اشتهر العرب منذ القدم بزواج الاقارب فإذا أراد الشاب الزواج فابنة عمه او ابنة خاله أولى به من الغريب. وفي أغلب دول الخليج تفضل الكثير من العائلات هذا الزواج وتتراوح نسبة زواج الاقارب بين 20-50 في المئة وخاصة بين الاقارب من الدرجة الأولى ففي البحرين بلغت النسبة نحو 40 في المئة والامارات 26 في المئة والعراق 24 والكويت والسعودية بنسبة 31 في المئة والاردن 32 في المئة. وطبقاً لدراسات المجلس القومي للسكان في مصر ارتفعت نسبة زواج الاقارب الى 79 في المئة يليها زواج الجيران ثم الاصدقاء وجاء في آخر القائمة «الخاطبة» بنسبة 4.4 في المئة هذه النتيجة طرحت سؤالاً مهما عن اسباب عودة الاقبال على زواج الاقارب بهذه النسبة المرتفعة برغم الانفتاح الكبير وزيادة عدد السكان ورغم التحذيرات الطبية المتصاعدة من أضرار هذا الزواج على صحة الاطفال. انتقال الأمراض الوراثية: تنتقل الصفات الوراثية سواء كانت طبيعية أو مرضية من جيل الى آخر عن طريق الجينات التي على الكروموسومات. اذ يتم اخصاب بويضة من الأم تحمل نصف عدد الكروموسومات ونصف الجينات بحيوان منوي يحمل نصف عدد الكروموسومات ونصف الجينات من الاب. ولذلك فإن أي صفة في الفرد يحددها على الاقل عاملان وراثيان أحدهما قادم من الأم والآخر من الاب وهذان العاملان موجودان على نفس المكان من ازواج الكروموسومات المتماثلة. ويتوقف ظهور الصفة الوراثية على ما اذا كانت هذه الصفة سائدة (تظهر مع وجود عامل وراثي واحد) أو صفة متنحية (تظهر مع وجود عاملين وراثيين يحددان هذه الصفة). الجينات المتنحية وزواج الأقارب: الجينات المتنحية لا تظهر على الشكل الخارجي للطفل لأن الجين المقابل السائد يسود المظهر الخارجي ولكنها تؤثر في نصف التكوين الوراثي لهذه الصفة وبالتالي تنتقل الى الأجيال التالية دون ظهورها خارجياً حتى يتصادف ان يكون الابوان كلاهما يحملان الجين المتنحي، فتجتمع الجينتان المتنحيتان لهذه الصفة في «الجنين» وتؤثران على المظهر الخارجي. وعادة ما يحدث ذلك في زواج الاقارب لأنهم يشتركون في بعض الجينات وتزداد نسبة الجينات المشتركة بازدياد درجة القرابة بينهم. فأولاد العم أو العمة أو الخال أو الخالة يشتركون في 1/8 صفاتهم الوراثية اما اذا كان الأجداد هم أولاد العم فإن الأحفاد يشتركون في 1/16 من صفاتهم الوراثية وكلما زادت القرابة بعد انخفضت نسبة الجينات المشتركة. ولذلك نجد ان الصفات التي تتحكم فيها جينات متنحية تظهر فجأة في العائلة دون ظهورها في عدة أجيال سابقة خاصة اذا كان الابوان اقرباء فيظن البعض ان المرض غير وراثي لأنه لم يظهر في الاجيال السابقة ولكن حقيقة الأمر ان جينات هذا المرض موجودة وتتوارث في الاجيال المتعاقبة ولكنها لا تظهر الا عندما كان الابوان يحمل كل منهما الجين المتنحي فورث الطفل جيتنين متنحيتين لهذه الصفة أو هذا المرض وظهرت عليه خارجياً. وتقول د. سامية التمتامي استاذ الوراثة بالمركز القومي للبحوث في مصر انه تزداد نسبة تشابه الجينات المرضية على الكروموسومات المتماثلة في الاقارب عنها في غير الاقارب مما يزيد من احتمالات ظهور امراض وراثية متنحية وخاصة الامراض الوراثية النادرة خاصة انه من المعروف ان كل فرد طبيعي المظهر يحمل ضمن جيناته على الاقل 5 أو 6 جينات تسبب ظهور أمراض وراثية متنحية اذا جمعت الصدفة غير السعيدة بينهما. وتزيد احتمالات هذه الصدفة في زواج الاقارب ومن الامثال الشعبية الشائعة كما تقول استاذة الوراثة «العرق يمد لسابع جد» وفي الحديث النبوي الشريف «تخيروا لنطقكم فإن العرق دساس» وكذلك الحديث الشريف الذي يقول «اغتربوا لا تضووا» وكلها تحذر من زواج الاقارب. وتقول د. سامية التمتامي: «قد اثبتت دراسات عديدة على المستويين المحلي والدولي ارتفاع نسبة حدوث الوفيات بين الاطفال حديثي الولادة وزيادة معدلات التشوهات والتخلف العقلي نتيجة لزواج الاقارب وهو ما يشير الى ان الظاهرة مازالت مستمرة حتى الآن ولم تفلح الجهود في منعها. الأمراض الوراثية في العالم العربي: يصعب معرفة وحصر الأمراض المنتشرة في الوطن العربي وذلك لشح المعلومات الموثقة عن هذه الأمراض كما ان نسبة انتشارها تختلف من دولة لأخرى. ولكن بشكل عام أكثرها شيوعاً امراض الدم الوراثية مثل فقر الدم المنجلي وفقر دم البحر المتوسط وأنيميا الفول. وأمراض الجهاز العصبي كمرض ضمور العضلات الجذعي وأمراض ضمور العضلات باختلاف أنواعها وضمور المخ والمخيخ وأمراض التمثيل الغذائي المعروفة بالأمراض الاستقلابية التي تنتج بسبب نقص انزيمات معينة. وكذلك أمراض الغدد الصماء خاصة امراض الغدة الكظرية والغدة الدرقية ومعظم هذه الامراض تنتقل بالوراثة المتنحية والتي يلعب زواج الأقارب فيها دوراً كبيراً في زيادة اعدادها.