سبت النور 2024، سبب تسميته وأهم طقوس احتفالاته    المستندات المطلوبة للتصالح على مخالفات البناء.. تبدأ يوم الثلاثاء    نانسي عجرم ناعية الأمير بدر بن عبد المحسن: خسرنا إنسان وشاعر استثنائي    الدوري الإنجليزي، نيوكاسل يكتفي بثلاثية نظيفة في شباك بيرنلي بالشوط الأول    التشكيل الرسمي للخليخ أمام الطائي بالدوري.. موقف محمد شريف    وزير الرياضة يتفقد ورشة عمل حول الأمن المعلوماتي بشرم الشيخ    مدرب ريال مدريد السابق مرشح لخلافة توخيل    إعادة الحركة المرورية لطبيعتها على الطريق الحر بعد حادث تصادم    "الجثمان مفقود".. غرق شاب في قرية سياحية بالساحل الشمالي    بعد القاهرة مكة، أفلام مصرية جديدة "للكبار فقط" في موسم صيف 2024    دعاء تعطيل العنوسة للعزباء.. كلمات للخروج من المحن    أحدث 30 صورة جوية من مشروع القطار السريع - محطات ومسار    طلب برلماني بتشكيل لجنة وزارية لحل مشكلات العاملين بالدولة والقطاع الخاص -تفاصيل    إصابة 8 في انقلاب ميكروباص على صحراوي البحيرة    "الزراعة" تنظم سلسلة أنشطة توعوية للمزارعين في 23 محافظة -تفاصيل    موعد ومكان عزاء الإذاعي أحمد أبو السعود    ميرال أشرف: الفوز ببطولة كأس مصر يعبر عن شخصية الأهلي    مفاجأة- علي جمعة: عبارة "لا حياء في الدين" خاطئة.. وهذا هو الصواب    أخبار التوك شو| الأرصاد تعلن تفاصيل طقس اليوم.. أسعار الذهب الآن في مصر    "علشان تأكل بأمان".. 7 نصائح لتناول الفسيخ في شم النسيم 2024    بطلها صلاح و«العميد».. مفاجأة بشأن معسكر منتخب مصر المقبل    محمد يوسف ل«المصري اليوم» عن تقصير خالد بيبو: انظروا إلى كلوب    كشف ملابسات فيديو التعدى بالضرب على "قطة".. وضبط مرتكب الواقعة    استعدادًا لفصل الصيف.. محافظ أسوان يوجه بالقضاء على ضعف وانقطاع المياه    جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 والثانوي الأزهري    تشييع جنازة الإذاعي أحمد أبو السعود من مسجد السيدة نفيسة| صور    «الصحة» تعلن أماكن تواجد القوافل الطبية بالكنائس خلال احتفالات عيد القيامة بالمحافظات    ما حكم أكل الفسيخ وتلوين البيض في يوم شم النسيم؟.. تعرف على رد الإفتاء    بعد رحيله عن دورتموند، الوجهة المقبلة ل ماركو رويس    استقبال 180 شكوى خلال شهر أبريل وحل 154 منها بنسبة 99.76% بالقليوبية    رئيس الأعلى للإعلام يهنئ البابا تواضروس الثاني بمناسبة عيد القيامة المجيد    «الإسكان»: دفع العمل بالطرق والمرافق بالأراضي المضافة لمدينتي سفنكس والشروق لسرعة توفيق أوضاعها    خريطة القوافل العلاجية التابعة لحياة كريمة خلال مايو الجارى بالبحر الأحمر    الانتهاء من 45 مشروعًا فى قرى وادى الصعايدة بأسوان ضمن "حياة كريمة"    الخارجية الروسية: تدريبات حلف الناتو تشير إلى استعداده ل "صراع محتمل" مع روسيا    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    محافظ المنوفية يحيل 37 من المتغيبين بمستشفيات الرمد والحميات للتحقيق    إيقاف حركة القطارات بين محطتى الحمام والعُميد بخط القباري مرسى مطروح مؤقتا    انطلاق ماراثون المراجعات النهائية لطلاب الشهادة الإعدادية والثانوية بكفر الشيخ    حسين هريدي: الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول رفح متعلق بطريقة الاجتياح    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    السيسي يعزي في وفاة نجل البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني    أبرزها متابعة استعدادات موسم الحج، حصاد وزارة السياحة والآثار خلال أسبوع    التموين: توريد 1.5 مليون طن قمح محلي حتى الآن بنسبة 40% من المستهدف    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    توفيق عكاشة: شهادة الدكتوراه الخاصة بي ليست مزورة وهذه أسباب فصلي من مجلس النواب    المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة "ابدأ" .. الليلة مع أسامة كمال في مساء dmc    روسيا تسقط مسيرتين أوكرانيتين في بيلجورود    دفاع طفل شبرا الخيمة يتوقع أقصى عقوبة لطفل الكويت معطي التعليمات    مستشار الرئيس للصحة: مصر في الطريق للقضاء على مسببات الإصابة بسرطان الكبد    ما حكم تهنئة المسيحيين في عيدهم؟ «الإفتاء» تُجيب    مي سليم تروج لفيلمها الجديد «بنقدر ظروفك» مع أحمد الفيشاوي    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    إيرادات فيلم السرب على مدار 3 أيام عرض بالسينما 6 ملايين جنيه ( صور)    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    مصرع 14 شخصا إثر وقوع فيضان وانهيار أرضي بجزيرة سولاويسي الإندونيسية    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عامر «شماعة» عبدالناصر (2)
ناصر والسادات وعامر مسئولون عن حرب اليمن
نشر في الوفد يوم 13 - 09 - 2014

فشل الوحدة المصرية مع سوريا كان بمثابة الكارثة علي «عبدالناصر» وحكمه حيث وضعته ووضعت مصر في موقف خرج أمام العالم أجمع، بل نالت من هيبته أمام خصومه وحطمت له حلم الزعامة العربية -
فكانت حرب اليمن نتيجة لفشل الوحدة، ولولا الوحدة وانشغاله بالزعامة العربية ما كانت حرب اليمن، وضياع كل شيء فيها بداية من الذهب والجيش إلي الحراسات والتأميمات.. فكل ذلك لن يحدث لان «عبدالناصر» لم يكن شيوعياً أو مع «الاتحاد السوفيتي» فقد بدأ ضد الشيوعية وكان يقبض علي الشيوعيين وضد اليسار ولكن زعامته العربية فرضت عليه تغييرات كثيرة جداً وكان يريد ان يقود الأمة دون إمكانيات تساعده علي ذلك.. إذن ذهاب «عبدالناصر» إلي اليمن جاء تحت ضغط الحاجة إلي تعويض النكسة التي أصابت مشروعه العربي بانفصال سوريا قبل حرب اليمن بعام واحد، لكن حسابات «عبدالناصر» خانته في تقدير الأعباء العسكرية التي تترتب علي إشكال التدخل المباشر لخصوم «عبدالناصر» من الغرب بالإضافة إلي القصور المزمن للفكر والتطبيق الناصري عن إدراك الخصوصيات المحلية والمراعاة الحصيفة لضروراتها، والأهم تصديق «عبدالناصر» للأوهام التي خلقها هو نفسه حول زعامته وقدرته علي قيادة العرب، وقدرات الجيش المصري حينذاك.
فجأة في صباح 26 سبتمبر 1962 أذاعت صنعاء أن العميد «عبدالله السلال» قاد الانقلاب ضد الأمير «محمد البدر» إمام اليمن الجديد، واستولي الجيش اليمني علي السلطة بعد معركة مسلحة قيل ان الإمام «البدر» قتل فيها، وعلي الفور اعترفت مصر بالنظام الجمهوري في اليمن لانه كان مخرجاً لموقف مصر السييء بعد الانفصال السوري ومنفذاً لرد الاعتبار.
ورأي «عبدالناصر» أنها فرصة ذهبية لم تكن في الحسبان لكي يعود مرة أخري علي الساحة العربية والدولية زعيماً للقومية العربية عنداً في الأنظمة العربية «السعودية والأردن» التي كان يصفها بأنها تساند الرجعية، وأيضا في القوي الغربية التي كانت ترفض أن يتمدد «عبدالناصر» إقليميا.
مع العلم بأن القيادة السياسية لم يكن لها علم بالثورة اليمنية قبل قيامها لعدة أسباب أهمها: إحكام قبضة الرجعية علي اليمن بعد قضاء الإمام «أحمد» علي كل المؤتمرين ضده بعد فشل انقلاب المقدم اليمني «الثلايا» في إبريل 195، وإرجاع اليمني إلي عزلة شديدة بعد هذا الانقلاب.. وعدم علم الشعب اليمن بوفاة الإمام «أحمد» إلا بعد أن قلد «سيف الإسلام محمد البدر» ولي العهد نفسه إماماً علي اليمن.. انحسار اليمنيين الأحرار عن مصر وتركيزهم علي احتواء الأمير «البدر» وقيامهم بالثورة ضده.. اعتماد مصر علي شخصيات يمنية مقيمة بمصر يكرها اليمنيون الأحرار.
وعليه قرر «عبدالناصر» التعرف علي الموقف في اليمن علي الطبيعية فأرسل «السادات» و«كمال رفعت» وبعض أعضاء مجلس قيادة الثورة لاستطلاع الموقف ومعهم وفد من ضباط العمليات، وعادت المجموعة من صنعاء بعد «36» ساعة وقدمت تقاريرها إلي «عبدالناصر» مع أنه كان يوجد بعثة عسكرية أرسلت إلي اليمن في «5» أكتوبر 1954 ومكثت في اليمن سنة برئاسة «كمال أبوالفتوح» و«محمد أحمد لبيب» و«سعد رؤوف» و«حامد عبداله» و«مصطفي الهمشري» و«الهمشري وعبدالله» كانا من البوليس بالإضافة إلي ضباط الصف، وقامت هذه البعثة، بتدريب اليمنيين ولكن قيام ثورة «الثلاثاء» حالت دون إكمال مهمتها فاستغلت البعثة وجودها في اليمن ودرست جميع أحوال اليمن السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتعرفت علي بعض الشخصيات اليمنية اشتراك بعضها في ثورة اليمن 1962، وقيل لهم حينها كونوا مثل حملة «شامبليون» في الحملة الفرنسية لدراسة أحوال اليمن، وبالفعل قدموا دراساتهم وللأسف لم تتم الاستعانة بهذه الدراسات.
عبدالناصر المسئول الأول عن حرب اليمن
بعد نجاح ثورة اليمن طلب «السلال» قائد الثورة مساعدات عسكرية من مصر، وأرسل المشير «عامر» «اللواء علي عبدالخبير» ومعه بعض من ضباط الصاعقة والمظلات إلي اليمن لمقابلة أعضاء مجلس القيادة والتعرف علي مطالبهم.
ومع عودة «السادات» من اليمن كان تحمسه للتدخل المصري واضحاً في اليمن، واقترح إرسال سرب من الطائرات المصرية إلي اليمن معتقداً انه كفيل بإجبار القبائل علي التهجير(!!) أي تحويلها من تأييد النظام الملكي إلي النظام الجمهوري، كانت هذه الفكرة بداية التدخل الإجباري الجوي والبري والبحري بالرجال والعتاد والسلاح والمال والذهب والفضة وكل شيء!!
ولكن في حقيقة الأمر كل هذا لا يهم إذا لم يكن «عبدالناصر» موافقاً ومهتماً بالوجود المصري في اليمن لان الانفصال بالنسبة ل «عبدالناصر» كان تحطيما للحلم القومي ولمشروعه، وعودة مصر إلي الانعزال داخل حدودها و«عبدالناصر» وجد ان من مصلحته بخطته وسياساته وتوجهاته وطموحاته ان يكون له وجود في اليمن خاصة أن اليمن هي التي دعته لمساعدتها عسكرياً وحضارياً.. ودارت مناقشة «شكلية» حول نوع المساعدة التي سوف تقدم لليمن.. ولكن سرعان ما تطور الموقف بسرعة غير متوقعة، فكلف المشير «عامر» اللواء «عبدالخبير» بتولي مسئولية مساندة الثورة وقام بتشكيل قيادة صغيرة لتعاونه في القيام بالمهمة المكلف بها، واختار اللواء «سعدي نجيب» رئيساً للأركان واللواء «عبدالمنعم خليل» مديراً للعمليات والعقيد «نوال سعيد» مديراً للإمداد والتموين، والعقيد «محمد تمام» مديراً لشئون الأفراد.. إذن المسئول الأول عن حرب اليمن هو «عبدالناصر» ويليه «السادات». والمشير «عامر» كان ينفذ القرارات السياسية التي كانت هدفا استراتيجيا ل «ناصر» و«السادات» كان يشرف علي النواحي السياسية للتعاون بين القاهرة وصنعاء.
الدعاية الإعلامية
ودارت الآلة الإعلامية للعهد الناصري بعزف منفرد ل«هيكل» وإذاعة «صوت العرب» عن ضرورة وأهمية حرب اليمن لمساندة الشعب المصري ضد حكم الآئمة الانعزالي عن العالم الخارجي وحضارته وأن اليمن تعيش في القرون الوسطي، ولابد من أن يشعر الشعب اليمني بالحرية والديمقراطية!!
وإذا قيل لهم وهل الشعب المصري كان يتمتع بالحرية حتي يحققها «ناصر» للشعب اليمني؟
كانت الأداة الإعلامية تؤكد ان الحرية أنواع حيث توجد حرية وطن وحرية مواطن وحرية سياسية وحرية اقتصادية وحرية اجتماعية.. و«عبدالناصر» كان له وجهة نظر وهي ضرورة ان تسبق الحرية الاجتماعية الحرية السياسية، وأن تسبق حرية الوطن حرية المواطن(!!) وهذه نظرية في السياسة.
وبالطبع لابد ان ينفوا ان تكون حرب اليمن حلما بإمبراطورية عربية كان يبحث عنها «عبدالناصر» والبحث عن مجد شخصي له.. مؤكدين أن حرب اليمن لم تكن للبحث عن مجد ل «عبدالناصر» لان اليمن طوال عمرها وهي «مغرم» وليست «مغنم» لانها بلد فقير، والتواجد فيه معناه الانفاق عليها والدفاع عنها، ويتساءلون أين هو المجد الشخصي ل«عبدالناصر» الذي يمكن أن يضاف له هل لأنه ساعد علي تحرير دولة عربية شقيقة؟!
فهو ساعد من قبل الجزائر والمغرب وتونس، وساعد علي تصفية حلف بغداد، فهو له مجد شخصي من قبل الذهاب إلي اليمن!! لان حرب اليمن من وجهة نظرهم لم تكن عملية عنترية أو بحثا عن زعامة، ولكنها عملية مصلحة معيشية فرضتها الضرورة التاريخية والظروف التي كانت قائمة في تلك المرحلة.
جسر جوي وبحري
بدأت مصر في إنشاء جسر جوي وبحري ضخم يمتد آلاف الكيلومترات لنقل الرجال والمعدات والأسلحة والتعيينات والمستشفيات بكامل أطقمها الفنية والبشرية ومستودعات الوقود، ومخازن الأدوية وقطع الغيار والمهمات ومستلزمات المزارع التي كانت تزرع لتجنب أعباء شحنها من مصر إلي اليمن، وورش إصلاح الأسلحة والسيارات والمعدات الحربية والفنية، ونقل التعيينات الجافة والذهب والفضة الذي كانا يوزع علي القبائل لشراء ولائهم إلي الجمهورية الجديدة.. وقد ثبت رسمياً وصول «130» ألف بندقية أي تسليح «130» ألف جنديا، «5» آلاف مدفع رشاش متنوع الأحجام، «130» مدفع مضاد للدبابات، «90» مدفع هاون، «16» مدفع مضاد للطائرات، «20» مليون طلقة «8600» لغم مضاد للدبابات كل هذه الأسلحة والمعدات حتي نهاية عام 1963 فماذا عن باقي السنوات حيث استمر الجيش المصري في اليمن حتي 1968(!!).. هذا بخلاف طائرات النقل «اليوشن» وطائرات الهليكوبتر من 24 ومن 6 ومن 8، بجانب إسراب الطائرات القاذفة المقاتلة وطائرات ال «أنتينوف» وطائرات «تي يو 16» والتي قادها عقيد طيار محمد حسني مبارك حيث كان قائد السرب، غير السفن الناقلة العملاقة وسيارات النقل والجيب.. إلخ.
فقد كان ينفق في اليمن مليون جنيه استرليني يومياً في حرب اليمن التي ابتلعت خيرة وحدات قواتنا المسلحة وأهلكت أفرادها ومعداتها وأسلحتها وطائراتها بل استنفدت أنفاسها!! وقد أكد رئيس المخابرات الأمريكية (C.I.A) في وزارة الدفاع الأمريكية بعد ذلك في لقائه مع المشير «الجمسي» عندما كان وزيراً للدفاع وبحضور د. «علي السمان» المتحدث الأسبق لرئاسة الجمهورية: أن «عبدالناصر» أخطأ في تقدير الدولة الكبري عندما أرسل قواته إلي اليمن خارج حدوده، لأن الدول الكبري فقط هي التي تبعث بقواتها خارج حدودها الوطنية، ولا يسمح بذلك لباقي الدول، ولهذا كان يجب لفت النظر، ولكنه كان لفتًا شديداً قاصداً ما تم بعد ذلك في يونية 1967.
التخلف والتلوث
يحصر الكثيرون أضرار الحملة العسكرية إلي اليمن في الخسائر العسكرية والاقتصادية فقط، بعيداً عن الأضرار الاجتماعية والنفسية التي أصابت جموع الشعب المصري عندما كانوا يحرمون من قيام سرادق للعزاء في شهدائهم في اليمن بعدما كثرت الاعداد إلي الدرجة التي صدرت الأوامر بعدم إرسال جثث الشهداء وأن يتم الدفن هناك.. هذا بخلاف الأضرار الطبية والصحية التي أصابت أفضل قواتنا التي كانت في اليمن، لان الحياة كانت بدائية جداً بل شديدة التخلف، والتلوث يضرب كل شيء وقد اكتشف الدكتور «إبراهيم بدران» وزير الصحة الأسبق حوالي «70» حالة خراج في الكبد بين ضباط القوات المسلحة في سنة واحدة ممن كانوا في اليمن، «فماذا عن باقي الجنود؟؟» بسبب شدة التلوث وهو كطبيب ماهر قال: المفترض والطبيعي أن اكتشف حالة واحدة كل «10» سنوات علي الأكثر بها خراج في الكبد.. ويذكر يوما جاءه طلب لعلاج المشير «عامر» وعندما ذهب وجد يده قد أصابها حُمرة شديدة جداً، فسأله هل صافح أحدا يده غير نظيفة؟ وكان قادماً من اليمن.. فقهقه المشير عاليًا وقال له: يا دكتور هو فيه حد هناك إيده مش «وسخة»!!
المكائد الخارجية في حرب اليمن
بعد تورط مصر في حرب اليمن، بدأ النزاع المصري السعودي في اليمن وحاول الرئيس الأمريكي «جون كيندي» في حل هذا النزاع من خلال خطابات أرسلها إلي الرئيس «عبدالناصر» و«كيندي» بهذا الحل كان يريد إقامة علاقات طيبة مع «ناصر» وقادة حركة عدم الانحياز «نهرو في الهند وتيتو في يوغسلافيا». ولكن محاولات «كيندي» فشلت في حل الأزمة اليمنية بسبب قوي الضغط اليهودي التي كانت تريد أن تظل مصر متورطة في اليمن لاستنزاف قواتها المسلحة في جبال اليمن وتضاريسها الصعبة. وبعد اغتيال «كنيدي» ووصول «جونسون» إلي الرئاسة تدهورت العلاقات المصرية الأمريكية التي وصلت إلي قيام مظاهرة في القاهرة متجهة إلي مبني مكتبة السفارة الأمريكية بجاردن سيتي وأضرمت فيها النيران (!!) وبعد أسبوعين من هذا الحادث ألقي «عبدالناصر» خطابا هاجم فيه أمريكا بعنف حيث قال: «إذا كانت أمريكا مش عاجبها تروح تشرب من البحر وإن لم يكفها البحر الأبيض تروح تشرب من البحر الأحمر»، وكان اللوبي اليهودي يعمل علي دفع أحد أعضاء الكونجرس الموالين له، إلي ان يلقي خطابا في الكونجرس ضد «عبدالناصر» ووصفه ب «الديكتاتور»، فتكون النتيجة أن ترد أجهزة الإعلام المصرية بهجوم كاسح علي أمريكا وعلي رئيسها «جونسون» فيزياد الجو بين البلدين والرئيسين توتراً.. وتمر الشهور والسنوات ويزداد التورط المصري في اليمن، ومعه نزيف الدماء والأرواح والسلاح والعتاد.
وقد حكي السفير «محسن العيني» الذي كان سفيراً لليمن في واشنطن في هذه الفترة بانه كان يتناول عشاءه في أحد مطاعم واشنطن وكان يجلس علي المائدة المجاورة له «روبرت كومر» المسئول عن الشرق الأوسط في مجلس الأمن وسمعه يقول لمحدثه إن سياستهم تهدف إلي استمرار «عبدالناصر» في اليمن. وأيضا الاتحاد السوفييتي لم يكن يريد لمصر ان تخرج من اليمن.. لان الوجود المصري هناك كان سيفتح له المجال ليضع أقدامه ويتغلغل في هذه المنطقة المهمة للمصالح الأمريكية الحيوية، وبالفعل لقد استطاع الاتحاد السوفييتي أن يصل إلي هذه المنطقة من خلال الوجود المصري في اليمن واستطاع في فترات وجيزة ان يبني روابط أيدولوجية مع حركات التحرر الوطني خاصة الحركة العمالية في «عدن» ولم يمر وقت طويل حتي أصبح اليمن الجنوبي دائراً في الفلك السوفييتي. إذن لم تكن إسرائيل وأمريكا فقط هما اللتان تحاولان إبقاء مصر في اليمن، ولهذا فشلت كل المحاولات التي بذلت لحل المشكلة اليمنية حتي وقع عدوان 1967.
عامر في اليمن
سافرت القوات المصرية إلي اليمن ولم تكن تعرف شيئا عنها ولا عن طبيعتها أو طبيعة الحرب التي ستخوضها.. ولم تكن مستعدة لها، ولم تكن حرباً بالشكل المفهوم بل كانت حرب عصابات «كر وفر» وفتح الطرق التي تقطعها القبائل اليمنية، وعندما تأكد «عبدالناصر» أنها أصبحت عبئا علي القوات المسلحة والميزانية اجتمع بقادة القوات المسلحة بحضور رئيس الأركان ورئيس العمليات وقادة الطيران والبحرية وقائد القوات العربية.. وكان المشير «عامر» القائد العام للقوات المسلحة و«السادات» هما اللذان يتابعان المسألة اليمنية ويؤيدان استمرار وجود القوات المصرية في اليمن.. فجاء «السادات» متأخرا، فأشار إليه «عبدالناصر» وقال: هو السبب في الغرقة السودة اللي إحنا فيها!! لان «السادات» كان صديق الثوار اليمنيين في مصر أمثال «عبدالرحمن البيضاني» و«الزبيري» وغيرهما، وهو و«عمر عبدالواحد» الوزير المفوض في اليمن، أفهما «عبدالناصر» عند قيام ثورة اليمن لو أن مصر أرسلت أي قوات بسيطة سيتم إخماد الثورة، فأرسلت مصر سرية صاعقة ثم وصل العدد إلي «55» ألف مقاتل مصري في اليمن، وحاربت القوات المصرية في اليمن أصنافاً كثيرة من البشر ومرتزقة من كل مكان في العالم، ولم تكن تعرف العدو من الصديق، وهل هذا يؤيد الجمهورية أم ضدها، وكانت طبيعة العدو الذي تقاتله القوات المصرية تتميز بالغدر والخيانة.. بالإضافة إلي طبيعة الأرض وصعوبة التحرك عليها خاصة المنطقة الجبلية التي كانت تعسكر بها القوات المصرية وكثرة الأحجار الصخرية وتأثيرها الخطير علي أحذية الجنود التي كانت تنتزع نعالها في مشوار واحد، فتصاب أقدام الجنود من الصخور وتدمي أصابعهم، ومع قلة المياه وطول المسافة وخطورتها إلي موارد المياه في الوادي واحتمال تلوثها بفعل العدو، وصعوبة وصول التعينيات الطازجة من «صنعاء» إلي مواقع القوات، وإذا وصلت فمعظمها يصل تالفاً، وصعوبة وصول الصحف والمجلات وخطابات البريد، بالإضافة إلي مشكلات الإجازات ونقل الجنود من وإلي مطار «صنعاء» لقضاء الإجازة في مصر كانت مشكلة معقدة وليس لها حل.. والصعوبة في اختلاف الطقس في المكان الواحد الذي يتمثل في شدة البرودة ليلاً ودوامات الأتربة الصاعدة إلي أعلي والحاملة لكل أتربة وأوساخ اليمن وشدة الحرارة في الوديان، والبرودة القاسية في الجبال، وكان هذا يتطلب وفرة في البطاطين والملابس الصوفية ليلاً وملابس أخري خفيفة نهاراً.
ومع وصول المشير «عامر» إلي اليمن تم عقد مؤتمر كبير مع قادة القطاعات بحضور «السادات» والفريق أول «مرتجي» واللواء «فتحي عبدالغني» وعندما سأل المشير عن الروح المعنوية للقوات في منطقة كل قائد؟ وعن الموقف الحربي والكفاءة القتالية للقوات، وموقف القبائل اليمنية ومشاكلها.. جاءت الإجابات غير صحيحة لانهم أعلنوا ارتفاع المعنويات والاستعداد الدائم للقتال!!
ولكن اللواء «عبدالمنعم خليل» قال: سيادة المشير ان الروح المعنوية لقواتي سيئة!! وهذا أفقد المشير هدوءه، ودق بيده علي ترابيزة المؤمرات قائلاً: إزاي تقول الكلام ده؟ وإحنا بنقول إن قواتنا المسلحة أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط!! ورد «خليل» إذا كنت سيادتك زعلان بلاش أتكلم بصراحة!!» وبسرعة رد المشير قائلاً في هدوء «لا.. لا.. اتكلم يا منعم» «بصراحة» وحكي له اللواء «عبدالمنعم خليل» كل الصعوبات التي تواجه القوات المصرية في اليمن .. وبالطبع حدث هجوم ولوم علي القادة والضباط لانهم لم يطالبوا بحل هذه العقبات. ثم دافع المشير عنهم وأمر بحلول هذه المشاكل.
كارثة الخرائط
كانت الجبهة الشرقية من اليمن خاضعة لقبائل «خولان» القوية وكان يتزعمها الشيخ «الغادر» فطلب «السلال» قائد الثورة من القيادة العربية في اليمن ضرورة إخضاع هذه القبيلة القوية للثورة، لأهمية الجبهة الشرقية التي تعتبر مفتاح حضارة اليمن القديمة خاصة منطقة سد «مأرب» ووجود آثار مملكة «سبأ» القديمة، كما كانت توجد في منطقة «صرواح» أثار الحضارة اليمنية القديمة، ورغم انفاق الكثير من الأموال والريالات الفضية علي قبائل «خولان» ظلت رافضة لاعلان ولائها للجمهورية فتحركت قوة برية ومعها بعض الدبابات والعربات المدرعة تدعيما لقوة من الصاعقة كلفت بالتقدم إلي «جبجانة» ثم «رأس العرقوب» و«صرواح» و«مأرب» بقيادة الرائد «حسن عبدالغني» من الصاعقة وفي ذات الوقت، طالبوا طيار «نبيل فريد شكري» بإسقاط سرية مظلات قبل غروب شمس 22/10/1962 بشرقي «صرواح» بغرض تأمينها واحتلالها حتي تصل لها القوة البرية عن طريق «رأس العرقوب» .. وبالفعل تم إسقاط رجال المظلات وبعد رجوع «نبيل فريد شكري» اكتشف انهم أعطوه خرائط خاطئة وتم إلقاء رجال المظلات في المكان الخطأ، حيث لم تكن توجد خرائط واضحة لليمن مع القوات المصرية والخرائط التي معهم لم تكن توضح إلا المعالم الرئيسية وكلها جبال ووديان.
وعندما طالب «شكري» بالعودة لإنقاذ هؤلاء الرجال قيل له اية خطورة كبيرة ثم المتوقع انهم ماتوا بسبب الثلوج أو في شقوق الجبال.. وتاهت في ظلمة المرتفعات، وتشتت الجمع علي هذه الأرض العجيبة، ولم يتلقوا أي إشارات لاسلكية أو أخبار عنهم طيلة فترة طويلة مؤلمة.
حتي المجموعة البرية وقعت في كمين خطير عند منطقة وعرة تسمي «رأس العرقوب» وفقد الكثير من الشهداء، وبالطبع عدد كبير من السيارات والمصفحات وأجبر التشكيل للارتداد إلي منطقة «جبجانة» ورغم فشل هذه المحاولة في التقدم إلي «صرواح» فقد تم تكوين قوة أخري تتكون من عناصر مشاة وصاعقة ودبابات لفتح طريق «رأس العرقوب» ولم تنجح هذه القوة أيضا في التغلب علي الكمائن القوية الخاضعة لسلطان «الغادر» ملك «خولان».
عصور الظلام
قامت القوات المصرية في اليمن بالتعاون مع كل أجهزة الدولة المصرية في التغلب علي كل الصعاب مادياً ومعنوياً، وحاربت الفقر والجهل والمرض والتخلف وقاومت التقاليد البالية القديمة العفنة وأصبح اليمن يشهد تقدما نتيجة لهذا المجهود الضخم والتضحيات الكبيرة التي قامت بها القوات المسلحة المصرية في اليمن، حتي وصلت جمهورية اليمن الشمالي إلي ما وصلت إليه الآن من تقدم وتركت عصور الظلام والتخلف الذي فرضته عليها حكم الأئمة.
المصادر:
لقاءات شخصية مع:
فريق أول عبدالمحسن مرتجي - قائد القوات العربية في اليمن.
فريق عبدالمنعم خليل - مدير هيئة عمليات القوات العربية في اليمن.
فريق يوسف عفيفي - من الضباط الأحرار (ضمن البعثة العسكرية باليمن)
السفير عبدالرءوف الريدي - سفير مصر في واشنطن الأسبق.
د. علي السمان - المتحدث باسم رئاسة الجمهورية الأسبق
أ. أحمد سعيد - مدير إذاعة صوت العرب الأسبق
أ. صلاح منتصر - الكاتب الصحفي.
لواء طيار نبيل فريد شكري - (ضمن البعثة العسكرية باليمن)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.