تعد مفردة التجديد إحدي أكثر المفردات شيوعا في الخطابات والسرديات المصرية والعربية, وذلك لارتباطها بأسئلة التقدم والتخلف والنهضة والحداثة والتحديث والتطور والتطوير ومن ثم نحن إزاء كلمة/ اصطلاح مفتاحي في الأدبيات النهضوية والحداثية تداخلت مع عديد الحقول المعرفية وقضاياها وإشكالياتها المختلفة. ارتبطت المفردة بالدولة, والتشريع, والنظام الاجتماعي, والنظام السياسي والاقتصادي والمؤسسات والأفكار علي اختلافها وتحديدا الدينية الإسلامية والمسيحية. ثمة مصطلح آخر نافس ولا يزال مصطلح التجديد, ونستطيع أن نقول إنه تجاوزه خلال أواخر الثمانينيات واستمر إلي الآن, ألا وهو إصطلاح الإصلاح الذي شاع وأطلق علي عديد المجالات ومنها الاصلاح الديني, والاصلاح الاجتماعي, والاصلاح السياسي ومن ثم أصبح أحد أبرز المصطلحات التي شاعت في السوق اللغوية/ الاصطلاحية ولا يزال, خاصة في المرحلة شبه الليبرالية, وعقب التحول نحو سياسة الباب المفتوح علي عهد الرئيس محمد أنور السادات الانفتاح الاقتصادي ثم التحول إلي نظام السوق. والإصلاح الديني ينتمي مرجعيا إلي السوق اللغوية الليبرالية ومصطلحاتها التي ترمي إلي معالجة بعض الاختلالات أو الأخطاء في نظام ما من النظم الاجتماعية أو القانونية أو السياسية أو الإدارية, بهدف تصحيح مساراته, وذلك في مواجهة النزعة الثورية والراديكالية الاجتماعية أو السياسية. مفهوم الإصلاح الديني يثير بعضا من الحساسية لدي بعض الإسلاميين أو رجال الدين الرسميين, وذلك لارتباط هذا المصطلح بالحركة البروتستانتينية والكالفينية التي شكلت خروجا علي التقاليد الكنيسة المؤسسية واللاهوتية الكاثوليكية والأرثوذكسية, ومن ثم يري بعضهم أن هذا الاصطلاح يرتبط بتجربة دينية أوروبية وغربية تختلف عن الإسلام كديانة وعقيدة وشريعة وقيم وطقوس وثقافة. من هنا لجأ بعض الكتاب والباحثين إلي استخدام مفردة التجديد الديني والأحري القول تجديد الفكر الديني, وذلك لإزالة أية التباسات حول مفهوم التجديد في علاقته بالدين, وذلك تأسيسا علي أن الإسلام له ثوابته وأسسه في العقيدة والطقوس والإيمان لا تتغير ولا تتبدل لأنها منزلة من عند الله سبحانه وتعالي, ولا يجوز التعرض لها بالتجديد أو التغيير. من ناحية أخري التجديد يتناول الفكر الديني في كافة مناشطه لأنه وضعي وبشري, ومن هنا التجديد يمس الفهم البشري للدين الإسلامي وعقائده وأصوله وقيمه ومعاييره, ومذاهبه, ومواريثه الفقهية والتفسيرية والتأويلية والقانونية والفلسفية والكلامية... إلخ. التجديد يقصد به إدخال تعديلات وتحويلات وإعادة تفسير وتأويل وبحث وتحليل وتفكيك ونقد في المنظومات الفكرية والفقهية والافتائية والخطابية الإسلامية الوضعية أو البشرية, الموروثة وذلك من خلال إعادة الدرس النقدي والمنهجي لتاريخ الأفكار الإسلامية, ووضعها في سياقاتها التاريخية, وطبيعة الأسئلة والمصالح المختلفة والمتنافسة في عصرها, ومدي تأثيرها علي عمليات تشكل وإنتاج وإعادة إنتاج نظم الأفكار الفقهية والكلامية والتفسيرية والتأويلية. هذا الدرس النقدي التاريخي يشكل أحد مقدمات التجديد, وذلك بهدف تأسيس الوعي التاريخي والمعرفي الذي تتطلبه أية مقاربة تجديدية في المنهج والمفاهيم والآليات ترمي إلي ممارسة تجديدية واجتهادية أكثر شمولا ترمي إلي تجاوز أسئلة وإجابات وتفسيرات عصور ولت, ولمواجهة أسئلة وظواهر اجتماعية وسياسية وقانونية واقتصادية ومعرفية جديدة وطارئة... إلخ, أكثر تعقيدا في عالمنا المعولم. هذا التوجه التجديدي عموما للفكر الديني الإسلامي المصري كان أحد أبرز مؤثرات الصدمة الثقافية الغربية التي جاءت مع مدافع نابليون وأفكار وممارسة السان سيمونيين وطلائع تجديد الدولة المصرية محمد علي باشا, وإسماعيل باشا, ونوبار باشا وشريف باشا, والحداثة القانونية, وتحديث الدولة وهياكلها علي المثال الأوروبي, وتشكل القومية المصرية في إطار الحركة الوطنية الدستورية المعادية للاستعمار البريطاني وثورة1919, ودستور1923. بيئة سياسية وثقافية اتسمت بالروح والممارسة شبه الليبرالية والأهم أنها انفتحت علي أسئلة جديدة حول التخلف والتقدم والنهضة والتحديث... إلخ, ومن ثم شاعت الجدالات الكبري بين مدارس الفكر السياسي والاجتماعي في مصر, والأهم أثرت توجهات التجديد والمجددين في الفقه الدستوري والقانوني, وفي الجامعات وفي إطار الجماعات الثقافية المصرية مما أدي إلي التأثير علي الأجواء المحافظة التي سادت المؤسسة الدينية الأزهرية. ترتب علي الجدالات والسجالات الفكرية تأثر بعض المشايخ الأزهريين بهذه الأجواء علي نحو ضاق بهم جمود المؤسسة وأساليب الإدارة والتدريس بها, مما أدي إلي توجه المجددين إلي المجال العام والجامعة المصرية والصحف للتعبير عن آرائهم. من هنا نستطيع رصد تاريخ طويل من أسماء الكبار الذين حاولوا التجديد في المقاربة الدينية الفقهية والتفسيرية والافتائية... إلخ, منذ تأسيس الدولة الحديثة بدءا من المشايخ حسن العطار, وخليفة المنياوي, ورفاعة رافع الطهطاوي, ومحمد عبده وعلي عبد الرازق, ومصطفي عبد الرازق, وطه حسين, وأحمد أمين, وعبد المتعال الصعيدي, والشيخ أمين الخولي, ود. محمد أحمد خلف الله, وعبد الحميد بخيت, ومحمود شلتوت, ويمكن أن نضع بعض مشايخ الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق علي قلة المجددين بينهم ولاسيما الشيخ أحمد إبراهيم ومولانا العالم الجليل محمد يوسف موسي وأستاذنا الشيخ علي الخفيف. انكسرت مشروعات التجديد علي تعددها وتباينها ومقارباتها وجزئياتها وابتساراتها وعدم اكتمالها لعديد الأسباب علي رأسها: 1 قوة تيار المحافظين داخل المؤسسة الإسلامية الرسمية, والمزايدات السياسية علي الإسلام وبه في النظام السياسي والسلطة المصرية الحاكمة بعد23 يوليو1952. 2 تراجع مستويات التكوين العلمي التراثي والحديث داخل الجامعة والتعليم الأزهري, والاعتماد علي المناهج التلقينية. 3 غياب الديمقراطية في النظم والممارسات السياسية, والقيود علي حريات الرأي والتعبير بما فيها الفكر الإسلامي. 4 انتشار الحركات الأصولية الإسلامية والراديكالية بعد هزيمة يونيو1967, ثم الصراعات علي الهوية المصرية عموما وصولا إلي عودة جماعة الإخوان إلي العمل السياسي شبه العلني بعد مصالحتهم مع السادات عام1974, وتداخل الديني في تفاصيل السياسي. 5 انتقال الصراع علي الهوية المصرية إلي الصراع علي هوية الإسلام المصري, أي التوجهات والتقاليد والممارسات الدينية الوسطية التاريخية للمسلمين المصريين. ثانيها: ضغوط الإسلام الوهابي مع ثورة عوائد النفط وما بعدها, والنزوع السعودي للتأثير علي الأوضاع الدينية في مصر من خلال عديد الأشكال ومنها دعم انتشار الأفكار السلفية والوهابية ومراجعها وتشددها. 6 ساهم العنف الديني, والتوترات والفتن الطائفية في استمرارية دعم تيار الغلاة في طرح خطاباتهم المحافظة التي تستعيد المتون والآراء الفقهية والفتاوي القديمة وتحاول فرضها علي واقع مختلف. من مظاهر الجمود في الفكر الديني الإسلامي نستطيع القول إن قدم مسألة التجديد في الفكر الديني الإسلامي المصري لم تستطع أن تبني مسارا في عمق المعرفة والوعي الديني المصري, بل ثمة استمرارية للجمود الفقهي والتفسيري والتدريسي للإسلام والاستثناء جد محدود, والأخطر هو شيوع روح التزمت والغلو لدي غالب الجمهور, وعسر تكيف بعض العقل الديني النقلي الرسمي, واللا رسمي مع متغيرات الحياة العصرية والمعولمة. يمكننا أن نرصد بعض مظاهر أزمة بعض الفكر الديني الإسلامي فيما يلي: 1 شيوع نمط من البلاغة الخطابية الجوفاء لدي بعض لا كل رجال الدين الرسميين أو اللا رسميين. 2 اختطاف بعض وعاظ الطرق بتعبير الأستاذ العميد طه حسين من خلال استيلاء بعضهم علي سلطة الافتاء والخطاب الشفاهي الملفوظ بديلا عن علماء الأزهر الكبار, ومن ثم بات بعضهم يحقق مكانة وسلطة علي الآخرين تحدد ما هية الحلال والحرام في السلوكيات والزي ولغة التخاطب اليومي.. إلخ. 3 سيطرة العقل النقلي الاجتراري علي العقل الاجتهادي لدي بعض رجال الدين الرسميين واللا رسميين وأصبح المجتهدون يشكلون قلة تعاني العنت والحصار. 4 بروز دور الإعلام التلفازي, لاسيما بعض القنوات الفضائية الدينية وبعض تأثيراتها السلبية علي إنتاج الخطابات والأفكار الدينية الإسلامية. نقلا عن صحيفة الأهرام المصرية