نقلا عن الاهرام18/12/07 مصر الآن في بداية العقد السادس من عمر المرأة المصرية, وقد أصبحت نائبة في البرلمان وحصلت بالتالي علي حقها في الاقتراع39 عاما فقط فصلت بين بداية نيل المرأة هذا الحق في أوروبا انطلاقا من بريطانيا, وتمتعها به في مصر. فحتي ديسمبر1918 لم تكن المرأة جزءا من المشهد السياسي في أوروبا, التي بدأ التحول نحو الديمقراطية فيها قبل نحو قرنين من ذلك التاريخ. نائبة واحدة هي التي نجحت في الوصول إلي مجلس العموم في أول انتخابات شاركت فيها المرأة, من بين17 مرشحة فقط مقابل نحو ألف وستمائة مرشح من الرجال. كان ذلك في ديسمبر1918 عقب الحرب العالمية الأولي مباشرة, لكن عندما وصلت سيدتان إلي البرلمان المصري للمرة الأولي في يوليو1957 كانت البريطانيات قد عرفن الطريق إلي مجلس العموم بالعشرات, ويعني ذلك أن المرأة المصرية لم تحقق في نصف قرن شيئا يذكر علي صعيد التمثيل البرلماني مقارنة بما أنجزته المرأة البريطانية في أقل من هذه الفترة, ولولا التعيين لبقي هذا التمثيل عند حده الضئيل الذي بدأ به أو أكثر قليلا, باستثناء البرلمانيين اللذين تم تخصيص حصة للمرأة فيهما عبر نظام المقاعد المحجوزة, وهما برلمان1979 و1984. لذلك يدعو بعض أنصار زيادة تمثيل المرأة في البرلمان إلي الأخذ بنظام الكوتا مرة أخري, علي أساس أنه لا بديل عن التمييز الإيجابي لدعم قدرة النساء علي المشاركة, باعتباره رافعة بات كثير من المعنيين بالإصلاح يرونها ضرورية, غير أن الأمر يظل في حاجة إلي مناقشة حول مدي جدوي اللجوء إلي هذا التمييز وأفضل أشكاله في ضوء تجارب من سبقونا إليه وسبروا أغواره, ومن هذه التجارب التي قد تكون مفيدة تجربة السيدة كتالين سيزلي رئيس البرلمان المجري لدورتين متواليتين بدأت الثانية منهما في مايو الماضي, كانت سيزلي قد استهلت عملها السياسي في ظل الحكم الشيوعي السابق الذي أخذ بمبدأ التمييز الإيجابي وخصص للمرأة حصصا في مؤسسات سياسية عدة من بينها البرلمان. وقد أتاح لها ذلك فرصة للصعود السياسي, لكنها لم تصل إلي قمة التمثيل البرلماني إلا بعد إلغاء ذلك التمييز الذي ترفض تفسير نجاحها السياسي به, وتقول إن العهد السابق لجأ إلي فكرة الكوتا النسائية لا لشيء إلا ليبرهن علي صحة نظريته الخاصة بالمساواة بين الرجل والمرأة, لكنه في حقيقة الأمر منع النساء من الوصول إلي مراكز صنع القرار, أما نجاحها السياسي المشهود فهو يرجع, كما تقول, إلي أدائها ودأبها, وهذا هو, عندها, مفتاح الدور السياسي للمرأة: الأداء والكفاءة والإصرار علي الندية مع الرجل. وهي تعبر بذلك عن منهج ينظر إلي تدعيم المشاركة السياسية للمرأة باعتباره عملا ينبغي أن يحدث بدأب وإصرار في قلب المجتمع, وليس مجرد عمل تشريعي يساعد في التغلب علي العوائق المجتمعية التي تضعف هذه المشاركة من خلال تحقيق نوع من التمييز الإيجابي لمصلحة المرأة. فنحن إذن إزاء منهجين يتركز الاختلاف بينهما في كيفية تدعيم قدرة المرأة علي المشاركة, لكنهما لا يختلفان في الأغلب الأعم علي سلامة مبدأ التمييز الإيجابي وعدم تعارضه مع مبدأ المساواة, لذلك فقد أصابت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب في تقريرها بشأن أسباب اعتماد نظام يخصص مقاعد للمرأة بموجب القرار بقانون رقم21 لسنة1979, حين ذهبت إلي أنه يهدف إلي تحقيق تكافؤ الفرص, وبالتالي المساواة الفعلية بين المرأة والرجل, ولكنها أخطأت بعد ذلك في تقريرها المؤيد لمشروع القانون188 لسنة1986 الذي ألغي تخصيص مقاعد للمرأة تحقيقا للمساواة أيضا. فلم يعد هناك خلاف يذكر في الفقه الدستوري الديمقراطي علي أن التمييز الإيجابي لا يتعارض مع المساواة, وإنما قد يكون ضروريا لبلوغها في الواقع, وليس فقط أمام القانون, متي توفر دليل قاطع علي أن ثمة فئات معينة في حاجة إلي مساعدة لفترة معينة, ولو كان المشرع المصري يؤمن بعكس ذلك حقا لما قبل استمرار التمييز الإيجابي للعمال والفلاحين لما يقرب من نصف قرن, علي نحو يتجاوز تماما الهدف من هذا التمييز. فأحد شروط سلامة التمييز الإيجابي هو أن يكون محددا لفترة زمنية لا يتجاوزها, وإلا أصبح متعارضا مع مبدأ المساواة. فالمنطق الذي يقوم عليه هذا التمييز هو مساعدة الفئة الضعيفة اجتماعيا والأخذ بيدها إلي أن تزداد قدرتها التنافسية الطبيعية. فالمشكلة إذن ليست في مشروعية مبدأ التمييز الإيجابي, وإنما في جدواه, فقد ثبت عبر كثير من التجارب أن هذا المبدأ لا يصلح في كل الحالات, فهو يصلح عندما تكون المشكلة الرئيسية التي تواجه تدعيم مشاركة فئة اجتماعية ما تأتي من خارجها بالكامل, أو في الأساس, أي أن تكون المشكلة في موروث اجتماعي ثقافي, أو في قيم وتقاليد سائدة في المجتمع, أو في أقسام واسعة منه, أو في البناء الاجتماعي وأنماط توزيع الثروة والنفوذ والقوة في المجتمع, أما إذا كانت المشكلة في الفئة الاجتماعية نفسها أيضا, فلا يفيد مبدأ التمييز الإيجابي في معالجتها لأنه يصبح أشبه بدواء يوصف لحالة مرضية لا يجدي في مداواتها. وفي كل الحالات لا جدوي من تمييز إيجابي يحدث بمعزل عن عمل دءوب في قلب المجتمع لبناء قدرة المرأة علي المشاركة. ويمكن للمجلس القومي للمرأة, بالتعاون مع بعض المنظمات النسائية الجادة وأنصار مشاركة المرأة, أن يضع خطة لزيادة التمثيل النسائي في مختلف المجالس المنتخبة, وبعضها لا يحتاج إلي تمييز إيجابي مثل مجالس النوادي الرياضية والاجتماعية والنقابات المهنية, في الوقت الذي يساعد هذا التمييز في تحقيق مثل ذلك في مجلسي الشعب والشوري, والمجالس المحلية. فهذا التمييز يكون أكثر جدوي لو أن المرأة أوفر استعدادا للمشاركة, لأن المنطق الذي يقوم عليه هو أن المجتمع هو المشكلة والمرأة هي الحل. أما إذا كانت المرأة جزءا أصيلا من المشكلة نتيجة عدم وجود استعداد كاف للمشاركة, يصبح الأمر في حاجة إلي نظرة أبعد تركز علي العمل في المجتمع ومع المرأة في آن معا, وليس فقط علي حل تشريعي تتوقف فاعليته بدورها علي نوع التمييز الإيجابي الذي سيأخذ به, الأمر الذي يقتضي مناقشة أخري في مقال قادم. المزيد فى أقلام وآراء