فؤاد زكريا واحد من أبرز بناة مؤسسي الفكر الفلسفي المصري والعربي في النصف الثاني من القرن العشرين بلا نزاع وذلك بعد جيل الاساتذة المؤسسين للدرس الفلسفي الأكاديمي في بلادنا, واستطاعوا تحويل الخطاب حول الفلسفة والانتاج الفلسفي والمعرفي من الممارسة العفوية والتضمينات العابرة في كتابات بعض المثقفين والكتاب الي دراسة منهجية منضبطة. فؤاد زكريا احد هؤلاء الذين قاموا بتأصيل الانتاج والخطاب الفلسفي الرفيع علي مستويين أولهما الدرس الاكاديمي والتأليف الرفيع وضبط الاصطلاحات الفلسفية ودلالتها ومعانيها في الدرس والتمرينات الفلسفية الخلاقة, ثمة انجاز تاريخي قام به ويتمثل في تحويله ونقله الفلسفة من عليائها لكي تمشي علي الارض وبين الناس وفي الطرق, وفي أطر الحياة اليومية لم تعد الفلسفة اسرارا وتبريكات وايقونات معقدة ولاهوتا ومن الممارسات المعرفية العالمةsavant وسعي نحو محاولة تغيير العالم وليس محض تفسيره. ظل الفيلسوف الكبير يحاول المزاوجة بين التفسير والتعليل للظواهر الاجتماعية والسياسية والدينية والفكرية وتحطيم المقولات الشائعة واكاذيب وأوهام العامة من المثقفين والمتعلمين وآحاد الناس وبعض أو غالب الأفكار القديمة لغالب رجال الدين عموما. أنزل الفلسفة الي الحياة بكل دينامياتها وحيويتها ومشكلاتها الظاهرة والمضمرة كي تحاول تغييرها وتحويلها وتشكيلها نحو الأفضل. ان تكييف الانتاج والممارسة الفلسفية المعرفية والتطبيقية للفيلسوف المصري الكبير تشير الي تراوحه بين التيار الليبرالي اليساري والليبرالي المحافظ وهو ما يبدو من موقفه من نقاد توفيق الحكيم الماركسيين واليساريين حول كتاب عودة الوعي, وممارسته النقدية للماركسية الستالينية وشروحها, والممارسة الكهنوتية لها في غالب الخطابات الأيديولوجية العربية. نقد التجربة الناصرية وخطاباتها وأساطيرها السياسية, والاجتماعية وفق المعني الإيجابي للأسطورة والكلاشيهات الكبري كما برز في عديد كتاباته, ولاسيما ازاء نقد خطاب الأستاذ محمد حسنين هيكل في مؤلفه كم عم الغضب؟ مفكر وفيلسوف عظيم اثر في مسارات فكرنا التي رادها كتاب كبار من طه حسين الي العقاد ويحيي حقي ولويس عوض وزكي نجيب محمود وعبدالرحمن بدوي وأحمد أمين والأستاذ الأكبر أنور عبدالملك وخطابه الفلسفي السياسي النقدي والتحليلي....الخ وآخرين. رجل تصدي بأرفع مستويات المطارحة الفلسفية والعلمية لنقد الخطابات والشعارات الأصولية السياسية والشعارات والتفسيرات والمتخيلات الميتافيزيقية الوضعية البشرية الشائعة حول الدين عموما والإسلام العظيم خصوصا وهو دين العقلانية والحرية والعدالة. تصدي لمحاولة بعضهم نفي الجهد الخلاق والفعل الانساني الابداعي للعقل العسكري المصري وجهود الأمة والمؤسسة العسكرية المصرية في ميادين القتال حول التقليد التاريخي المصري, وهو العروة الوثقي بين الجيش والأمة, كما صاغها أنور عبدالملك في كتابات فلسفية رفيعة تنظيرا وتفلسفا وتطبيقا ومن الشيق اهتمامه بالموسيقي تحليلا وتذوقا وكتابة كأستاذنا الكبير يحيي حقي أجيال مؤسسة صنعت ولاتزال القوة الامبراطورية الناعمة والمبدعة لمصر في اقليمها بل وفي انتاج رسالتها الانسانية بين الامم وفي عالمها. المزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح