عانت الأسواق العالمية في الفترة الأخيرة من ارتفاعات متلاحقة لأسعار السلع والمنتجات والحبوب في مختلف أرجاء العالم أثار بعضها الكثير من الشكوك حيث اتجهت أصابع الاتهام إلى المستثمرين والصناديق الاستثمارية التي أنحى البعض باللائمة عليها بعد تحويل أموالها إلى أسواق السلع الأولية في السنوات الخمس الأخيرة، بحثاً عن عوائد أعلى مما يحصلون عليه من أسواق الأسهم والسندات. وقال خبراء إن صناديق الاستثمار العالمية رأت أن الأرباح التي يمكن تحقيقها في السلع الأولية تفوق بكثير أرباح سوق الأسهم وبدأت عملياتها منذ عام 2002 في سوق النفط ثم أسواق المعادن فالحبوب وغذّى هذا الاتجاه انخفاض أسعار الفائدة في الدول الكبرى الأمر الذي جعل الاستثمارات ذات الدخل الثابت أقل إغراء وأسهم بنصيب في ذلك أيضاً ضعف الدولار الذي يعمل على رفع سعر الاستثمارات المقومة به مثل أغلب الحبوب. المضاربون والأسعار : وقال الرئيس التنفيذي لشركة جيفريز كابيتال هناك الكثير من اللاعبين الجدد في سوق المعاملات الآجلة في السلع الأولية وهؤلاء ليست لهم بالضرورة مصلحة راسخة في السوق باستثناء مصلحة المضاربة». وأضاف أنه على الرغم من تداول السلع الزراعية وفقاً للعوامل الأساسية مثل تقارير المحاصيل فقد تزايدت حدة التقلب فيها بسبب تدفق أموال استثمارات جديدة وما يؤسف له أن المستثمرين عندما يتعاملون في السلع الأولية لا أعتقد أنهم يبالون بالأثر الاجتماعي فما يفعلونه هو الاستثمار بغرض تحقيق الربح فقط، ومع احتدام الحديث عن التباطؤ في الولاياتالمتحدة يقول البعض إن التوقعات قد لا تكون مبشرة للأسهم والسندات بقدر ما هي مبشرة للسلع الأولية». واستطرد مشبهاني قائلا ان هذا بدوره جذب مستثمرين لا صلة لهم بسوق الحبوب أو تربطهم بها صلة واهية وغالباً ما يعرفون بالمضاربين فرفعوا أسعار الذرة والقمح وفول الصويا إلى مستويات جديدة تماماً، فضلاً عن ارتفاع أسعار الصناعات الغذائية لزيادة تكاليف النقل جراء ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية فنقلت الزيادة في أسعار الحاصلات إلى المستهلكين ما أدى إلى احتجاجات في العديد من الدول بل إن بعض الدول منع تصدير الحبوب حتى يضمن تغطية الطلب المحلي». أصول مربحة : من جانبه رجح الاقتصادي والخبير بالشؤون السيادية بوكالة التصنيف الائتماني «ستاندرد أند بورز» فاروق سوسة أن «يصبح الناتج المحلي الإجمالي لأغلب الدول سلبياً لهذا العام جراء الركود الاقتصادي الذي أصاب الاقتصاد الأميركي والعديد من دول العالم ومعظم المستثمرين لديهم ما بين 65٪ إلى 95٪ من الأصول مستثمرة في الأسهم أو في السوق المحلية وهذا يعني عائداً ضعيفاً لذلك ليس أمامهم خيار سوى تخصيص جزء من استثماراتهم لأصول مربحة، فما كان منهم إلا أن اتجهوا لتكوين مراكز دائنة في السلع الأولية». وأوضح أن «المركز الدائن عبارة عن رهان على أن الأسعار سترتفع بينما يمثل المركز المدين رهاناً على أن الأسعار ستنخفض» مشيراً إلى أن «ثقل المستثمرين من أصحاب المراكز الدائنة شغل المساحة بين المنتجين والمستهلكين في أسواق الحبوب وهي أسواق أصغر من أن تتحمل التدفقات المالية الضخمة فإجمالي حجم التعاملات في يوم واحد في الذرة وفول الصويا والقمح ببورصة مجلس شيكاغو أقل من 1٪ من تداولات سوق الصرف الأجنبية العالمية». ولفت إلى أن «تحرك أسواق الحبوب نحو الارتفاع في صالح الصناديق الاستثمارية لكنها ستسعد بالقدر نفسه إذا كانت هذه الأسواق تسير في اتجاه نزولي إذ بوسعها تحقيق مكاسب من بيعها على المكشوف أي يمكنها أن تحقق مكسباً في أي من الاتجاهين وسيأتي الوقت الذي تنخفض فيه الأسعار». طلب كبير : بدوره قال مدير عمليات التداول للشرق الأوسط ب «ساكسو بنك» وهب أحمد إن«هناك طلباً كبيراً على المنتجات والسلع والحبوب بعد أزمة الائتمان العالمية وانخفاض نسب الفائدة خصوصاً أن أسعار السلع الغذائية آخذه في الصعود لعدد من الأسباب أولها زيادة الطبقة الوسطى في دول الهند والصين والدول الآسيوية الأخرى التي سيكون أحد نتائجها المباشرة زيادة الطلب على السلع الأولية وثانيها بدء تحول الدول الغنية لاستخدام الطاقة البديلة التي ستأخذ حصة من الإنتاج العالمي خصوصاً مع الدعم الذي يحصل عليه المزارعون للتحول إلى تلك المحاصيل والابتعاد عن المحاصيل الأخرى وثالثها دخول العديد من المستثمرين وصناديق الاستثمار إلى تداولات السلع والمحاصيل خصوصاً بعد تراجع العائدات من أسواق الأسهم». ولفت إلى أن «(ساكسو بنك) يتعامل في تداولات الحبوب والسلع منذ أكثر من 15 عاماً لما لها من عائدات مرتفعة منذ تلك الفترة لكن لم ينتبه المستثمرون إليها إلا في غضون السنوات الخمس الأخيرة ما زاد المضاربات العالمية بغرض استثماري بحت لم يراع الجانب الاجتماعي حيث تعامل معها المستثمرون على أنها سلع قابلة للتداول وتلقى إقبالاً كبيرا فما من فرد لا يستخدم الحبوب في وجباته اليومية لذلك فهي أدوات مالية مربحة بسبب وفرة الطلب وقلة المعروض». تحديات السوق : ان تحديات حقيقية تتمثل في شركات الحبوب ليست كبيرة بما يكفي بالنسبة لحجم السوق للتعامل مع أسعار المحاصيل المرتفعة بسرعة كما أن سوء الأحوال الجوية يمثل مشكلة أخرى إذ أثر كثيراً في حجم المحاصيل ثم جاء السباق لاستخلاص الوقود الحيوي من الحبوب ليزيد الطين بلة، فقد أنتجت الولاياتالمتحدة نحو تسعة مليارات جالون من الإيثانول المصنوع من الذرة في عام 2008 و10 مليارات جالون خلال العام الجاري وقد لا يكون من الإنصاف توجيه الاتهام في ارتفاع أسعار السلع الأولية لصناديق التحوط والمضاربين نظراً لتعدد العوامل المؤثرة في الأسعار».