احذري من تسمم الحمل أعراضه وطرق الوقاية.. تعرفي عليها    رئيس مركز الفرافرة يواصل لقاءاته الدورية مع المواطنين ويبحث مطالبهم    بلينكن: العمليات الإسرائيلية قرب معبر رفح صعبت إدخال المساعدات لغزة    برلماني: مصر تمارس أقصى درجات ضبط النفس مع إسرائيل    إعلام إسرائيلي: صفارات الإنذار تدوي في مستوطنات شمالي الأراضي المحتلة    أشرف صبحي يلتقي مجلس إدارة اتحاد الكيانات الشبابية    الكشف عن ملعب نهائي دوري أبطال أوروبا 2026    طعنه بالصدر فأودى بحياته، مصرع شاب علي يد آخر بالقليوبية    مجلس أمناء جوائز الصحافة المصرية يرشح جلال عارف للجائزة التقديرية    انطلاق المؤتمر الختامى لنادي المناظرات والسياسات بجامعة أسيوط    انتبه- 8 أعراض للسكري تظهر على الأظافر    تقارير| بوتشتينو يدخل اهتمامات اتحاد جدة    اتحاد الكرة يكرم حسن وسامي بعد ظهورهما المشرف في كأس الأمم لكرة الصالات    كيليان مبابى يتوج بجائزة هداف الدورى الفرنسى للمرة السادسة توالياً    مراقبة بدرجة أم.. معلمة بكفر الشيخ "تهوي" للطالبات في لجنة الامتحان "فيديو"    وزير الري يشارك في جلسة "نحو نهج عالمي واحد للصحة" بمنتدى المياه.. صور    قيادى بحماس: حملات إسرائيل استهدفت قطر بالأمس القريب واليوم تبدأ على مصر    محمد درويش يكتب : « نقطة فى بحر »    رئيس البريد: لدينا 30 مليون عميل وحسابات التوفير حصيلتها 300 مليار جنيه    سام مرسي يفوز بجائزة أفضل لاعب في دوري القسم الثاني بتصويت الجماهير    وزارة الصحة تقدم نصائح للحماية من سرطان البروستاتا    هلا السعيد تكشف تفاصيل جديدة عن محاوله التحرش بها من سائق «أوبر»    6 يونيو المقبل الحكم بإعدام المتهمة بقتل طفلتيها التوأم بالغردقة    ضبط المتهمين باختطاف شخص بسبب خلاف مع والده فى منطقة المقطم    إقبال متوسط على انتخابات الغرف السياحية.. والقوائم تشعل الخلافات بين أعضاء الجمعية العمومية    موعد وقفة عيد الأضحى وأول أيام العيد 2024    رئيس هيئة تنمية صناعة التكنولوجيا: التصميمات النهائية لأول راوتر مصري نهاية العام    مجلس الوزراء يبدأ اجتماعه الأسبوعي بالعاصمة الإدارية لبحث ملفات مهمة    وزير الصحة يفتتح الجلسة الأولى من تدريب "الكبسولات الإدارية في الإدارة المعاصرة"    السكة الحديد: تخفيض سرعة القطارات على معظم الخطوط بسبب ارتفاع الحرارة    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    البنك المركزي يكشف عن وصول قيمة أرصدة الذهب لديه ل448.4 مليار جنيه بنهاية أبريل    مسابقة 18 ألف معلم 2025.. اعرف شروط وخطوات التقديم    فرقة طهطا تقدم "دراما الشحاذين" على مسرح قصر ثقافة أسيوط    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    التصريحات المثيرة للجدل لدونالد ترامب حول "الرايخ الموحد"    أبرزهم بسنت شوقي ومحمد فراج.. قصة حب في زمن الخمسينيات (صور)    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    «مواني البحر الأحمر»: تصدير 27 ألف طن فوسفات من ميناء سفاجا ووصول 742 سيارة لميناء بورتوفيق    للمرة الأولى منذ "طوفان الأقصى".. بن جفير يقتحم المسجد الأقصى    واشنطن بوست: خطة البنتاجون لتقديم مساعدات لغزة عبر الرصيف العائم تواجه انتكاسات    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    لأول مرة .. انعقاد مجلس الحديث بمسجد الفتح بالزقازيق    حفظ التحقيقات حول وفاة طفلة إثر سقوطها من علو بأوسيم    تعديلات جديدة على قانون الفصل بسبب تعاطي المخدرات    مصر والأردن    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    إنبي: من الصعب الكشف عن أي بنود تخص صفقة انتقال زياد كمال إلى الزمالك    خبير في الشأن الإيراني يوضح أبرز المرشحين لخلافه إبراهيم رئيسي (فيديو)    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
في حضرة الأب الروحي للجيش المصري

هذا قائد عظيم، أطال الله عمره، يحارب من أجل مصر منذ تخرجه من الكلية الحربية عام 1939، خاض جميع حروبها في الداخل والخارج.
اعتاد الفريق عبدالمنعم خليل الذي أعتبره الاب الروحي للعسكرية المصرية - باعتباره أقدم القادة الأحياء، أطال الله في عمره- أن يحتفل كل سنة بتأسيس الكتيبة 53 مشاة الذي جري في خمسينات القرن الماضي كنت أحرص علي اصطحاب محمد إبني إلي الاحتفال ثم أصبح هو الذي يصحبني بعد أن توثقت علاقته بالقائد وأدراكه لأهمية الجيش عن وعي وادراك بمبادرته هو، زيارتان لعبتا دوراً في تكوينه منذ أن كان طفلا، الأولي عندما كان في الثامنة عندما اصطحبته في رحلة طويلة إلي سيناء بعد تحريرها، في عربة صغيرة نصر 128، كان يقودها مرجان الذي عمل زمنا طويلا مع الاستاذ خالد محيي الدين، وبالطبع مكرم جاد الكريم المصور الشجاع ورفيقي طوال أيام الحرب، التقيت باللواء مجدي سليمان أول محافظ لجنوب سيناء، ولم يكن في خليج نعمة بشرم الشيخ الا ثلاثة فنادق ضئيلة بناها المحتلون، مينا شارم، واكوا مارينا، وفندق ثالث لا أذكر ا سمه، في هذه الرحلة نزل محمد إلي الماء ورأي الاسماك الملونة، بالتأكيد كانت بداية صلته بالبحر، إذ أتقن السباحة وأصبح يمارس رياضة الغطس والتصوير تحت الماء ولم ينقطع عنها خلال دراسته الشاقة في هندسة القاهرة لعلوم الاتصالات، أو اثناء دراسته لتحويل مساره المهني إلي دبلوماسي، زيارة قمنا بها إلي بيت الفريق أول فوزي أحد أعظم قادة العسكرية المصرية، البيت في مساكن الضباط بالحلمية، عندما توفاه الله لم يكن أتم أقساطه، مازلت أذكر ملامح وجهه الصغير وقد اكتست جدية وصرامة فهو في حضرة القائد الذي حدثته عنه طويلا وعن دوره في إعادة بناء الجيش الذي عبر عام 1973، مرة ثالثة أصطحبته إلي موقع كبريت الشرق، كنت قد كتبت كفاح القوة المصرية الباسلة التي حوصرت لمدة مائة واربعة وثلاثين يوما بقيادة ابراهيم عبدالتواب الذي استشهد قبل فك الحصار بيومين، كتبت الوقائع في ملف مطول نشر في مجلة الطليعة التي كان يرأس تحريرها لطفي الخولي، قرأ المشير ابوغزالة ماكتبت وأتخذ قرارا بانتاج فيلم عالمي عن حصار كبريت، استدعي مخرجا أمريكا أنتج افلاما عن حرب فيتنام وأخرجها، أذكر أحد مفردات اسمه «زنجر»، التقيت به وعندما تقرر زيارتنا الموقع والجبهة وضع المشير طائرته الهليوكبتر الخاصة تحت تصرفنا، اصطحبت محمد، كانت طائرة من طراز سيكورسكي مجهزة للقيادة، نزلنا في الموقع الذي كان محتفظا بكل تفاصيله، وتم دعوة عدد من الضباط والجنود الذين حضروا الحصار كاملا، بهر المخرج الأمريكي، ولكن انبهار محمد كان أكثر، لم ينقطع عن القراءة بالعربية والانجليزية في جميع مراحله، سواء اثناء عمله كمهندس أو دبلوماسي، أو خلال دراسته بجامعة كولومبيا علوم الادارة العامة، أو الاقتصاد في جامعة بوسطن، وحصل علي ماجستير من كليهما. غير ان الفيلم لم ينتج ولم يظهر إلي النور ، وعندما اصطحبته منذ سنوات لزيارة الفريق عبدالمنعم خليل منذ سنوات عديدة أعجب القائد بمعرفته وكان حريصا مع الفريق عبدالمنعم واصل علي حضوره أي ندوة يتحدثان فيها، يقول لي الفريق عبدالمنعم خليل دائما.
«محمد أحسن منك..»
ولا أخفي سروري، فالانسان الوحيد الذي أتمني أن يكون أحسن مني هو إبني.
لماذا أذكر هذه التفاصيل؟
لكي أؤكد علي أهمية تعرف الأجيال الجديدة علي جيش مصر، ليس من خلال التجنيد ولكن من خلال علاقة يمكن ان تبدأ من المرحلة الابتدائية، لذلك لم أكف عن الدعوة إلي تنظيم الرحلات إلي وحدات الجيش، خاصة الصاعقة والمظلات والطيران والبحرية وسائر القطاعات، أيضا إلي مواقع المعارك الحاسمة، كل الدول الكبري والصغري التي تدرك اهمية الذاكرة الوطنية ترتب ذلك، أذكر في شوارع باريس لوحات معلقة في أماكن استشهاد قادة المقاومة ضد النازي، أحدها في مدخل كنيسة سان جرمان بالحي اللاتيني، طابور طويل من الأسماء، تتقدمه عبارة «استشهدوا من أجل فرنسا»، وتحت الأسماء كلمة واحدة لاغير.
«شكرا»
تمنيت لو وضعنا خطة إنعاش، للحفاظ علي الذاكرة الوطنية يبدأ من الطفولة.
مفاجأة
سألت محمد بعد أن أبلغني بدعوة الفريق عبدالمنعم خليل «ألم تكن ذكري تأسيس الكتيبة منذ شهور»؟
قال إنه ربما دعا أعضاء آخرين، عندما وصلنا إلي دار المشاة، وصافحت رجالا عظاما من قادة الجيش وضباطه العاملين الآن، كل الأجيال كانت موجودة، حتي حفيد الفريق الذي يخدم الآن كضابط احتياط، وقائد الكتيبة 53 الحالي، ويقودها الآن علي احدي الجبهات الحساسة المستهدفة من قوي الإرهاب. عندما بدأ الفريق الحديث اكتشفت أن الدعوة بمناسبة عيد ميلاده الرابع والتسعين أطال الله عمره، دهشت، غير أنني أعرف سبب عدم ذكره ذلك، لم يشأ الرجل أن يكلف كل منا أحضار هدية كان لابد أن ندخل بها ونقدمها إليه، صحيح أنه هو نفسه هدية من الله للوطن، ولكن رقته وشفافيته حالتا دون إخبارنا، هكذا بدأت الجلسة التي أستمرت ثلاث ساعات وكان الحديث مزيجا من استخلاص العبر واستعادة ذكريات الحرب، استغرقني تأمل الرجل الذي مازلت أرجو ترقيته إلي رتبة المشير، اثنان من القادة أتمني حصولهما عليها، الفريق أول محمد فوزي الذي قاد عملية بناء الجيش المصري بعد هزيمة مروعة برفقة الفريق عبدالمنعم رياض الذي استشهد علي ضفة القناة، ومن عاش تجربة الحرب في هذه المرحلة يمكنه أن يفهم هذا المعني «علي المية»، كانت الاستحكامات التي شيدها العدو الاسرائيلي حصينة قوية، تفوق استحكاماتنا في الضفة الغربية ارتفاعا لأن ناتج حفر القناة كان يلقي به إلي الشرق. لذلك عندما وصل العدو إلي الضفة الشرقية وجد مرتفعا جاهزا زاد عليه وشيد خط بارليف الاول والثاني، واذكر انني عندما عبرت القناة إلي سيناء لأول مرة، ولحظة اجتيازي الساتر الترابي الذي فتحه سلاح المهندسين بخبرة بناء السد العالي، وتصادف وجود اللواء مهندس محمد عبدالسلام الحسيني الذي شرح لي كيفية الحصول علي مضخات المياه التي فتحت هذا الساتر وتفاصيل ذلك تحتاج إلي يوميات كاملة، عندما عبرت الممر أدركت خطورة اللغة عندما لاتكون دقيقة، ان تعبير «ساتر ترابي» لايعبر ابدا عن الواقع، لقد كان جبلا ارتفاعه اكثر من عشرين مترا، أي ارتفاع عمارة من سبعة طوابق، اضافة إلي العمق الممتد، مازلت اذكر مياه القناة التي انهال فيها آلاف الاطنان من الرمل، كانت الرغاوي ضخمة وكأن مليون كيلو صابون اذيب في المياه الزرقاء، اما السمك الميت فكان طافيا، ولفت نظري كبر حجمه، لم يكن احد يصيد السمك السابح في مياه القناة غير ان قذائف المدفعية المتبادلة قتلت منه الكثير، بلغ الفريق عبدالمنعم خليل الرابعة والتسعين وهو في كامل اللياقة الذهنية وتمام الحضور، أراه في ملابسه المدنية قائدا عظيما، وقد عرفته وهو برتبة لواء قائدا للجيش الثاني، ثم أصبح قائدا للمنطقة المركزية، وعندما بدأت الثغرة وعبرت القوات الاسرائيلية إلي الغرب نتيجة حتمية للقرارات السياسية الخاطئة لأنور السادات وهذا مما كتبت فيه من قبل في ذكري الحرب واغضب بعض المعجبين ببطل الحرب والسلام نتيجة عدم القراءة والتحليل الدقيق للموقف، أحدهم رجل محترم كان موجودا في هذه الامسية، أخبرني انه شكاني إلي الاستاذ ياسر رزق علي ماكتبته، تطلعت اليه صامتا فالمناسبة جليلة ولا يجوز فيها الجدل، غير أن ما أردت أن أقوله له -وها انذا أقوله- لماذا لم يرسل لي رأيه المختلف وأنشره وأجادله، أما ان يشكوني إلي رئيس التحرير فهذا تصرف أقل ما يوصف به أنه غير متفهم لظروف الصحافة في مرحلتها الحالية، لقد انتهي ذلك العهد الذي كان يمنع فيه كاتب من ابداء رأيه، وعندما أبدي احد رؤساء تحرير الأخبار في التسعينات ملاحظة تخص افتتاحية كتبتها لاخبار الادب، بادرت باتخاذ قرار بالتوقف عن تحرير صفحة اخبار الادب والتوقف عن كتابة اليوميات ست سنوات كاملة، رغم أن هذا الزميل اكن له احتراما ومحبة، لكن ثمة خطوط حمراء تتعلق بالضمير لا أسمح بتجاوزها، لابد من تأكيد أن المرحلة الحالية التي بدأت في الثلاثين من يونيو أشمل مرحلة نمارس فيها الحرية المطلقة، والاستاذ ياسر رزق بالتحديد لا يتدخل علي الإطلاق، ولم أعرف بشكوي هذا الرجل المحترم ضدي إلا منه في تلك الليلة، مازال البعض يعيشون أسري لتصورات الماضي، لذلك دهشت عندما قرأت تعليقا لكاتب سعودي معروف بعلاقته المخابراتية يهاجم الاستاذ ابراهيم عيسي علي آرائه ويصف الاعلام المصري الآن بأنه اعلام النظام، هذا قصور خاطئ، لم ننعم بحرية الاختلاف كما يجري الآن، ولكم اتمني ان يكون للنظام إعلام ينطق باسمه، لو أن الإعلام المصري في حالة جيدة لأحتفي بعيد ميلاد الفريق عبدالمنعم خليل، لأصبح مناسبة قومية، والأسباب عديدة منها انه أقدم محارب الآن، منذ أن تخرج عام 1939، من الكلية الحربية وهو من حرب إلي حرب، حارب في صفوف الجيش المصري علي الجبهة الغربية أيام الحرب العالمية الفلسطينية، ثم حرب فلسطين 1948، ثم حرب 1956، كان من الذين أسسوا سلاح المظلات ومازلت أذكر اشارة القفز بالمظلات علي صوره، حارب في اليمن ولكم أتمني أن يروي لنا تجربته عبرالتليفزيون، ثم حارب في سيناء 1967، ثم قاد الجيش الثاني خلال حرب الاستنزاف وكان احد القادة الاساسيين الذين قاموا بمهام جليلة في اعادة بناء الجيش واعداده للعبور، نقل قائدا للمنطقة المركزية وعندما انهار اللواء سعد مأمون صحيا بعد بدء معارك الثغرة أعيد إلي قيادة الجيش الثاني وقام بدور هام في لحظة حرجة، أنقذ الاسماعيلية من الحصار، ابتكر خلال حرب الاستنزاف شعارا صرت اطالعه في كل وحدات الجيش «مصر أولا»، من اللحظات التي أثارت تعجبا عندي وألما، عندما تم أول تكريم لقادة اكتوبر في فبراير 1974، غياب ثلاثة من القادة العظام عن جلسة مجلس الشعب، اولهم بالطبع الفريق سعد الشاذلي، ومهما كان الخلاف معه فهذا البطل هو من أعد للحرب خاصة علي مستوي أدق التفاصيل، صحيح أنني لست معه في موقفه من تطور معارك الثغرة،خاصة فيما يتعلق بسحب القوات من الشرق إلي الغرب، لكن هذه تفاصيل، أما قيادته فكانت علمية، جسورة، قابلته يوم الاحد صباحا علي الضفة الشرقية وهو يتوجه إلي العميد «وقتئذ» حسن ابوسعدة قائد الفرقة الثانية، ثم قائدي الجيش الثاني والثالث، الفريق عبدالمنعم خليل، والفريق عبدالمنعم واصل، كان ذلك غريبا فيه جفاء للواقع، قمة التناقض بين السياسي والعسكري، فيما يتعلق بالفريق عبدالمنعم علمت ممن أثق به أن أحد المقربين من السادات همس له بأن الروس يحترمونه ويثقون به، وكان هذا الشخص شديد العداء للروس ولدورهم في إعادة بناء الجيش إلي درجة أنه دبر وخطط واقعة شهيرة في المطار، عندما تم حجز بعضهم بتهمة تهريب الذهب وكان هذا الذهب مجرد حلق أو خاتم للذكري ممايشتريه أي سائح يتردد علي مصر، لم يكن ذلك أخلاقيا، ولنر موقف القادة العظام أمثال الفريق أول فوزي والفريق واصل- رحمه الله- وآخرين كانوا في مراتب عليا، لكنها كانت رسائل سياسية إلي الولايات المتحدة وهناك ما أعف عن ذكره!، ثم عزل الفريق عبدالمنعم من قيادة الجيش الثاني بعد هذه الوشاية، ورغم ما تعرض له الرجل من ظلم وتجاهل متعمد لم تتغير ملامح وجهة المعبرة عن رضا نوراني يعكس حالة من التوازن الداخلي العميق، مصدر هذا الصفاء إيمانه العميق وصلته بالرؤية الصوفية، وربما لا يعلم الكثيرون أنه أسهم بدور كبير في اقامة مجمع الشيخ صالح الجعفري بالدراسة والذي يضم ضريحا ومسجدا ومستشفي خيريا ومكتبة، رغم تقدم العمر، مازال التعبير الداخلي النوراني ساطعا، وماتزال قامته منتصبة، قائد مهيب تماما كما رأيته أول مرة عام 1969 في الجبهة، مع تولي الرئيس السيسي القائد الأعلي تم منحه الدكتوراة الفخرية من الاكاديمية العسكرية العليا في حفل مهيب، أجمل ما في الحفل البسيط كانت تلك المحبة من الكافة، من الفريق صلاح عبدالحليم مدير العمليات السابق واللواء عبدالمنعم سعيد ، والعديد من القادة ، وحتي قائد الكتيبة 53 الشاب، وصولا إلي الحفيد ومحمد ابني، اذكر أننا كنا في زيارة له بمنزله المتواضع بمدينة نصر، جاء اثنان، ضابطان عمانيان يدرسان في اكاديمية ناصر العليا، سمعة الفريق عبدالمنعم سبقته قبل أن يأتيا إلي مصر، واسعدهما الحظ بالاصغاء إلي محاضرات له، زاراه في البيت تبركا به ومحبة، وعند انصرافهما أديا له التحية العسكرية وانحني احدهما ليقبل يده، أتمني العام القادم، اول ابريل أن تحتفي مصر بأحد رموزها الكبري.
مع محمد المخزنجي
الخميس :
يندر أن أخرج الآن إلي لقاء شخص بالتحديد، حتي أن أقرب الصحب تحولت صلتي بهم إلي الهاتف، نتكلم لمدد طويلة ولكن صارت الحميمية إلي الداخل، منذ سنوات اقتصرت علاقتي بالاديب الرائع محمد المخزنجي علي اللقاءات العامة، أقرأ كل حرف يكتبه، خاصة أنه مهتم بالكتابة العلمية التي يندر المتخصصون فيها الآن، وله أحاطه شاملة ودقيقة بعوالم كائنات تشاركنا الكوكب الذي نعيشه من حيوانات وحشرات، إلي جانب ابداعه القصصي الفريد، قصدت أحد فنادق الدقي حيث اعتاد الجلوس لأهديه آخر ما صدر لي «الحكايات الهائمة» الذي صدر عن دار نهضة مصر، وكان قد نشر مسلسلا في جريدة أخبار اليوم بعد تولي الاستاذ السيد النجار رئاسة التحرير في مرحلته الثانية وكان قد اقصاه الاخوان مع الاستاذ ياسر رزق، هناك اشخاص يهمني أن يقرأوا ماكتبت خاصة في التجارب الجديدة التي أشعر أنني اجتهدت لتحقيق قدر من التجاوز، اعتبر أن تجاوز الذات أصعب من تجاوز الآخرين، وأشق ما يمكن أن يقوم به مبدع محاولته التجاوز باستمرار.
يبدو محمد المخزنجي هادئا، صافيا كنبع رقراق لم يدركه مس، لا يحمل ضغينة لاحد، ولا يشهر بإنسان، ولا يظهر خلاف ما يبطن، وفي تقديري أن هذه سمات المبدعين الكبار الذين تحققت ذواتهم خاصة فيما يبدعون، هذاما كان من نجيب محفوظ، الذي كان بشخصه مرجعا في السلوك والمنهج الانساني السليم.
تحدثنا عن الحياة الادبية ومشاكلها، عن نصوص قرأها كل منا، عن ملاحظات حول حركة النشر، سررت عندما علمت أنه يعد نصوصا قصصية للنشر، سألته عن أحوال حمص ومصير أهلها خاصة اسرة السيدةزوجته وتألمت لما سمعت من تفرق أفرادها في بلاد الله، قلت لنفسي هذا هو مصيرنا لوكانت الأمور مضت كما تم التخطيط لها من قبل الجماعة ومن ساندهم لولا الشعب واصالته والجيش.
انصرفت بعد ثلاث ساعات من نقاش حميم وانا اكثر هدوءا واحساسا بالرفقة الطيبة، احمل في حقيبتي آخر ما أصدره، «مساحة صغيرة للدهشة» كتاب رقيق يضم نصوصا تغوص في شتي نواحي الحياة وتبصرنا بحقائق الوجود منها نص عن كتاب فريد في تجربتي، بعد حريق قصر المسافرخانة عكفت علي استعادة المكان من ذاكرتي، خاصة أنه يمثل ركنا من تكويني، وبالتحديد في الفترة التي تولي فيها الفنان عزالدين نجيب ادارته كمقر للفنانين، كنت قبل ذلك اعرفه من الخارج ولكن خلال السنوات التي أمضاها عز عرفته وعشته من الداخل، سأنشر هذا النص في يوميات قادمة، الكتاب صدر عن مركز الاهرام للنشر.
من كتب الهندوس المقدسة :
يدرك من قبل من لا يمكنه أن يدركوه
ومن يدركه لا يعرفه
لا يفهمه من يقولون أنهم يفهمونه
ويفهمه من يقولون أنهم لا يفهمونه
«من كتاب الأبانيشادز كتاب الهندوس المقدس»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.