا نحارب هنا»؟ هل من مجيب علي هذا السؤال، هل من متأمل له قبل التدخل في حرب تتضمن بعدا طائفيا؟ جيشنا لم يخرج بعد إلي بر اليمن، فلنتساءل قبل أن يمر الزمن ويجيء من يسأل في المستقبل: لماذا صمتوا؟