قناة اسرائيلية تلقى الضوء على رجل الأعمال إبراهيم العرجانى واتحاد القبائل العربية    تقديم رياض أطفال الأزهر 2024 - 2025.. الموعد والشروط    السفير الروسي بالقاهرة: الغرب يسعى للهيمنة وإنشاء قاعدة معادية لموسكو في أوكرانيا    "عليا الوفد" تلغي قرار تجميد عضوية أحمد ونيس    إحباط تهريب 13 طن قمح محلي بالطريق الدولي في الساحل الشمالي    تفاصيل إتاحة البنك المركزي الدولار لجميع المستوردين دون استثناء    أفضل 3 أنواع في سيارات مرسيدس "تعرف عليهم"    وفد إعلامى باكستانى يزور جريدة الشروق    مجموعة تطلق على نفسها "طلائع التحرير مجموعة الشهيد محمد صلاح" تعلن مسؤوليتها عن قتل "رجل أعمال إسرائيلي-كندي بالإسكندرية"،    رئيسة المنظمة الدولية للهجرة: اللاجئون الروهينجا في بنجلاديش بحاجة إلى ملاجئ آمنة    «المصري توك».. ردود أفعال جماهيرية مثيرة على صعود غزل المحلة إلى الدوري الممتاز    بتهمة الرشوة.. السجن 5 سنوات ل نائب رئيس جهاز مدينة القاهرة الجديدة    حر ورياح مثيرة للأتربة.. الأرصاد تكشف عن حالة طقس الخميس    وفاة والدة الفنان كريم عبدالعزيز    مناقشة تحديات المرأة العاملة في محاضرة لقصور الثقافة بالغربية    «اللهم ذكرهم إذا نسوا».. أدعية للأبناء مع بدء موسم الامتحانات 2024    الصحة: اكتشاف 32 ألف حالة مصابة ب الثلاثيميا من خلال مبادرة فحص المقبلين على الزواج    «هيئة المعارض» تدعو الشركات المصرية للمشاركة بمعرض طرابلس الدولي 15 مايو الجاري    أسهم أوروبا تصعد مدعومة بتفاؤل مرتبط بنتائج أعمال    جمعية المحاربين القدماء تكرم عددا من أسر الشهداء والمصابين.. صور    أخبار الأهلي: تعرف على برنامج تأبين العامرى فاروق فى النادى الأهلى    عبد الرحيم كمال بعد مشاركته في مهرجان بردية: تشرفت بتكريم الأساتذة الكبار    جامعة العريش تحصد كأس المهرجان الرياضي للكرة الطائرة    دعاء للميت بالاسم.. احرص عليه عند الوقوف أمام قبره    هل الحزن اعتراض على قضاء الله؟.. 3 علامات للرضا والتسليم اعرفها    جونياس: رمضان صبحي أخطأ بالرحيل عن الأهلي    «القاهرة الإخبارية» تعرض تقريرا عن غزة: «الاحتلال الإسرائيلي» يسد شريان الحياة    "التعاون الإسلامي" والخارجية الفلسطينية ترحبان بقرار جزر البهاما الاعتراف بدولة فلسطين    محافظ الفيوم يشهد فعاليات إطلاق مشروع التمكين الاقتصادي للمرأة    يوسف زيدان عن «تكوين»: لسنا في عداء مع الأزهر.. ولا تعارض بين التنوير والدين (حوار)    انطلاق الموسم الأول لمسابقة اكتشاف المواهب الفنية لطلاب جامعة القاهرة الدولية    المشدد 10 سنوات لطالبين بتهمة سرقة مبلغ مالي من شخص بالإكراه في القليوبية    أحدثهم هاني شاكر وريم البارودي.. تفاصيل 4 قضايا تطارد نجوم الفن    11 جثة بسبب ماكينة ري.. قرار قضائي جديد بشأن المتهمين في "مجزرة أبوحزام" بقنا    "الصحة" تعلن اكتشاف 32 ألف حالة مصابة ب "الثلاسيميا" في مصر    «8 أفعال عليك تجنبها».. «الإفتاء» توضح محظورات الإحرام لحجاج بيت الله    فرقة الحرملك تحيي حفلًا على خشبة المسرح المكشوف بالأوبرا الجمعة    تعرف على التحويلات المرورية لشارع ذاكر حسين بمدينة نصر    رئيس قطاع التكافل ببنك ناصر: حصة الاقتصاد الأخضر السوقية الربحية 6 تريليونات دولار حاليا    بعد حلف اليمين الدستوري.. الصين تهنئ بوتين بتنصيبه رئيسا لروسيا للمرة الخامسة    ذكرى وفاة فارس السينما.. محطات فنية في حياة أحمد مظهر    تعمد الكذب.. الإفتاء: اليمين الغموس ليس له كفارة إلا التوبة والندم والاستغفار    الزمالك يكشف مفاجآت في قضية خالد بوطيب وإيقاف القيد    مرصد الأزهر: استمرار تواجد 10 آلاف من مقاتلي داعش بين سوريا والعراق    صحة المنيا تقدم الخدمات العلاجية ل10 آلاف مواطن فى 8 قوافل طبية    30 جنيهًا للعبوة 800 جرام.. «التموين» تطرح زيت طعام مدعمًا على البطاقات من أول مايو    صالح جمعة معلقا على عقوبة إيقافه بالدوري العراقي: «تعرضت لظلم كبير»    مصرع سيدة صدمها قطار خلال محاولة عبورها السكة الحديد بأبو النمرس    لمواليد 8 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    ضبط قضايا اتجار في العملة ب12 مليون جنيه    سحر فوزي رئيسا.. البرلمان يوافق على تشكيل المجلس القومي للطفولة والأمومة.. يتألف من 13 عضوا.. وهذه تفاصيل المواد المنظمة    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    بايدن: لا مكان لمعاداة السامية في الجامعات الأمريكية    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    «قلت لها متفقناش على كده».. حسن الرداد يكشف الارتباط بين مشهد وفاة «أم محارب» ووالدته (فيديو)    إعلام فلسطيني: شهيدتان جراء قصف إسرائيلي على خان يونس    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبيل عبدالفتاح:‏ نعيش حالة من التوهان التاريخي والديني‏..‏ ومصطلح الأزمة لم يعد دقيقا لوصف أحوال مصر
نشر في الأهرام المسائي يوم 08 - 09 - 2010

يستعير نبيل عبدالفتاح مدير مركز تاريخ الأهرام المصطلح الذي صكه المفكر الكبير أنور عبدالملك لوصف الحالة الفكرية الراهنة‏
حيث قال‏:‏ إننا نعيش حالة من التوهان التاريخي والديني الإسلامي والمسيحي انحرفت بنا عن تاريخنا الديني والثقافي الذي اتسم بالاعتدال والتجاوب مع مقتضيات الحياة‏,‏ وحمل عبدالفتاح الصفوة السياسية والثقافية مسئولية هذا التوهان‏,‏ وأعرب عن ثقته في أن تعميق الإصلاح الديمقراطي سيفتح أبواب التغيير الديني‏,‏ وقال‏:‏ إن التعددية في السياسة والثقافة هي ضمان تحقق مبدأ الفكرة بالفكرة والرأي بالرأي‏,‏ فإلي نص الحوار‏:‏
هل نحن نواجه أزمة في الفكر الديني؟
الوضع في حياتنا أكثر تعقيدا واختلاطا وتشوشا‏.‏ أستطيع أن أقول لك وبوضوح إننا نعيش ومنذ عديد العقود مع مصطلح الأزمة والأزمات في عديد المجالات الذي شاع علي السنة الصفوة المتميزة والعالمة إلي رجال السياسة والإعلام والمتعلمين‏,‏ بل وعلي ألسنة بعض الجمهور‏.‏ نستمع ونقرأ عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية‏,‏ والتعليمية والدينية والإعلامية‏..‏ إلخ‏!‏ الأزمة وراء كل شيء‏,‏ حتي يمكننا اعتبار المصطلح هو علامة علي حياة عصرنا كله‏,‏ من الحرب العالمية الأولي حتي عمليات التحول العولمية وتشكلاتها المتعددة التي نعيشها‏.‏
في هذا الإطار لابد لنا من التفرقة بين الأزمات في شمال الدنيا والصين‏,‏ والهند‏,‏ ودول آسيا الصاعدة والبرازيل‏,‏ وبين الأزمات لدينا‏.‏
هناك ستجد وبوضوح رؤي وسياسات وإستراتيجيات وآليات للعمل الجاد والقدرة علي رصد الاختلالات في مسارات عمل الأنظمة المختلفة‏,‏ وديناميكية سياسية وتدخلا سريعا من الحكومات لإيجاد الحلول لها‏,‏ كما حدث في الأزمة الاقتصادية الكونية الأخيرة‏,‏ وفي التعليم كما حدث في الولايات المتحدة واليابان‏...‏ إلي آخره‏.‏
هنا في مصر الوضع مختلف‏,‏ لدينا صفوة سياسية تحتكر كل شئ وغالبها يفتقر للمهارات والأخيلة السياسية ومن ثم للرؤي الكلية والقطاعية وليس لديها سياسات وأساليب عمل خلاقة تسمح لها أن تستشرف احتمالات الأزمات وتتعامل معها فورا‏.‏
نحن نعيش في مصر منذ عدة عقود عصرا من الأزمات المتكالبة والمستمرة واحدة وراء أخري في كل مجال من المجالات‏,‏ والأزمات تتوالد وتمتد وتتشعب من الاقتصاد إلي الدين إلي السياسة إلي التعليم إلي الإعلام إلي الصحة إلي الزراعة إلي هويتنا وإلي مواريثنا وتقاليدنا الدينية والسياسية‏,‏ ونمط حياتنا‏.‏ نحن نعيش حالة من التوهان إذا شئنا استعارة هذا الوصف من المفكر المصري الكبير أنور عبد الملك حالة من التوهان التاريخي‏,‏ والتوهان الديني الإسلامي والمسيحي عن تاريخنا الديني‏/‏ الثقافي المصري الذي اتسم بالاعتدال والتجاوب مع مقتضيات الحياة وعسرها‏,‏ لكن لا توجد سمات دينية واجتماعية وثقافية ثابتة ومستمرة إنها تتغير دائما‏.‏
تشكك في مصطلح الأزمة‏,‏ إذن كيف تصف الوضع الآن؟
بوضوح أقول لك نحن لسنا إزاء أزمة‏,‏ هذا التعبير لم يعد ملائما لوصف حالتنا الدينية‏/‏ السياسية‏/‏ الاجتماعية‏.‏ الأزمة تفترض بعض الخلل الجزئي في نظام ما‏,‏ وفي نطاق مدي زمني محدد‏,‏ وسرعان ما يتم التدخل السياسي أو الثقافي أو الديني‏...‏ إلخ‏,‏ لمعالجة الخلل‏,‏ ومن ثم يستعيد النظام حركته وعمله‏.‏ لو سمحت لي سوف أطرح عليك بعض أسئلة ربما تقود إلي محاولة فهم الموقف المعقد الذي نحياه منذ عقود‏.‏ نقول أن هناك أزمة تطور سياسي وديموقراطي منذ‏1952‏ ومستمرة إلي الآن ودونما آفق لحلها والسؤال هو إلي متي تستمر؟ بأي تعريف يمكن القول أن هناك أزمة في الفكر الديني المصري أو في المؤسسة الدينية؟ لماذا تراجعت اجتهادات بعض الأزهريين والمفكرين المصريين عن تقديم رؤي تجديدية في مجالات الفكر الإسلامي علي اختلافها‏,‏ ولاسيما منذ منتصف عقد الخمسينيات من القرن الماضي‏,‏ وإلي الآن؟
هل هناك بعض تنظيرات فقهية أو مقاربة لتاريخ تطور الأفكار الإسلامية من منظورات نقدية وتحليلية سوسيو‏/‏ ثقافية وسوسيو‏/‏ سياسية‏,‏ وجيوبوليتيكية لبعض مراكز إنتاج المعرفة الإسلامية؟ هل هناك تجديد حقيقي حتي في لغة الكتابة والبلاغة والخطابات الدينية؟
هل استطاع بعضهم أن يبدع مناهج في الدرس الأكاديمي للمذاهب الفقهية والكلامية والخطابية الإسلامية تتجاوز المقاربة النقلية التكرارية؟
لماذا حدث بعض التطور في الفكر الإسلامي في بعض المراكز الطرفية خارج مصر؟
لماذا أعيقت هذه المحاولات ولم يقيد لها الانتشار؟
لماذا اختطف بعض الشارع الإسلامي إذا جاز التعبير سلطة توجيه الخطاب الديني‏,‏ أو الافتائي؟
لماذا ظهر دعاة الطرق بتعبير أستاذنا العميد د‏.‏ طه حسين أو دعاة الشوارع بتعبيرنا‏,‏ وتوجيههم للجمهور؟
لماذا تم تغيير بعض مكونات التدين المصري وأنماطه؟
يمكنك أن تطرح تيارا كاملا من الأسئلة والإشكاليات بل والظواهر التي تشير إلي أن مصطلح الأزمة بات غير دقيق‏,‏ بل ويفتقر إلي القدرة والكفاءة علي وصف حالتنا الدينية الإسلامية‏,‏ بل والمسيحية‏,‏ علي بعض الخلاف والتمايز بين كليهما؟
هل هذا الوضع الذي تشير إليه‏..‏ نجد نظيرا له في المؤسسة المسيحية المصرية ؟
أستطيع أن أجيبك بنعم‏,‏ ويمكن أن أطرح أيضا بعضا من الأسئلة النظيرة الدالة‏,‏ من قبيل‏:‏ هل هناك تطوير لما قام به البابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح‏,‏ والقمص فليثاؤوس عوض‏,‏ ودوره المرجعي في تطوير لائحة الأحوال الشخصية للأرثوذكس وذلك من خلال لجوئه إلي المجموع الصغري لأبن العسال؟ لماذا تراجع الدور الرائد‏'‏ للعلمانيين‏'‏ الأقباط في تحديث الكنيسة‏,‏ وفي تطوير الأحوال الشخصية علي نحو ما كان دورهم قبل‏1952‏ ولاسيما في إعداد لائحة يوليو‏1938‏ للأحوال الشخصية‏,‏ وهي جزء من التراث الأرثوذكسي الإصلاحي الوطني‏,‏ الذي تستهدفه منذ الستينيات من القرن الماضي الأصولية الأرثوذكسية المحافظة والمتشددة و‏'‏الراديكالية‏'‏ ذات المرامي السياسية‏,‏ والتي ترمي للانقضاض علي بعض بوادر الإصلاح التاريخي‏!‏ هل هناك تطوير في الفلسفة والعمق واستكمال لمشروع حبيب جرجس الذي ساهم في بعض التطوير الكنسي؟
هل توجد تجديدات لاهوتية تأويلية جديدة ومواكبة لعصرنا؟
أين التقاليد الديمقراطية التاريخية التي تحكم المؤسسة الدينية الأرثوذكسية؟
أين دور ما يطلق عليه في اللغة الكنسية شعب الكنيسة؟ أي دور الناس؟
هل هناك استكمال لدور المفكر واللاهوتي الكبير الأب متي المسكين؟ أين تعاليمه وأفكاره في إطار المؤسسة والوسط الاجتماعي المسيحي الأرثوذكسي؟
ثمة آخرون تم استبعادهم ومعهم اجتهاداتهم‏,‏ وتفسيراتهم المختلفة عن الخط الديني السائد عند قمة المؤسسة؟ مع كل التقدير للجميع‏!‏ يتساءل بعضهم من الأقباط الأرثوذكس لماذا استبعد دور اللاهوتي الأرثوذكسي جورج حبيب بباوي‏,‏ واضطر إلي الهجرة خارج مصر؟
لسنا إزاء أزمات نحن أمام أوضاع دينية مركبة ومختلة ومعقدة وتاريخية وموروثة‏,‏ مصر تقف أمام تعقد المسألة الدينية الإسلامية والمسيحية معا‏.‏
هذا الموقف المعقد تاريخي بامتياز‏,‏ وهو مسئولية الصفوة السياسية والمفكرة وليس مسئولية رجال الدين فقط‏,‏ لأن هؤلاء أصبحوا جزءا أصيلا من المسألة‏,‏ وأحد أسبابها ضمن أسباب أخري والاستثناءات المجتهدة والمجددة بينهم كانت حاضرة دائماي‏,‏ ولكنها محاصرة وتواجه أشكالا من العنت في التعامل معها‏,‏ لأنها حاولت باجتهاداتها إيجاد مخارج لمشكلات وأزمات في نمط التفكير والرؤية والتفسير الديني التي سادت وهيمنت علي العقول والأفكار والممارسات الدينية ولا تزال‏,‏ ومع ذلك وقفت عناصر غالبة داخل المؤسسات ضدهم‏,‏ بل وتم تحريض الجمهور علي بعضهم إلي آخر هذا النمط من الظواهر التي حددت تاريخيا ولا تزال‏,‏ وفي نطاق المؤسستين الإسلامية والمسيحية الرسمية وخارجهم‏.‏
المسألة الدينية المصرية تشير إلي تراكمات وتكالب الاختلالات البنيوية في مناهج التفكير والتفسير والتأويل ونمط وتقاليد الافتاء‏,‏ والدرس الديني المؤسس علي العقل النقلي‏,‏ وتكراراته ومروياته‏.‏
هل هناك مكونات ومظاهر أخري للمسألة الدينية كما تطلق عليها؟
نعم هناك ذهنية الشروح علي المتون‏,‏ والحواشي علي الحواشي‏!‏
هناك استعادة لأسئلة ماضية ومعها إجاباتها‏!‏
ثمة مشاكل أخري تتصل بتدهور الذائقة اللغوية والتعبيرية لبعض الأزهريين والإسلاميين وجماعاتهم السياسية وذلك كنتاج لعقلية الحفظ وإعادة إنتاج النصوص الخطابية القديمة‏,‏ ولغة المشافهات‏,‏ وهو ما لم لا يستطع التحرر منها إلا قلة متميزة من رجال الدين ممن انفتحوا علي عالم الأدب والبلاغة العربية الرصينة وتطوراتها السردية‏,‏ وعلي عالم الفلسفة والأفكار الحديثة والمعاصرة‏.‏ هؤلاء قلة متميزة في أزهرنا المعاصر وخارجه‏!‏
يمكنك أن تتساءل كم رجل دين يتابع الأدب والشعر والسرديات والفلسفات والفنون ما بعد الحداثية مثلا؟
هل نحن إزاء مسألة دينية معزولة عن المسألة السياسية؟
بالطبع لا لأن هناك تداخلا بين كليهما‏.‏ المسألة الدينية تشتمل علي الاختلالات التكوينية بين غالب الفكر الديني ومؤسسته ورجالاته‏,‏ وبين السياسة حيث اجتياح السياسي للديني‏,‏ واجتياح الديني للسياسي‏,‏ بحيث لا تستطيع أن تميز بين ما هو دنيوي ودهري وسياسي بامتياز‏.‏ ويخضع الديني للمداهنات السياسية‏,‏ والنفاق والكذب والتدليس الذي يمارسه بعض السياسيين ومن ثم نحن إزاء خلط بين ما هو ديني‏/‏ عقيدي‏/‏ أو إيماني أو أخلاقي‏.‏ أنها حالة خلط وتشويش من السياسي علي الديني ومجاله المتميز الذي يرمي إلي بناء توازنات نفسية وذهنية وفي حياة المؤمنين الروحية‏,‏ وفي تهذيب ضمائرهم‏,‏ إلي استغلال رجال السياسة وعلماء السلاطين للطاقة الروحية والإيمانية الهائلة للدين في قمع الأفكار الخلاقة‏,‏ والمبادرات المستقلة‏,‏ وفي تبرير الديكتاتورية والاستغلال الاجتماعي والاقتصادي‏,‏ وفي إعادة إنتاج الفقر والأمية بكل أنواعها‏.‏
أود أن أشير إلي أنه يمكن أن تستخدم الطاقات الروحية الخلاقة للدين الإسلام والمسيحية في التنمية ومواجهة الأمية والفقر والتهميش الاجتماعي‏,‏ وفي تأسيس أخلاقيات جديدة‏,‏ وانسانوية‏.‏
هل المؤسسات الدينية جزء من الأزمة؟
نعم بامتياز هي إحدي مكونات المسألة الدينية المصرية‏,‏ وذلك لارتباطاتها بالسياسة‏,‏ والسلطة ولأنهم يدعمون بعضهم بعضاي‏,‏ في ظل غياب كان طويلا للحريات العامة والشخصية وحرية المبادرة الفردية‏.‏ المؤسسات الدينية شابتها أيضاي التسلطية‏.‏
في ذات الوقت هناك نمط فردي في إدارة المؤسسات السياسية والعامة كلها‏,‏ والدينية تحديدا‏.‏
من هنا الاختلال يشمل نمط الإدارة‏,‏ والتجنيد والترقي داخلها‏,‏ وفي ذات الوقت غياب أو تشوش أي رؤي إصلاحية أو تجديدية علي مستوي بعض الإدارات المؤسسية‏,‏ أو السياسات‏,‏ أو الفكر أو التعليم‏.‏
أثرت السياسة سلبيا علي المؤسسات الدينية وأفقدتها استقلاليتها‏,‏ بل وعلي شجاعة بعض رجالها المجددين الذين تمت مواجهتهم بشراسة‏.‏
تحدثتم عن ظاهرة ذكورية الفقه وأثرها علي الفكر الديني في بعض كتاباتكم؟
ما الذي تقصدونه بذلك وما أثرها؟
ذكورية الفقه أو الافتاء أو الخطاب الديني‏,‏ هي جزء من ذكورية السياسة وثقافة الدولة والسلطة السياسية‏,‏ وذكورية التعليم‏...‏ إلخ‏.‏ انها تجل لسلطة الذكورة تاريخيا في مصر والدول العربية‏,‏ ومن ثم انعكاساتها علي العلاقات الاجتماعية والسياسية‏,‏ وهي نتاج طبيعي لأوضاع تاريخية واجتماعية سادت المجتمع المصري‏.‏ نستطيع أن نجد النزعة الذكورية المحافظة بوضوح في المؤسستين الإسلامية‏,‏ والمسيحية الأرثوذكسية‏.‏ الآن بدأت بعض الأصوات النسائية من عالمات أزهريات في المطالبة بتغيير الأوضاع داخل المؤسسة وفكرها‏,‏ ويتسم تفكير بعضهن بالاعتدال والتسامح والرغبة في إقرار قيم المساواة والمواطنة‏.‏
ما أثر ذلك داخل المؤسسة وخارجها؟
ظهرت وبوضوح بعض الآثار السلبية في عديد المجالات‏,‏ ويمكن رصدها علي سبيل المثال لا الحصر في عديد الملاحظات ومنها‏:‏
إن الفكر الديني الذكوري يميل إلي المحافظة ومقاومة أي سياسة لتمكين المرأة تاريخيا‏,‏ وأيضا في مجال الأحوال الشخصية للمسلمين‏,‏ وللمسيحيين‏.‏ خذ علي سبيل المثال أزمة رفض تنفيذ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لأحكام القضاء الصادرة بالتطليق في بعض القضايا‏,‏ وذلك تطبيقا للائحة يوليو‏1938‏ التي صدرت وأعدها المجلس الملي للأقباط الأرثوذكس آنذاك‏.‏
خذ ضغوط الأكليروس الأرثوذكسي من أجل إلغاء النصوص التي تبيح الطلاق لعديد الأسباب‏,‏ ومن بينها علة الزني‏.‏ وفق تفسير البابا‏/‏ البطريرك شنودة الثالث لا طلاق إلا لعلة الزني‏,‏ ومن ثم يستبعد كل الأسباب الأخري‏,‏ بكل انعكاسات ذلك الاجتماعية والنفسية علي أوضاع الأسرة المسيحية‏.‏
خذ مثلا‏:‏ المظاهرات من أجل استعادة بعض الفتيات أو السيدات‏,‏ ولاسيما اللائي تحولن إلي الإسلام‏,‏ نحن هنا إزاء تصور ذكوري يعتبر خروج الإناث من المسيحية والانتقال إلي الإسلام يشكل جرحا للدين‏,‏ وجرحا لروح القبيلة والمذهب الديني الواحد‏.‏ في حين أن حرية التدين والاعتقاد حق دستوري لجميع المصريين‏.‏
هذا النوع من المشاكل سيتفاقم في المرحلة القادمة‏,‏ وسيؤدي إلي مشكلات طائفية‏,‏ وعنف لفظي وغيره من أشكال العنف الأخري‏.‏
خذ فتاوي النقاب هي نظرة اجتماعية محافظة تم تحميلها علي التأويل الديني‏.‏ إلي آخر هذه الظواهر الاجتماعية‏.‏ مثلاي هل يمكن للمرأة أن تتبوأ موقعا دينيا قياديا في الأزهر والكنيسة الأرثوذكسية؟
الإجابة لا‏,‏ لأن المؤسسات الدينية المصرية ذكورية‏,‏ بامتياز‏.‏

ما دور التعليم الديني في تفاقم المسألة الدينية المصرية الراهنة وفق توصيفك السابق؟
بالمناسبة المسألة الدينية ليست قصرا علي الحالة المصرية‏,‏ وإنما هي حالة عامة تشمل غالب الدول والمجتمعات العربية والإسلامية‏.‏
التعليم الديني لا يختلف كثيرا عن التعليم العام والجامعي وما بعده‏,‏ نحن نواجه خطرا داهما منذ عقد الستينيات في نظمنا التعليمية التي تعتمد علي تقاليد الحفظ والتسميع والتلاوة والتكرار للكتب المدرسية‏,‏ والمقرر داخلها في كل سنة دراسية علي الطلاب والذي يتضاءل من عام لآخر‏,‏ ومنذ السنوات الأولي حتي في إطار التعليم الجامعي‏.‏ نحن أمام وجه من وجوه العقل النقلي‏,‏ لا العقل النقدي في سياسة ومناهج التعليم السائدة والمستمرة‏,‏ رغما عن الشعارات التي يرفعها بعض وزراء التعليم‏,‏ والتعليم العالي‏.‏ وزيرا وراء آخر‏,‏ وحكومة وراء أخري‏,‏ ولم نر تطويرا‏,‏ وإنما سمعنا مجموعة من الخطب العصماء عن التطوير وإصلاح التعليم فقط‏!‏ خذ مثلا هذا السؤال ما الذي حدث منذ مقالات د‏.‏ لويس عوض عن تدهور التعليم المصري عموما‏,‏ وفي مناهج تدريس تاريخ مصر في المرحلة الفرعونية مثلا ?‏ وتخلفها عما‏?‏ يدرسه الطلاب في فرنسا وبريطانيا‏,‏ وذلك في مرحلة التعليم الابتدائي بل وما يدرسه الطالب المصري في الإعدادي والثانوي؟ هل لديك أو لدي وزراء التعليم وحكوماتهم المتعاقبة إجابة عليه؟
كانت الصورة كارثية ولا تزال‏!‏ ما الذي يدرسه الطالب المصري في التعليم العام والأزهري والأكليريكي‏?‏ عن استمرارية التاريخ المصري؟
منذ حكومة المرحوم د‏.‏ محمود فوزي ورصده لأزمة التعليم في بلادنا ومقارناته بالتعليم في اليابان ونهضتها الكبري‏,‏ وتراجعنا وتدهورنا‏,‏ والأمور لا تزال كما هي ولم تتغير أوضاع التعليم‏,‏ وزادت الأمور سوءا علي سوء مذاك‏.‏
ماذا عن التعليم داخل الأزهر الشريف؟
التعليم الأزهري كان دائما موضعا لانتقادات بعض المجددين والمصلحين الأزهريين‏,‏ من أيام إمام المجددين الشيخ حسن العطار وترشيحه ودفعه لرفاعة رافع الطهطاوي للسفر إلي باريس‏,‏ إلي الإمام المجدد محمد عبده‏,‏ إلي الأستاذ العميد طه حسين‏,‏ ونقده لذهنية وثقافة العنعنات وتعليم الذاكرة الحافظة‏,‏ ثم محاولات الإمام الأكبر مصطفي المراغي التي تكسرت علي أيدي التيار المحافظ‏.‏
ثمة مشروع للتطوير قاده المرحوم د‏.‏ محمد البهي وزير الأوقاف وكان من كبار المثقفين والعلماء المصلحين لتطوير الأزهر والجامعة تحديدا وتم في المرحلة الناصرية‏,‏ وهو مشروع يحتاج إلي دراسة علمية مدققة لمعرفة لماذا لم يحقق غالب الأهداف المرجوة من ورائه؟ نحتاج إلي معرفة ما الذي حدث؟ أين العطب‏,‏ ولماذا؟ وإلي أين من هنا إذا استمرت الأوضاع الراهنة؟ لأننا نحتاج إلي أزهر شامخ‏,‏ وعلماء مجتهدين ومجددين في علوم الدين وأصوله وفلسفته؟
هل هناك علاقة لأزمة التعليم عموما والديني بالسياسة؟
بالطبع نعم‏,‏ التنشئة التعليمية هي إحدي أنماط التنشئة الاجتماعية‏,‏ والتنشئة السياسية‏.‏ نعم أقول لك أن التعليم المصري السائد يكرس قيم الطاعة‏,‏ ومن ثم الموالاة‏.‏ السياسة الديمقراطية‏,‏ أو سياسة الحرية تصنع عالما من الحريات‏,‏ والأهم عقل الحرية ونفسية الحر الذي لا يقبل القهر ولا الخضوع‏.‏ ومنذ مطالع النهضة المصرية الحديثة‏,‏ كانت الحريات الفكرية والسياسية‏,‏ تشكل بيئة حاضنة للتجديد الديني والفكري والفلسفي والتعليمي‏.‏ كانت حرية الصحافة والأحزاب داعمة للحرية الفردية وللحرية العقلية‏.‏
عندما يتم تعميق الإصلاح الديمقراطي سيؤدي شاء بعضهم أم أبي إلي فتح أبواب التغيير والتجديد والاجتهاد في الفكر الديني‏,‏ وداخل المؤسسات الدينية وفي سياستها وهياكلها وإدارتها‏.‏ لن يكون هناك خلط بين القيادة الدينية ودور رجل السياسة‏,‏ لأن التمييز بين الديني والسياسي والاجتماعي والثقافي‏...‏ إلخ‏,‏ سيحدث‏,‏ وعلي نحو خلاق‏.‏
ستكون هناك تعددية واجتهادات ومغامرات فكرية‏.‏ في بيئة الحرية لا تصادر الأفكار وإنما يواجه الفكر بالفكر والاجتهاد بالاجتهاد والنقد بالنقد‏.‏ خذ مثلا كتاب الأستاذ العميد طه حسين في الشعر الجاهلي‏,‏ وردود بعضهم عليه كانت ذات وزن وجاءت من مولانا الشيخ محمود الخضري بك‏,‏ والخضر حسين شيخ الأزهر وآخرين‏.‏ كان التقليد السائد أن الفكرة بالفكرة والرأي بالرأي في ظل مصر شبه الليبرالية‏,‏ وفي إطار من الحرية والتسامح الفكري وهذا واحدا من طرق تجديد الفكر المصري بشكل عام‏.‏ لابد للقانون أن يحمي الإبداع والبحث والرأي من سياسة التكفير الديني‏.‏ نحن لم نعد أمام المسألة الدينية‏,‏ وإنما المسألة المصرية التي تذكرنا بالمسألة العثمانية‏.‏ هذا هو الوضع الآن‏,‏ والقول بذلك لا يعني الندب والعويل ولطم الخدود علي نحو ما يفعل بعضهم‏,‏ في بعض الصحف والفضائيات طلبا للذيوع أو اصطناع بطولات كاذبة‏.‏ المطلوب وقفة حازمة لدرس الأمور ومواجهتها وفق رؤية وتصور يعتمد علي العلم والبحث والمعرفة والمقارنة‏,‏ وليس من خلال الشعارات العامة والطبول الجوفاء وجلد الذات‏,‏ أو حتي تمجيدها علي خلاف الواقع‏.‏
في ضوء مخاطر المسألة الدينية كيف يمكن تطوير التعليم الديني؟
أتصور أن إمكانات التطوير تتم بالحرية أولا وكذلك بالموارد البشرية والعقلية والمالية التي يجب أن تخصص لتطوير التقنيات التعليمية‏,‏ وفي فلسفة التعليم الديني‏.‏ يجب أن نسأل أنفسنا هل المطلوب هو رجل دين نقلي يحفظ ويكرر محفوظاته؟ ودوره أن يكرر الآراء والفتاوي السابقة؟ أم المطلوب رجل دين عصري ومجتهد؟ وخاصة أننا في عصر ثورة معلوماتية واتصالية هائلة‏,‏ ومن ثم لن يؤدي الحفظ دوره القديم في المحافظة علي التراث الفقهي والافتائي والتفسيري للأصول الإسلامية‏,‏ لأن هذا الدور القديم تم تجاوزه‏,‏ ويمكن للمرء الحصول علي المعلومات والكتب من علي المواقع النتية غالب كتب الفقه والأصول والمتكلمين والمفسرين‏..‏ والسيرة العطرة وغيرها يمكن الوصول إليها‏,‏ من خلال المواقع النتية والإمكانيات التقنية والمعلوماتية باتت غير محدودة وفائقة التطور وبرامجها ستتطور في قفزات هائلة وخلال فترات زمنية وجيزة‏.‏ ومن ثم ستؤدي بعض الأدوار التقليدية التي قام بها رجل الدين في الماضي‏!‏
من هنا نحتاج إلي الانتقال إلي تعليم يشكل ذهنية قادرة علي مواجهة معضلات ومشكلات زماننا وعصرنا وتطوراته‏,‏ وظواهره وأسئلته المعقدة‏,‏ خذ مثلا أسئلة عديدة تثار حول الاستنساخ وآثره علي المنطق والفكر الديني التقليدي السائد‏,‏ وكذلك ثورة البحث في الجينات وتخليقها والتطورات المذهلة التي ستحدث في هذا المجال وغيره‏!‏ نحتاج إلي عقل ديني وثاب ومجتهد ومبدع في تفسيراته وفتاويه كي يجيب علي أسئلة ومشاكل المصريين‏,‏ المسلمين‏,‏ وكذلك المسيحيون‏.‏ نحتاج إلي عقل وفكر ديني يدعم حريات الناس وحقوقهم إزاء الظلم السياسي والاجتماعي وأساليب القهر والتهميش‏.‏ نعم نحتاج إلي عقل ديني داعم لقيم المساواة والحقوق والمواطنة‏.‏
كيف يحدث ذلك؟
كيف يحدث؟‏!‏ من خلال تطوير السياسة التعليمية‏,‏ وإدخال مناهج التحليل الملائمة في العلوم الاجتماعية‏,‏ في تكوين وتدريب طلاب العلوم الدينية‏.‏ أن تكون لدينا سياسة تعليمية تؤسس لتكوين العقل النقدي والتحليلي‏,‏ وهذا يحتاج إلي ديمقراطية النظام التعليمي وتحديث عملياته ومناهجه لتماثل النظم المتطورة في أمريكا وأوروبا واليابان وإسرائيل‏,‏ كيف يمكننا أن نستعيد مكانتنا الإقليمية وقوتنا الصلبة والناعمة‏,‏ والنظام التعليمي الإسرائيلي العام والجامعي أكثر تطورا‏,‏ وبما لا يقارن بما يحدث عندنا‏.‏ جامعاتنا خارج ال‏500‏ جامعة الأوائل في عالمنا‏,‏ بينما إسرائيل لديها جامعات ومراكز بحث أكثر تطورا وبما لا يقارن مع معاهدنا وجامعاتنا ومراكز البحث لدينا‏!‏ إنها كارثة ولا أحد يهتم هنا‏!‏
ما هي أسباب صراعات الفتاوي وفوضاها في رأيكم؟
نعيش عصر الفتاوي وأسواقها الدينية والافتائية وصراعاتها وحروبها كما لاحظ بعضهم‏.‏ وتعود ظاهرة الفوضي الافتائية لعديد الأسباب‏,‏ أستطيع أن أذكر لك بعضها فيما يلي‏:‏
‏1‏ تدهور مستوي الثقافة الدينية المستنيرة لدي بعض قطاعات الصفوة السياسية والاجتماعية من المتعلمين‏,‏ وأيضاي بين غالب جمهور المصريين‏.‏
‏2‏ تداخل الدين في السياسة‏,‏ أدي إلي اعتماد بعض رجال السياسة علي نظام الفتوي لدعم مواقفهم السياسية المتغيرة‏,‏ ومحاولة تبرير تناقض مواقفهم إزاء الأزمات‏.‏
‏3‏ الظاهرة السلفية والوهابية المعاصرة ركزت ولا تزال علي ثقافة الفتاوي في كل أمور الحياة وتفاصيلها‏,‏ وإعادة إنتاج الأسئلة علي الأسئلة‏,‏ والتفصيلات من أجل الهيمنة علي الحقل الديني والاجتماعي والاقتصادي‏,‏ وفي المأكل والمشرب‏,‏ واعتماد آراء وفتاوي قديمة يعاد إنتاجها‏,‏ بهدف أن تكون تفصيلات التفصيلات في الحياة اليومية تحت سلطة الافتاء لمشايخ السلفية وآخرين غيرهم‏.‏
من الشيق ملاحظة أن السياسة الدينية الوهابية أدت إلي انتشار الفقه والعنف المذهبي الراديكالي وحركات مثل القاعدة في السعودية واليمن والخليج‏,‏ ومناطق عديدة في عالمنا‏!‏ وصدر مؤخراي قرار سعودي ملكي بتوحيد جهة الفتوي‏,‏ بعد انتشار ظاهرة الفوضي والعشوائية في إصدار الفتاوي من بعض غير المتخصصين في العلوم الدينية وشئون الافتاء‏.‏
‏4‏ أثر هجرة بعض المصريين إلي إقليم النفط‏,‏ ونمط الحياة السائدة هناك‏,‏ والدور الذي يلعبه بعض رجال الدين من خلال آلية الفتوي التي تعكس المذاهب والمدارس الفقهية الوهابية والسلفية التي تأثرت بها بعض الأسر والأشخاص والعمالة المصرية‏,‏ وخاصة أن غالب هؤلاء من العاديين الأميين وذوي التعليم البسيط أو من خريجي المعاهد والجامعات ذوي المستويات المحدودة من التكوين العلمي‏.‏
هؤلاء ربطوا بين الثراء النفطي والمالي‏,‏ وبين نمط التدين السائد هناك‏.‏ عاد هؤلاء ومعهم ثقافة ونمط تدين وقيم مستعارة من هناك‏,‏ وشاعت بينهم هنا‏,‏ وشجع عليها الحضور الوهابي والسلفي في مصر‏.‏
‏5-‏ أثر الفضائيات السلفية علي الوعي الديني شبه الجمعي في مصر‏,‏ أكد شيوع هذه القيم في بلادنا وعلي فكرة ثقافة الفتاوي والنزعة السلفية تصب في صالح الإسلام السياسي‏,‏ وعلي رأسه جماعة الإخوان المسلمين‏.‏
هل هناك أثر للفضائيات علي نمط التدين المسيحي السائد؟
بالطبع نعم‏,‏ لأن الفضائيات لم تعد قصرا علي السلفيين‏,‏ وإنما امتدت أيضا إلي الأقباط الأرثوذكس وغيرهم وهي تكرس الوضع المحافظ داخل المؤسسة القبطية الأرثوذكسية‏,‏ ووسط أتباعها وتعيد إنتاج الحالة الدينية المحافظة السائدة بينهم‏.‏
هل أثرت الفضائيات علي الوحدة الوطنية؟
موضوع الوحدة الوطنية أكثر شمولا وتعقيدا من أثر الفضائيات علي العلاقات بين المسلمين والمسيحيين‏.‏ الفضائيات الدينية‏,‏ والمواقع النتية أصبحت إحدي فضاءات حروب الكراهية الدينية‏,‏ لأنها تضم بعض الفاعلين الغلاة والمتطرفين الذين يسعون إلي إشاعة ثقافة الكراهية الدينية بين المصريين أساسا‏,‏ وبين المسلمين والأقباط‏.‏ من الملاحظ أن هناك تركيزا علي التشكيك المتبادل في المقدس الإسلامي‏,‏ والعقائد المسيحية‏,‏ وهي أمور تتسم بالخفة والنزق وغياب المسئولية‏.‏ لكل مواطن مقدساته وعقائده ويجب احترامها في إطار الحرية الدينية‏,‏ وهي جزء من الحريات الدستورية للمصريين‏,‏ بعض هؤلاء يتصورون أنه يمكن أن يحقق انتصارا علي أخوته في الوطن والأمة من خلال لغة التشكيك‏,‏ أو الكراهية‏,‏ أو العنف في الخطاب واللغة الجارحة‏.‏
أنها محاولة عبثية لأنها لن تؤدي إلي تغيير الناس لعقائدهم ومقدساتهم‏,‏ وستدفع بهم إلي المزيد من التشدد والتطرف والكراهية‏.‏ نحتاج إلي وقفة مسئولية إزاء هؤلاء من خلال رصد مكونات ثقافة الكراهية والخطابات الناطقة بأسمها‏,‏ وتحليلها ونقدها‏.‏ هنا لابد أن تقف الدولة والمثقفين والصحافة والإعلام والأزهر والكنيسة معا ضد إشاعة الكراهية الدينية والتطرف‏,‏ والعمل علي التركيز علي القيم الدينية المشتركة من قبيل المساواة‏,‏ والتسامح‏,‏ والعدل‏,‏ ورفض الظلم‏,‏ والمحبة‏,‏ والأخوة‏,‏ والمروءة ونصرة المظلوم‏,‏ ونشر الخير والمعرفة والعلم بين الناس‏,‏ والتأكيد علي قيم المواطنة وعدم التمييز في إطار الأمة والدولة الحديثة‏.‏
هل يمكن وقف العشوائية في إطلاق الفتاوي؟
الأمور ليست بسيطة‏,‏ لأننا نعيش نتاج عقود من إنتاج الفتاوي التي يطلقها بعض من غير المتخصصين أو غير المؤهلين علميا وأزهريا للتصدي للافتاء بين الناس‏,‏ وعقود من تسييس الفتاوي بل وتسليعها من آسف‏!‏ ومن ثم المواجهة الفقهية الصحيحة ستتطلب وقتا وجهدا‏,‏ وأتصور أن ذلك يتم من خلال حزمة من الأدوات يمكن أن أطرحها علي النحو التالي‏:‏
‏1‏ رصد الظاهرة بواسطة الباحثين والأزهر الشريف ومراكز إنتاج الفتاوي‏,‏ وأسبابها‏,‏ وأهدافها وتوجهات الخطابات الافتائية وأصولها ومصالحها‏.‏
‏2‏ معرفة المصادر النقلية أو التفسيرية أو التأويلية للفتاوي والكشف عن تناقضاتها أو مدي صلاحية بعضها أو غالبها ومدي صحته من الناحية الشرعية‏.‏
‏3-‏ إشاعة التفسيرات الدينية والفقهية الصحيحة بلغة ميسرة وسلسة من خلال الإنترنت‏,‏ والكتب‏,‏ ووسائل الإعلام لإشاعة ومراكمة ثقافة دينية اعتدالية فق والقيم الإسلامية الفضلي‏.‏ بالمناسبة يمكنك أن تلاحظ تأثر بعض الوسط المسيحي المصري بذهنية الفتاوي‏,‏ وقيام الجمهور بطرح أسئلة علي كبار رجال الدين‏,‏ ويقومون بإجابات ذات طابع افتائي‏!‏ هذا حلال وهذا حرام كنسيا‏!‏
هل التجديد في الفكر الديني ممكن في ظل الأمور المعقدة التي شرحتها؟
طبعاي التجديد هو ابن للحرية العقلية والسياسية‏,‏ وفي البحث والدرس الأكاديمي الرصين والجاد والشاق‏.‏ نعم التجديد هو الحرية الخلاقة المسئولة والديمقراطية‏.‏ نحن إزاء تحديات عاصفة أمام العقل الإسلامي‏,‏ الموقف من الإنسان والعالم والعلم والتقنية فائقة التطور وذلك في ظل أسئلة مختلفة ومغايرة للأسئلة القديمة التي ألفها الفقه والفكر الديني الإسلامي والمسيحي‏.‏
الإسلام يعاني من تضخم الصور السلبية والنمطية حوله في عالمنا‏,‏ ونحتاج إلي جهد شاق وخلاق لتغيير الصور غير المنصفة حول الدين العظيم‏!‏ ومن آسف ساهمنا بتخلفنا وتدهور أوضاعنا العقلية والفكرية في إضفاء صور سلبية داعمة للصور النمطية الغربية السلبية‏.‏ أن تجديد وتطوير بنية العقل الإسلامي والعربي مسألة ممكنة في ظل تزايد الطلب الاجتماعي والسياسي علي الحريات والديمقراطية‏,‏ والحاجة إلي تعليم مختلف‏,‏ وخطابات دينية عصرية تجيب علي أسئلة وتحديات عالمنا المعولم‏.‏
أتصور أن الإمام الأكبر د‏.‏ أحمد الطيب لديه رؤية إصلاحية وتحتاج إلي دعم المثقفين ورجال الدين المصلحين لتطوير الأزهر الجامع والجامعة‏,‏ واعتقد أنه قادر ومعه بعض العلماء الأفاضل علي تحقيق هذا التوجه‏.‏
هل الإصلاح ممكن في الكنيسة الأرثوذكسية؟
طبعا نحن الآن أمام عدة ظواهر تشكل طلبا علي التجديد الكنسي منها‏:‏ بروز ظاهرة بعض‏'‏ العلمانيين الأقباط‏',‏ وبعض المطالب الإصلاحية المطلوب تحقيقها في مجال الأحوال الشخصية‏.‏ بروز اتجاه يطالب بتطوير المؤسسة وأفكارها‏,‏ وخاصة في ظل أجيال جديدة تحتاج إلي خطاب ديني مختلف سواء في الداخل‏,‏ أو بين أبناء أقباط المهجر‏.‏ هناك بعض الإصلاحيين داخل المؤسسة وعلي رأسهم الأنبا موسي علي سبيل المثال‏,‏ وهو رجل استنارة وحوار وبناء جسور بين أبناء الوطن الواحد‏.‏ التطور الديمقراطي والحرية ستدعم اتجاهات التجديد في الفكر والمؤسسة الدينية الأرثوذكسية والإسلامية معا‏.‏
إعمال قيم المواطنة‏,‏ وتعديل بعض القوانين ورفع أية أشكال تمييزية بين المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين‏,‏ رجال ونساء‏..‏ إلخ‏,‏ سيؤدي إلي كسر الجمود داخل المؤسسات والأفكار‏,‏ وسيولد طلب اجتماعيا وسياسيا علي فكر وخطاب ديني إسلامي ومسيحي تجديدي‏.‏
في ظل الحرية العقلية والدينية ستنهار قلاع الجمود والمحافظة وتسييس الدين ورجالاته التي جعلت بعضهم يتصور أنه ممثل سياسي عن جزء مهم من الأمة المصرية‏.‏ التغيير والتطوير سيحدث بالمواطنة الكاملة ورفع كل أشكال التمييز والديمقراطية والمشاركة الكاملة للأقباط ولكل المصريين في إدارة شئون بلادهم‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.