هل يعود ماسبيرو مرة أخرى إلى زمن صفوت الشريف وأنس الفقى.. إنه حلم لوزير الإعلام صلاح عبد المقصود ولكنه من المؤكد سوف ينقلب إلى كابوس.. أعلم أن ماسبيرو هو أرض النفاق، والأغلبية فى هذا الجهاز تدربت على السمع والطاعة وطموحهم لا يتجاوز برنامج أو مكافأة.. إلا أن الجديد فى المعادلة والتى لم يدركها عبد المقصود أن الإنجاز الأهم للثورة، ومهما قالوا إنها هُزمت، فإنها انتصرت فى تحقيق شىء واحد سيغير وجه مصر إنه كلمة لا. الوزير قرر إيقاف بثينة كامل لخطأٍ، هو أول من يعرف أنه ليس خطأها، عندما قالت المذيعة فى تعقيب خاص «شالوا ألدو جابوا شاهين» وذلك تعقيبا على تغيير مدير أمن شمال سيناء.. المذيعة لم تدل برأيها أمام الكاميرا، ولكن بسبب خطأ هندسى استمع المشاهدون إليها، وهى حائرة بين ألدو وشاهين.. لا أحد فى الدنيا يحاسب أحدا على الدردشة حتى النكت التى تناولت كل رؤساء الجمهورية وقبلهم الملوك لم يُقدم أصحابها إلى التحقيق. جمال عبد الناصر مثلا كان يعلم أن الشاعر مأمون الشناوى والكاتب أنيس منصور كثيرا ما كانا يؤلِّفان النكت ضده بعد هزيمة 67، ولكنه فقط اكتفى بأن تصل إليهما المعلومة أن هذه النكت تجرح مشاعر الجنود على الجبهة وهو ما استجاب إليه الكاتبان الكبيران.
بثينة لم تقل سوى نكتة متداولة عن فريق الزمالك فى الستينيات عندما كان الزمالك كعادته يلقى الهزائم وتم تغيير حارس المرمى اليونانى ألدو بحارس مصرى وهو شاهين الذى اشتهر بأنه أول حارس مرمى فى تاريخ الكرة فى العالم أجمع دخلت شباكه كرة ألقيت إليه من حارس المرمى المنافس، قطعت الكرة الملعب كاملا واستقرت فى شبكة شاهين، فكانت النكتة التى صارت مثلا شهيرا لا يزال يتردد على مدى أكثر من نصف قرن.
الحقيقة أن القرار الثانى الذى أصدره الوزير هو الأخطر عندما قالت منى خليل فى برنامج «الشارع السياسى» تعقيبا ساخرا عن انقطاع الكهرباء فى الاستديو بأن الحكومة بدأت فى ترشيد الطاقة بقطع الكهرباء عن الاستديو.
من الواضح أن الوزير لم يقرر فجأة أن يُظهر العين الحمراء، ولكن هناك من طُلب منه أن يؤكد للجميع أن للدولة أنيابا وأظافر، وأن التليفزيون الرسمى على الأقل سوف يظل خاضعا للحاكم وأن تليفزيون مبارك هو تليفزيون مرسى.
ما فعلته المذيعة منى خليل لو حدث فى أى قناة فضائية أخرى كان سيحسب نقطة لصالح المذيعة التى أحسنت التصرف ووجدت خيطا موضوعيا بين ما يشعر به الناس وما جرى لها فى الاستديو.
الوزير يقول فى الصحافة لا أخونة للإعلام، وكل التغييرات التى نراها فى ماسبيرو هى الطريق السريع «الأوتوستراد» للأخونة، والضربات التى وجهت إلى المذيعتين هى العصا الغليظة التى قرر الوزير أن يحملها فى يده ومن المؤكد أنه بين الحين والآخر يسلمها إلى مرؤوسيه لكى ينهالوا بالعقاب على كل من تسول له نفسه انتقاد النظام. مأزق الوزير أنه لم يراع فروق التوقيت.. لا أعتقد أن ما أقدم عليه الوزير سوف ينتهى إلى الإذعان لقراراته. الوزير الواهم يعتقد أنه قد ضرب المربوط وسوف يُخيف السايب.
الوزير الواهم لا يملك فى يديه مقدرات ماسبيرو بعد أن تحرر عدد من المذيعين والفنيين فى ماسبيرو بعد الثورة من إحساس الموظف الذى ينفذ التعليمات حرفيا.. المذيع صار لديه إحساس بأن هناك عينا أخرى ترصده وتقيِّمه وأنه لن يسمح له بأن يقول كنت مجبرا ولا أملك القرار، وماذا أفعل. إنها التعليمات، المشاهد هو الآن الذى يعمل له المذيع ألف حساب.
أعلم تماما أن هناك أغلبية ستنصاع، ولكنْ هناك هامشا من العاملين فى ماسبيرو قابل للزيادة لديهم موقف، وبالعدوى سوف نجد أن أكثر من مذيع ومذيعة ومخرج قرر أن يعلو صوته بكلمة لا.
المعركة القادمة ستنتقل مباشرة إلى الهواء قريبا، وربما يحدث خلال هذه الساعات سوف يفاجأ الوزير بأن هناك من تحرر من القيد وأعلن للمشاهدين رأيه وموقفه متحديا العقاب.
العاملون فى ماسبيرو ليسوا بحاجة إلى ضبط وربط. الوزير بهذه القرارات العشوائية هو الذى صار بحاجة إلى ضبط وربط!