أقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي حزمة من القرارات الاقتصادية ومورست ضغوطات عربية جديدة على سوريا، فلم يكف النظام العربي القرارات السابقة التي اقرها المجلس الوزاري العربي في اجتماعه السابق، كتعليق عضوية سوريا وغيرها من القرارات التي لا تدعو إلى إنهاء الأزمة فجاءت تلك القرارات الاقتصادية العربية بمثابة إعلان حرب على سوريا حكومة وشعبا، وهي للأسف الشديد تزيد الأزمة السورية اشتعالا، فسوريا لم تمانع قدوم بعثة المراقبين العربية ولكن من حقها أيضا إجراء التعديلات المناسبة لوثيقة بروتوكول البعثة من منطلق سيادتها على أراضيها، فكان من الأجدى بالنظام العربي التعاطي الإيجابي مع الأزمة في سوريا وعدم دفعها نحو المجهول الذي قد يأتي مستقبلا ليس على سوريا وحدها بل على الأمن القومي العربي عموما إن تحققت تلك الاستراتيجية الغربية التي تحاول كسر حلقات الثقل العربية الصامدة. لقد كان من المستحسن بالنظام العربي إتباع الحكمة في مسألة الرد السوري واعتماد رؤية متقاربة مع التعديلات السورية والرد عليها قبل اعتماد قرارات عاجلة في غضون يوم واحد، خاصة أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم كان قد أجرى اتصالا هاتفيا بالأمين العام لجامعة الدول العربية قبل إقرار تلك القرارات، وهو ما يعني رغبة سورية جادة في التعاطي مع النظام العربي في إيجاد طريقا للحل عبر البوابة العربية، إلا أن النظام العربي اعتمد حالة أشبه بالتحدي مارسها ضد النظام السوري والتي ربما تقود مستقبلا نحو الحل الخارجي كما حدث في ليبيا، وهي كارثة كبرى على الأمة العربية إذا ما نحا نحوها النظام العربي في هذه الأزمة، فهذا الدور القوي الذي تمارسه جامعة الدول العربية في التعامل مع الأزمة السورية ملفت للنظر رغم أن الجامعة لم تحرك ساكنا في العدوان الإسرائيلي على غزة، واليوم تنتفض هذه الجامعة لتمارس دورا سلبيا بتشديد العقوبات العربية على سوريا في مواجهة عنيفة مع سوريا الشام والتي قد تكلف الشعب السوري مزيدا من الخسائر والضحايا. لقد ذكرت في مقال سابق خطورة المسار العربي في الأزمة السورية وخصوصا أن النظام العربي لا يملك شيئا على أرض الواقع، ولا المعارضة بيدها شيء، وكل الأوراق بيد الحكومة السورية وهي من يملك زمام المبادرة، وبالتالي بات على النظام العربي التعاطي الإيجابي مع الحكومة السورية والتعاون معها والسير باتجاه الحل عبر الحوار لا وضع العراقيل في سبيل تحقيق ذلك، لذا حريا بجامعة الدول العربية اليوم إعادة النظر في تلك القرارات الاقتصادية التي أقرت ضد سوريا ومن المهم جدا فتح آفاق متجددة في الحوار بين الحكومة والمعارضة في دمشق وبإشراف جامعة الدول العربية، كذلك من المهم أيضا التنسيق مع الجانب السوري في مسألة التعديلات التي أجريت على وثيقة البروتوكول لبعثة المراقبين، كما يتطلب من الحكومة السورية وكما دعوت سابقا إلى توخي الحذر في استخدام القوة ضد المتظاهرين فالمحتجين أغلبهم إنما خرجوا بدافع البحث عن الإصلاح والخير لسوريا وبالتالي يجب على السوريين الشرفاء أن لا ينصاعوا للدعوات الخبيثة المتآمرة الصادرة من الخارج والتي تهدف إلى بذر بذور الشر والتفرقة والفتنة فيما بينكم صحيح أن الضحايا من المدنيين ومن رجال الأمن والجيش وهم من أبناء الشعب السوري الكبير، ولكن يجب عليكم أيها الأشقاء من أبناء سوريا الصمود أن تعودوا إلى جادة العقل والمنطق والحوار والعقلانية والحكمة في التعاطي مع هذه الأزمة رغم أن الجراح عميقة ونابعة من الجسد السوري العظيم، ويتطلب منكم الانتباه والتيقظ لما يحاك بكم من دسائس، وقد لا تجدون ما يسوق له أولئك المتآمرون الهادفون إلى تحقيق مآرب خاصة لهم، وعندها لن ينفع الندم. أيها الأخوة في سوريا الصمود وفي الوطن العربي الكبير.. ما ذهب من ضحايا من أبناء سوريا الحبيبة كاف لإنهاء الأزمة، وإذا كان الأمر غير ذلك فبين الأمرين أمر خطير، فويل للعرب من شر قد اقترب، فإما إنهاء الأزمة بالحوار الجاد والمصالحة الوطنية وأما الشيطان الخارجي الذي يتحين فرصته، والذي يمهد له بعض ذوي القربى والعقيدة للأسف الشديد، وعندما نتحدث عن ذلك فلا يعني أننا لا نكترث لمن سقط من أرواح في هذه الأزمة، ولا شك أن هناك الكثير من المتشددين الحانقين على مثل هذا الطرح ولكن سنتحمل كل السهام طالما ندافع عن مبدأ، ونعلم أن الحل بيدنا لا بيد الغرب، وإذا كان من حل غير ذلك في مثل هذه الظروف فليطرح لإنهاء الأزمة بشرط ألا يكون الحل هو القاذفات الأطلسية ومناصرة الصليب، فالتاريخ يتحدث عن نفسه ويجب أن نكون أكثر دقة في قراءته، لذا نرجو من الأشقاء في سوريا وفي الوطن العربي الكبير إدراك ذلك كله، والمقارنة بين الحوار والحل العربي وبين غياب الحل وبالتالي التمهيد لدعوة الغرب لاستباحة الأراضي العربية وقتل الشعوب العربية. بات حريا بجامعة الدول العربية والبقية الباقية من العرب العمل بشكل إيجابي من أجل إنهاء الأزمة في سوريا بالطرق السلمية، وإعادة النظر في تلك القرارات العربية وإعطاء الفرصة للحكومة السورية والباب سيكون مفتوحا لبعثة المراقبين العربية وكذلك للحوار مع المعارضة الوطنية الشريفة، ووقف العنف من قبل الجيش السوري ولكن يجب إيقاف العنف أيضا من قبل الجماعات المسلحة المندسة وسط الجماهير الحاملة لشعلة الإصلاح، ومن المهم عدم الانصياع للخارج الذي يحاول قلب الطاولة على سوريا والعرب جميعا وأقربهم متربصا على حدودنا العربية.