في أول يوم لها بمستشفي الشرطة اتصلت بي الأستاذة الكبيرة حسن شاه رحمة الله عليها وقالت لي بصوت واهن ضعيف " مؤمن ياحبيبي أنا مش قادرة أكتب يوميات بعد بكرة.. أنا تعبانة قوي .. شوف حد غيري البركة فيكم أنتم وماتنساش تبلغ الأستاذ ياسر رزق" رددت عليها وأنا أحاول أن أهون عليها :" ليه ياحبيبتي ما حدش يقدر يملي مكانك وإن شاء الله تقومي بالسلامة وتكتبي ميت يوميات " . وظللت أتصل بها علي محمولها لكي أطمئن عليها وهي في المستشفي ... كأنها كانت تعرف أنها لن تكتب اليوميات مرة أخري فقد قالت لي بأسي : مؤمن شكلي مش حااعرف أكتب يومياتي الجاية وحاولت تبسيط الأمر فقلت لها رحمة الله عليها .. مش مهم تكتبي دلوقتي ياأمي .. المهم صحتك وبعد ذلك لم تكن ترد علي التليفون فقد كانت متعبة جدا وفي آخر اتصال لي قبل ثلاثة أيام من وفاتها ردت ابنتها الإعلامية رشا ماضي وأبلغتني أن الأستاذة تعبانة جدا وإنها نائمة .. .لا أعرف لماذا تملكني شعور بأن هذه المكالمة التي لم تتم مع الأستاذة هي الأخيرة لها فقد دخلت المستشفي وهي محبطة وتشعر بإجهاد شديد رحمها الله . حسن شاه .. اسم تعتز به جريدة "الأخبار" وتعتز به أجيال كثيرة في العمل الصحفي .. كانت كتاباتها نموذجا يحتذي ومنها تعلم جيلي وما زلت أتذكر يوم أن أصبحت مسئولة عن الصفحة الأدبية في " الأخبار" في منتصف السبعينات فقد حولتها إلي جريدة مصغرة فيها التحقيق والحوار والخبر وتميزت بين كل الصفحات ثم عندما بدأت تحرير صفحة " أريد حلا" التي توقفت بعدما بدأ تشعر بالتعب . حسن شاه .. قيمة كبيرة في عالم الصحافة أتذكر عندما عينت رئيس تحرير مجلة الكواكب في نهاية السبعينات فقد كانت تستعجل السنين حتي تعود إلي بيتها الكبير " الأخبار" التي تربت فيها وتألقت علي صفحاتها .. وكنا في سنوات السبعينات شبابا صغارا حينما كتبت فيلم " أريد حلا" الذي يعد من كلاسيكيات السينما المصرية وأحد أهم 100 فيلم فيها وقدمت فيه قصة حياة حقيقية ساعدت علي حل مشاكل عويصة للمرأة المصرية . وتسبب في تغيير قانون الأحوال الشخصية عام 1978 ومن بعده فيلم 'امرأة مطلقة'، فيما كان آخر أعمالها السينمائية فيلم 'الإرهابي ' بطولة الفنان عادل إمام. ولم تكن علاقتها بالسينما بالصدفة أو الحظ إنما درست السيناريو بمعهد السينما دراسة متخصصة فقدمت أفلاما علي مستوي كبير من التقنية والكتابة الواعية . كلنا نعتز كثيرا بالراحلة الأستاذة حسن شاه فقد تميزت بين جيلها وتألقت وتركت لنا ميراثا من الحكمة والصدق والوضوح.