شهر رمضان المبارك/أكتوبر من عام 1973 يعد تحولا هاما في تاريخ صناعة النفط العالمية إنتاجاً وأسعاراً عندما حطم الجيش المصري الذي أوقف همجية وطغيان وغطرسة التتار والصليبيين ورد كيد المستعمرين وكسر شوكة وعناد وصلف الإسرائليين، فدمر خط بارليف الذي شيده العدو الصهيوني، واعتقد خبراء الاستراتيجية في العالم انه ليس بمقدور أي جيش مهما بلغت قوته تحطيمه. لكن جيش مصر العظيم جعله أثرا بعد عين وعبر إلي الجانب الآخر من القناة خلال ساعات معدودة لينتصر علي إسرائيل ومن يدعمها وفي مقدمتهم بالطبع بلاد العم سام، ليكتب التاريخ النفطي أول هزة نفطية اثر الحظر العربي للنفط. . في ذلك العام 1973 بلغت أهمية النفط ذروتها عندما استخدم النفط كسلاح سياسي واقتصادي لأول مرة حيث صدر القرار السياسي الشهير بقطع إمدادات النفط عن الدول التي وقفت الي جانب إسرائيل في حربها ضد العرب وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقال الملك فيصل رحمه الله كلمته الشهيرة المضمنة ببرقية موجهة للإدارة الأمريكية آنذاك: (اذا لم تهب أمريكا لردع إسرائيل عن التمادي في غيها وعدوانها فسوف يتفجر البركان ولن يقتصر نذيره علي المنطقة وحدها بل سيتخطاها إلي حرب عالمية شاملة). وقد أحدث القرار هزة رهيبة في سوق النفط الدولية ووقفت طوابير الشاحنات أمام محطات الوقود في أوربا وأمريكا للتزود به مع نقص إمداداته المصحوب بالهلع خوفا من نفاد البترول كونه يحدث لأول مرة في تاريخ هذه السلعة الهامة في عالم اليوم . . ونتيجة لحرب رمضان المبارك اكتوبر 1973م رفعت الأوبك أسعار بترولها بما يعادل أربع مرات، وأحكمت سيطرتها خلال عامي 1973 1974م علي الأسعار العالمية للوقود السائل ونجحت في رفع السعر خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الستة أشهر من (2.90) دولار إلي (11.65) دولار للبرميل الواحد. . ومع انطلاقة شرارة الحرب الإيرانية العراقية 1979 وتدهور سعر صرف الدولار الأمريكي واشتداد ضراوة تلك الحرب وانقطاع الإمدادات النفطية من ايران آنذاك فكانت السبب في ارتفاع الأسعار لتبلغ في عام 1981 مابين 39 و 40 دولارا للبرميل. لكن الأحوال تبدلت بعد هدوء عاصفة تلك الحرب لتنحدر أسعار النفط لتبلغ في منتصف الثمانينيات أقل من (7) دولارات، ولان أسعار هذه السلعة السحرية احد أهم أسباب ارتفاع أسعارها الحروب والنزاعات والصراعات فان احتلال العراق للكويت أعاد النفط مرة أخري إلي صدارة الأحداث فارتفعت أسعاره لتكسر حاجز ال (30) دولارا للبرميل، وعندها شمرت الدول الصناعية عن سواعدها لتضخ جزءاً من مخزونها الإستراتيجي بلغ 2.5 مليون ب/ي لمدة خمسة عشر يوما لتعود الأسعار إلي التدني مابين 19 و 20 دولار للبرميل. وبعد تحرير الكويت وزيادة أوبك لإنتاجها، بدأت الأسعار بالتدني مع بزوغ شمس عام 1998 فانحدرت لتبلغ اقل من (10) دولارات للبرميل، وبعد ذلك التدني استجمعت الأوبك قواها لتضع آلية لدعم أسعار نفوطها لتحوم مابين 22 28 دولارا بخفض الإنتاج 500 ألف برميل يوميا إذا تدني السعر عن 22 دولارا للبرميل ورفعه بنفس الكمية إذا جاوز السعر 28 دولارا للبرميل. ولأن الأسعار كما نوهنا مرتبطة إلي حد كبير في حدوث صراعات ونزاعات وحروب كأحد أهم أسباب ارتفاع الأسعار في هذا العالم المتغير، فقد جاءت الحرب علي أفغانستان ثم العراق باحتياطيه الضخم (143) مليار برميل لتقفز الأسعار بسرعة كقفزات الغزلان بدءا من عام 2002 وتستمر في الصعود حتي كسرت حاجز 147 دولارا للبرميل في يوليو من عام 2008 قبل أن تعود إلي الإنحدار السريع تزامنا مع هبوب أزمة الكساد الاقتصادي العالمي في ذلك العام لتبلغ 33 دولارا، لتنهض الأوبك مرة أخري لخفض إنتاجها 4.2 مليون ب/ي اعتبارا من سبتمبر 2008 ليبدأ النفط رحلته نحو الارتفاع. وما أشبه اليوم بالبارحة فمع التهديد الأمريكي بتوجيه ضربة لنظام الأسد عقابا له علي استخدامه الأسلحة الكيميائية ضد أهل الشام، عادت حالة عدم استقرار سوق النفط الدولية مما دفع بالأسعار لتكسر حاجز (115) دولارا للبرميل، تدعمها العقوبات المفروضة علي صادرات البترول الإيراني وتراجع صادرات النفط الليبي.. وعندما تراجع السيد اوباما عن تهديداته وطلبه من مجلس الشيوخ في خطابه الثلاثاء الماضي تأجيل الاقتراع علي طلبه تفويضه باستخدام القوة العسكرية ضد سوريا، جاء متجاوباً مع مبادرة قيصر روسيا السيد بوتين حليف الأسد القاضية بتحييد الأسلحة الكيماوية لدي سوريا، ومن جانبها باركت الجامعة العربية الثلاثاء الماضي تلك المبادرة التي خرج من رحمها مفاوضات جنيف بين وزيري خارجية البلدين كيري ولافروف. ذلك الثلاثاء الشهير طرح مبادرة بوتين وقبول أوباما وجامعتنا العربية لها أعاد الروح إلي سوق الأوراق المالية في بورصات العالم لتعود إلي الارتفاع بعد أن أصابها وابل من الإنخفاض بسبب ارتفاع أسعار النفط، بعد أن عادت أسعار أهم سلعة في العالم (النفط) إلي التوازن، لتنحدر إلي أقل من 110 دولارات للبرميل. وإذا ما هدأت الأوضاع في الشرق الأوسط مستودع النفط العالمي الذي قال عنه تشرشل (من يملك نفط الشرق الأوسط يملك العالم) فإن الأسعار مصيرها التوازن لتحقق أهداف المنتجين والمستهلكين خاصة أن سوق النفط الدولية مشبعة بالنفط الباحث عن مشترين، والولاياتالمتحدة أكبر مستهلك له قد تكتفي قريباً بل قد تتحول في السنوات القادمة إلي مصدرة، لكونها تملك أكبر احتياطي من النفط الصخري!!!