لا يوجد شك أن النظام الحاكم في سوريا لديه الرغبة بالخروج من أزمتة الحالية ويبحث عن الأمن والاستقرار في بلاده، لكن الظروف الراهنة وعوامل أخرى يراها من وجهة نظره ساهمت في تعطيل تلك الرغبة، ومع أن استمرار قوات الأمن والجيش في استعمال القوة المفرطة لها ما يبررها حسب رؤية الحكومة السورية إلا أنه وبغض النظر عن مدى قناعة النظام الرسمي العربي بتلك المبررات، فقد كان الأجدى بالنظام الرسمي العربي أن يأخذ بيد الحكومة السورية في تحقيق ذلك الهدف المنشود لمساندتها في الخروج من أزمتها، أما من يتحدث عكس ذلك فهو لا يرى المشهد إلا من زاوية واحدة تتحكم فيها العواطف من خلال ما يبث في وسائل الإعلام المغرضة الباحثة عن إسقاط النظام فقط، وللاسف لا يوجد لدية البديل المناسب لإنهاء الأزمة ولم يكترث أيضا بالنتيجة النهائية في حالة الفشل السياسي العربي، ومن هنا فإن الضغط السياسي المباشر من قبل النظام الرسمي العربي على سوريا سوف يؤدي أخيرا إلى نهاية كارثية لا تحمد عقباها ليست على سوريا وحدها بل على الأمن القومي العربي عموما . ما أود توضيحه هنا أنه إذا كان النظام الرسمي العربي ليس لديه الآلية أو القدرة على التغيير وإذا كانت المعارضة السورية لا تمتلك شيئا على أرض الواقع والنظام في سوريا هو من يمتلك زمام المبادرة حتى الآن، فإن الحل المنطقي الذي يستوجب تبنيه هو مساندة الحكومة السورية والتماشي معها في سبيل إنهاء الأزمة، والقبول بالواقع البراجماتي للأزمة آخذا بالاعتبار معطيات مهمة مثل موافقة الحكومة السورية على الورقة العربية والتعاطي الإيجابي مع اللجنة العربية المكلفة بالمتابعة، والموافقة الرسمية السورية على بعثة المراقبين العربية، لذا فالواقع يفرض نفسه على النظام الرسمي العربي لتبني مسار آمن لحلحلة الأزمة في سوريا تجنبا للحل الخارجي، أما تجاوز تلك الحقائق والمعطيات وتجاوز الحل السياسي العربي وجر الأزمة نحو التدويل وانتهاءً باعتماد الحل الخارجي فهو تجاوز للأمن القومي العربي وسيجر المنطقة نحو ويلات واستعمار خارجي جديد ليست بخافيةً أهدافه على أحد ولا ينكرها عاقل لذا فالواجب العربي يفرض نفسه على الجميع للتحلي بمبادئ ومواثيق العمل العربي المشترك، والعودة من جديد لاحتواء الأزمة في سوريا بدلا من محاولة تصعيدها وجرها نحو التدخل الخارجي، ولا نود هنا الدخول في مناكفات خاسرة في تحليل هذه القضية، فطالما هناك قناعة أكيدة أن الطرف الخارجي لدية مصالح وأهداف استراتيجيه في المنطقة فذلك يستوجب من العرب معالجة أمورهم وقضاياهم بأنفسهم وبالحكمة طالما يوجد تجاوب من الطرف السوري أما الانسياق وراء أطياف من المعارضة تحاول تأجيج الأزمة وتسويق الفتنه فذلك لا يبشر بالخير بل يعتبر غير بريئ أيضا من الدماء التي سالت على التراب السوري ولا اقصد هنا المعارضة الوطنية الشريفة ولا اقصد أطلاقا أبناء الشعب السوري المطالبين بالإصلاح، وإنما أعني من يحاول الظهور على الساحة بهدف الإصلاح وهو أبعد ما يكون عنه بل يتاجر بالقضية السورية باحثا عن موقع لن يجده في نهاية المطاف، ولن يقف أبناء سوريا الشرفاء في موقف المتفرج إذا ما شعروا بالخطر الخارجي يداهم بلدهم. إنني لا أتحدث باسم النظام السوري ولست ضد كفاح الشعوب ومطالبهم بالبحث عن مستقبل آمن في بلادهم، وكنت أول من رفع راية التأييد عندما قامت الثورة في مصر مباركا ذلك النصر الذي تحقق بإرادة شعبية خالصة، ولكني أحاول وضع مقارنة بين الحلول والنتائج إذا ما كان الفعل الخارجي هو الفاصل في الأزمات العربية، وما زال التدخل الخارجي في بعض الدول العربية والإسلامية ماثلا للعيان، ولا نعلم إلى ما ستؤول إليه الأمور غدا في ظل استراتيجية غربية تحاول السيطرة على الأوضاع في المنطقة، وهو ما أشار إليه أكثر من كاتب ومفكر عربي، ومن هنا فإن المبادئ والأخلاقيات وحقوق الشعوب العربية التي يتحدث عنها الغرب هم ابعد ما يكون عنها وإلا لكان حريا بهم التدخل الفاعل في قضية فلسطين طالما أن الغرب يمتلك تلك القناعة والإيمان الراسخ بحقوق الشعوب . ما زال هناك بصيصا من الأمل العربي في احتواء الأزمة مع وجود بقية باقية من أبناء الأمة العربية من المسئولين والشعوب تواقون لتفادي الخطر الخارجي الداهم على المنطقة العربية، أما من يتغافل عن هذه الحقائق تماشيا مع العواطف أو مع ما تنقله بعض الفضائيات العربية للأسف الشديد فعليه إيجاد البديل المناسب الآمن قبل توجيه انتقاداته، وإذا كان الإيمان بالطرف الخارجي هو الحل في قضايانا العربية فقد خاب أمله وأذكره بما قال الشاعر : إنا مشينا وراء الغرب نقبس من . . . ضياءه فأصابتنا شظاياهُ بالله سل خلف بحر الروم عن عربٍ . . . بالأمس كانوا هنا واليوم قد تاهوا وأنزل دمشق وسائل صخر مسجدها . . . عمن بناهُ لعل الصخر ينعاهُ ورسالتي الأخيرة موجهة إلى أبناء الشعب السوري الأوفياء للوطن السوري فهم حلقة الميزان التي يجب أن توازن الأمور وتضعها في نصابها، فلا تنصاعوا للمغرضين الذين يحاولون تدمير بلادكم والزمان كفيل بالتغيير، والرحمة لمن قضى في هذه الأزمة باحثا عن غدٍ آمن أو مؤديا لواجبه الوطني المقدس .