نستأنف اليوم الحديث عن السماحة في الاسلام وتعامله مع الاديان الأخري والتي تناولها فضيلة الامام الأكبر الدكتور احمد الطيب شيخ الازهر في محاضرة ألقاها في هامبورج بألمانيا وتركز علي ان المتأمل لسيرة النبي صلي الله عليه وسلم طوال فترة الرسالة في مكة والمدينة يلاحظ »المودة« الخاصة مع كل تصرفاته وتعاملاته مع المسيحيين أو النصاري كما كانوا يسمون آنذاك فيما يسمي بهجرة المسلمين المستضعفين في مكة الي الحبشة المسيحية وملكها المسيحي »النجاشي« والتي حدثت مرتين في العهد المكي وكان من بينهم عثمان بن عفان وزوجته رقية ابنة النبي صلي الله عليه وسلم وام سلمه زوجته حين قال لهم النبي: ان بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم عنده أحد، واستقبلهم ملك الحبشة وحماهم وأمنهم ورفض تسليمهم لوفد قريش الذي جاء يطلب عودتهم، وتؤكد قصة نصاري نجران الموثقة في القرآن والتاريخ سماحة التعامل بين المسلمين والمسيحيين وتتضمن ان وفداً من ستين رجلاً من أشراف نجران المسيحيين قطعوا آلاف الأميال علي ظهور المطايا ليحاوروا نبي الاسلام في أمر دينه واستقبلهم في مسجده بالمدينة ودار الحوار بينهما داخل المسجد النبوي ولما حان وقت صلاتهم سألوا النبي ان يؤدوها ورد النبي: لكم هذا الجانب من المسجد فصلوا فيه وصلي المسيحيون من صلواتهم الكنسية في مسجد النبي بالمدينة دون حرج من النبي والمسلمين ان يستخدم المسيحيون أول مسجد في تاريخ الاسلام ليؤدوا فيه صلاتهم، ويتم الحوار الذي تم في اقدس مكان بعاصمة الاسلام الأولي في جو من المودة الخالصة رغم الحساسية والحرج علي طرفي الحوار فهل يمكن ان نتصور حدوث حوار كهذا في مساجدنا وكنائسنا الآن بنفس السماحة التي تم بها في عهد النبي ام ان حوارا علي هذا المستوي يبعث تاريخاً كاملاً من الكراهية والحقد والتعصب.. ان المضاربة بالأديان في سوق السياسات والصراعات الدولية تؤكد الاحتمال الثاني وللحديث بقية ان كان في العمر بقية.