علوى حافظ بين عبدالناصر وعبدالحكيم عامر علوي حافظ.. وما أدراك ما علوي حافظ.. فارس المعارضة في زمانه، الذي أطلقوا عليه »زمن علوي حافظ«.. سياسي وبرلماني استثنائي لمدة 30 عاما تحت قبة مجلس الأمة والشعب.. وصاحب أشهر الاستجوابات في تاريخ البرلمان المصري. كان أحد الضباط الأحرار عام 1952، ولكنه اختلف معهم.. فقد شارك عبدالناصر مسيرته من البداية حتي قرب النهاية يوم وقف ليطالب بمحاكمة المتسببين في نكسة مصر 1967.. فغضب منه عبدالناصر وأبعده فورا.. وتعرف علي السادات في صفوف الجيش عام 1950، وزامله في قيام منظمة المؤتمر الإسلامي وفي البرلمان المصري حتي غضب عليه عام 1979 بعد أن حاول التخلص منه مرارا. أشهر أدواره السياسية عندما كلفه عبدالناصر بمهمة الوساطة بين عبدالناصر وأمريكا سرا في الستينات.. وله كتاب يكشف فيه أسرار وخفايا هذه المهمة بعنوان »مهمتي السرية في أمريكا«. بدأ علوي حافظ مسيرته البرلمانية عام 1960، وكان أصغر نائب في البرلمان.. وكان نائبا عن دائرة »الدرب الأحمر والباطنية« في الستينات من القرن الماضي، التي كانت أكبر بؤرة لتجارة المخدرات وتعاطيها علانية في مصر.. في المقاهي والغرز والشوارع.. وقرر علوي حافظ التصدي لهذه الظاهرة الفاسدة ولفت انتباه الحكومة ووزارة الداخلية إليها.. فذهب إلي هناك علي رأس وفد شعبي من أهالي الدائرة الشرفاء وهجم علي المقاهي والغرز وحطم »الجوز« وأدوات التعاطي، ووجه أنظار مجلس الأمة إلي هذه الظاهرة. ويذكر محمد المصري المحرر البرلماني في خواطره عن علوي حافظ فيقول: كان علوي حافظ صاحب أشهر الاستجوابات وطلبات الإحاطة والأسئلة تحت قبة مجلس الشعب.. وكان النواب والمحررون البرلمانيون وموظفو الأمانة العامة ينتظرون استجواباته بكل شوق وشغف.. فالأدوات الرقابية التي كفلها الدستور والقانون للرقابة علي الحكومة وسياستها، لم تكن مجرد أدوات رقابية والسلام.. لكن علوي حافظ كان يوظفها أفضل توظيف ويدرس ويبحث وينقب قبل عرض سؤاله أو استجوابه. ولهذا فقد استطاع خلال مدة عضويته في مجلس الأمة والشعب التي تجاوزت أكثر من 30 سنة - وقبل أن يداهمه المرض ويمنعه من الحركة والكلام أن يكون بحق فارس المعارضة.. وكان صاحب أشهر استجواب في تاريخنا البرلماني، وسوف أتعرض لهذا الاستجواب عن الفساد وطهارة الحكم في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. وقد شارك علوي حافظ في تأسيس حزب الوفد الجديد عام 1977.. وعرفته في تلك الفترة أثناء عملي بصحيفة الوفد في عهدها الذهبي برئاسة الأستاذ مصطفي شردي.. وأذكر أن الأستاذ شردي استدعاني إلي مكتبه وأعطاني أربع أو خمس ورقات فولسكاب وكانت بخط علوي حافظ وطلب مني أن أحولها إلي كتاب وأعطاني رقم تليفون النائب البرلماني الشهير في ذلك الوقت.. وبدأت محاوراتي مع علوي حافظ وامتدت عدة شهور وسجلت له عشرات التسجيلات شملت مشواره السياسي منذ أن كان أصغر الضباط في تشكيل الضباط الأحرار، ثم عمله إلي جوار الرئيس عبدالناصر ومهمته السرية التي كلفه بها عبدالناصر في الستينات للوساطة مع أمريكا.. ثم غضب عبدالناصر عليه عندما طالب بمحاكمة المسئولين عن نكسة 67.. وعمله في منظمة المؤتمر الإسلامي مع أنور السادات.. ثم في مجلس الأمة.. وحكي لي علوي حافظ خفايا مادار بينه وبين صديقه ودفعته الشهيد أحمد بدوي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة قبل أن يرحل بأيام في مكتبه بوزارة الدفاع بكوبري القبة. يقول علوي حافظ: » كان لي الشرف أن أكون من أسباب حل البرلمان مرتين.. مرة في 68 والثانية في عام 1979، الأولنية بسبب النكسة.. قلت عاوزين نعرف سببها ونحاكمهم.. والثانية بسبب الحرامية.. قلت عايزين نصفيهم ونحاكمهم.. كفرت طبعا«. ورصدت ما قاله علوي حافظ في كتاب »المنصة«. وفي الكتاب فصل بعنوان »وضاع غطاء الذهب« يكشف فيه علوي حافظ كيف كانت القيادة السياسية - يقصد عبد الناصر - تنثر الريالات الذهبية التي تحمل صورة ماريا تريزا إمبراطورة النمسا - من الطائرات المصرية التي ذهبت إلي اليمن فوق رؤوس القبائل.. فقد سحب كل رصيد الذهب المصري من البنك المركزي وتبدد بهذا غطاء العملة المصرية. أنا.. وبعدي الطوفان ولنبدأ شهادة الرجل عن فترة من أصعب فترات الحكم في مصر.. يقول علوي حافظ: كانت نظرية السادات التقليدية: أنا قبل كل شيء وبعدي الطوفان.. مارسها بنجاح ليلة الانقلاب في 23 يوليو 1952.. وأوصلته إلي قمة من القمم في هذا النظام. كان يوزع وقته بين عبدالناصر والمشير عامر، ويتظاهر بالولاء هنا وهناك.. السهرات مع المشير والضباط أصحاب الحظوة الغارقين في النعم والكرم.. الكل يسبحون بحمد المشير.. وفي مقدمتهم السادات.. وفي نفس الوقت وفي أي مناسبة يجتهد في إظهار ولاء آخر للرجل القابع في بيته »عبدالناصر«.. فكلما كانت هناك فرصة للسادات يتقرب بها إلي قلب وعقل عبدالناصر لايتردد أبدا لأنه لم يكن يدري لمن الغلبة في النهاية.. فالصراع مستمر وكلا الرجلين يتمتع بثقة قطاع كبير ومؤثر في الناس. أمسك السادات العصا من النصف كعادته. ولكن عبدالناصر رغم مرضه واكتئابه أحس بحقيقة السادات فبدأ يعامله بفتور بعد أن تأكد من المعلومات التي وردت إليه أن السادات يرجح كفة المشير عامر عليه ويلقي بنفسه علي أعتابه وفي مجالسه. كان عبدالناصر في ذروة الألم والمرض نتيجة صدمة الانفصال يتشكك في كل ما يرد إليه من معلومات.. يقرأ تقارير كثيرة متضاربة مما جعل بعض قراراته في النهاية غير صائبة. أصبح حزينا ومعقدا تماما من كثير من الشخصيات التي عملت معه.. يحس أنهم خدعوه.. وكان عبدالناصر أيضا ساخطا علي كل القيادات العربية غاضبا منها ومن تصرفاتها خصوصا الشماتة التي حدثت عند الانفصال عام 1961.. وفي مقدمة هؤلاء كان الإمام أحمد إمام اليمن وولده البدر.. لم ينس لهما عبدالناصر قط ماحدث بعد قيام الوحدة المصرية السورية في فبراير 1958، فقد جاءه ولي عهد اليمن »البدر« إلي القاهرة برسالة من أبيه الإمام أحمد وكانت رسالة أعجب من العجب فصدقها جمال عبدالناصر. عبدالناصر.. والمنجمون تقول الرسالة أن مُنجم الإمام أحمد نظر إلي السماء فوجد نجم عبدالناصر في ارتفاع فأرسل ولده البدر إلي القاهرة ليلحق بنجم الجمهورية العربية المتحدة التي أسسها عبدالناصر مع السوريين لأنها جمهورية ساطعة. وخدع عبدالناصر وعقد اتفاقية اتحادية بين الجمهورية العربية المتحدة واليمن.. وضع عبدالناصر يده وهو الزعيم الذي تهتف له الجماهير في يد النظام الإمامي العفن في صنعاء.. ووقع عبدالناصر والإمام أحمد ميثاق اتحاد الأمم العربية في مارس 1958.. وأعطي عبدالناصر اليخت »الحرية« ليركبه الإمام أحمد ومعه الهدايا والعطايا من مصر ليعود بها إلي بلاده بعد الوحدة مع مصر.. بل أرسل عبدالناصر بعثة عسكرية من إثني عشر ضابطا للتدريب والإشراف علي الجيش اليمني. صدق عبدالناصر دعوي المنجم اليمني في ارتفاع نجمه وأغفل كل التقارير الرسمية التي كانت أمامه والتي تؤكد أن اليمن تعيش في ظل حكم كهنوتي اسمه المملكة المتوكلية اليمنية.. أن الحالة الاقتصادية في اليمن سيئة جدا والخزانة خارية تماما.. أن الجيش اليمني لا وجود له والسخط منتشر في كل مكان.. أن الشعب اليمني بائس جائع يسير كالأشباح من الهزال.. أن الدولة غير مسئولة عن الجنود، والضباط لا قيمة لهم ولاتستطيع أن تفرق بين الضابط والجندي إلا عندما تلاحظ الرتب العسكرية علي كتفيه.. جاكتة لون وبنطلون لون آخر.. جندي جاوز الستين وجندي في العشرين من عمره.. لا يملكون حتي المسدسات للدفاع عن النفس.. الكل أمام البؤس والشقاء سواء. كان عبدالله السلال في ذلك الوقت رئيسا للحرس الخاص بالبدر.. وكان أول مافعله الإمام بمجرد وصوله من مصر أن حبس البعثة العسكرية المصرية في قصر الضيافة بصنعاء وأخذ المغانم التي حصل عليها والأموال من مصر حتي حدث الانفصال عام 1961.. فأرسلهم إلي القاهرة فورا.. ثم إذاع قصيدة يتهكم فيها علي الانفصال وعلي عبدالناصر في خريف 1961.. وهاجم فيها مصر بألفاظ قاسية مما أغضب جمال عبدالناصر كثيرا.. لذلك فعندما نقلت الأخبار في 81/9/2691 الأنباء من اليمن بأن البدر اغتال الإمام أحمد (والده) بالسم وتولي أمر اليمن وعين السلال رئيسا لأركان حرب الجيش اليمني، أسعدت هذه الأخبار جمال عبدالناصر تماما وخففت من سخطه وألمه من الإمام أحمد وانفصال سوريا عن مصر والتي كانت الطامة الكبري التي حطمت أملا كبيرا لعبدالناصر عاش بعدها حبيس منزله وأسرته وتجرع هزيمة الانفصال وحده مع شماتة الكثيرين.