نقلا عن دار الخليج 19/10/2007 تتوقع الأوساط المعنية بأسعار النفط المزيد من الارتفاع خلال الفترة المقبلة. وتنتشر هذه التوقعات في خضم المخاوف الكبرى من وقوع حرب في الخليج تشنها إدارة بوش ضد إيران، ووسط الاضطرابات التي ضربت مناطق إنتاج النفط في نيجيريا، والاتجاهات الراديكالية المتنامية في سياسة فنزويلا الإقليمية. واذ يرتفع سعر برميل النفط إلى قرابة 87 دولاراً للبرميل الواحد، فإن بعض المراقبين يتوقعون أن تستمر الأسعار في الارتفاع حتى تتحقق نبوءة شافيز، الرئيس الفنزويلي الذي توقع أن يصل سعر البرميل، خلال المستقبل المنظور إلى 100 دولار للبرميل الواحد. هذه التوقعات تستمد شيئاً من مصداقيتها مما حدث ويحدث على ضفاف بحر قزوين. إذا كانت واشنطن هي القوة الدولية التي تملك القرار الفصل في تسعير النفط، تخفيضاً في أكثر الحالات، فإن سلطة واشنطن وقدرتها تعرضتا إلى نكسة قزوينية خلال الأيام الأخيرة. وحتى نفهم معنى هذه النكسة وحجمها، ينبغي أن نعود إلى النظريات التي أغرقت سوق النفط الدولية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة. ولقد ساهم المحافظون الجدد الأمريكيون في بلورة هذه النظريات وفي إطلاقها وإيصالها إلى البيت الأبيض وتمكينها فيه عبر إدارة جورج بوش. بنيت تلك النظريات على مخاوف كثيرة من الاعتماد الأمريكي المتزايد على النفط العربي. فالعرب لا يمكن الاعتماد عليهم. حتى الأنظمة العربية النفطية الحليفة للولايات المتحدة لا يمكن الركون إليها. فقد تخرج فيها قوى راديكالية، بحيث يصبح الاقتصاد الأمريكي تحت رحمتها. وحتى ولو لم تضع هذه القوى يدها على الدول العربية النفطية، فإن الأنظمة العربية المحافظة هي نفسها لم تنج من انتقادات وتحريضات المحافظين الجدد. ألم تنفذ هذه الدول المقاطعة النفطية العربية الشاملة لدول الغرب خلال الحرب العربية “الإسرائيلية” عام 1973؟ وما الذي يمنع هذه الدول من ممارسة نفس الضغوط و”ابتزاز الغرب” مجدداً في المستقبل وفي زمن التزايد المتفاقم لاعتماد دوله، وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية على النفط المستورد؟ ألا تشترك هذه الدول في الضغط على “إسرائيل” الحليف الأول والأكبر للغرب وللولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟ قدم أصحاب هذه النظريات سلة واسعة من الحلول لتلك الإشكالية التي نسجوها. دعوا إلى “تحرير” الولاياتالمتحدة من الاعتماد الكلي على النفط السعودي عبر شن الحرب على العراق الذي يملك ثاني احتياطي للنفط في العالم وقلب نظامه السابق، وإقامة نظام حليف للولايات المتحدة يضمن استمرار تدفق النفط إلى الأسواق الأمريكية من دون انقطاع. عراق من هذا النوع لن يكون بديلاً عن السعودية. استمرار الصادرات النفطية السعودية إلى الولاياتالمتحدة أمر حيوي لا غنى عنه. ولكن العراق الحليف سوف يسد جزءاً مهماً من الحاجات النفطية الأمريكية بحيث يخف الاعتماد على النفط السعودي. تنويع مصادر النفط الأمريكي يخدم مصالح الولاياتالمتحدة الاقتصادية والاستراتيجية. أضيفت هذه النظرية إلى التبريرات والحوافز الأخرى التي قدمها المحافظون الجدد وخاصة أنصار “إسرائيل” من بينهم، من أجل شن الحرب على العراق، فساهمت في خلق مناخ مؤات للحرب. ولكن الاستيلاء على النفط العراقي، على أهميته التي أكدها آلان غرينسبان، حاكم البنك الفدرالي الأمريكي، لم يكف. فليس المطلوب هو “تخليص” الأمريكيين من الاعتماد على نفط بلد عربي فحسب، بل المطلوب هو تخليصهم من الاعتماد على النفط العربي برمته. الطريق إلى تحقيق تلك الغاية، كما رسمه مؤيدون متحمسون ل “إسرائيل” في واشنطن، يمر عبر حوض بحر قزوين حيث يتوفر احتياطي نفطي، كما روج هؤلاء، قد يعوض عن النقص في صادرات النفط العربية. كما نجح المحافظون الجدد وأصدقاء “إسرائيل” في استخدام المسوغ النفطي للترويج للحرب على العراق، نجحوا أيضاً في استخدام المسوغ النفطي لمساندة النزعة التدخلية الأمريكية في حوض بحر قزوين. وقدم هذا المسوغ إلى الرأي العام الأمريكي والدولي لتبرير نهج أمريكي اتسم بالاستفزاز والنزوع إلى الهيمنة في منطقة لم تعتبر في أي وقت من الأوقات منطقة من مناطق النفوذ الأمريكي. وكان الطابع الاستفزازي موجهاً بالدرجة الأولى ضد روسيا التي لم تتمكن رغم تدهور أحوالها خلال عهد يلتسين، من نسيان العلاقات المشتركة التي كانت تربطها بالجمهوريات السوفييتية السابقة (أذربيجان، كازاخستان، تركمانستان) الواقعة على بحر قزوين. فالبديل عن تلك العلاقات هو، في العرف الدولي، ليس انتقال هذه الجمهوريات من حليف لروسيا إلى قواعد اقتصادية وعسكرية وسياسية أمريكية تهدد أمن الروس وما تبقى من فضائهم الأوراسي. البديل عن العلاقات السابقة هو علاقات جديدة تقوم على التعاون وعلى حسن الجوار وعلى النفع المتبادل. ردت موسكو على واشنطن بالسعي إلى إحياء رابطة قزوينية تجمعها مع “الأشقاء” السابقين. هذه الرابطة اتسعت لكي تضم كبرى الدول “المارقة” بالمنظار البوشي أي إيران. القمة التي عقدتها هذه الرابطة أكدت تضامن دولها مع بعضها بعضاً في وجه أي عدوان خارجي على أي دولة منها. في الظروف الراهنة لهذا الإعلان معنى واحد وهو تحذير إدارة بوش من شن حرب ضد إيران، وله دلالة سياسية فحسب. فمن الخطأ أن يتوقع المرء دخول الدول القزوينة الأخرى الحرب ضد الولاياتالمتحدة إلى جانب إيران إذا ما قررت الأولى شن عدوانها المرتقب. ولكن الدلالة السياسية ليست مجردة من معنى في وقت تعتبر المواقف السياسية عدة للحروب ومن ممهداتها. من هذه الناحية، وإذ تؤشر قمة بحر قزوين إلى عودة الألفة إلى دول الأسرة القزوينية وخاصة بين روسيا وجيرانها، فإنها تضفي على الوعود الوردية التي بذلها المحافظون الجدد إلى الرأي العام الأمريكي نكهة الأضاليل التي ساهمت في إيصال الولاياتالمتحدة إلى أتون العراق وإلى تعريض علاقاتها مع روسيا وجيرانها إلى احتمالات بائسة ومظلمة. *********************