.. مع الاحترام الشديد للقرارات التي صدرت من قبل المجلس الوزاري العربي الذي انعقد يوم السبت الماضي 11نوفمبر 2011م فقد كانت تلك القرارات العربية بمثابة تصعيد عربي مباشر ضد النظام السوري وربما لم يساهم في علاج الأزمة أو احتواءها حيث لم يمنح النظام العربي الرسمي الوقت الكافي للورقة العربية التي وافقت عليها دمشق مسبقا، بل ربما تسهم تلك القرارات في إغلاق الباب أمام الحلول السلمية وقد تؤدي إلى جر الأزمة السورية نحو التدويل، في الوقت الذي باشرت فيه الحكومة السورية بسحب بعض الآليات والقطع الحربية من بعض المدن، وقامت بإطلاق مئات من المعتقلين تعبيرا عن بادرة حسنة في طريق معالجة الأزمة، فيما تم الإعلان عن العفو العام عن المسلحين، وما زالت الحكومة السورية تتعاطى بايجابية مع اللجنة العربية المكلفة بإيجاد مخرج لهذه الأزمة، صحيح أن تلك الإجراءات المتخذة من جانب الحكومة السورية لم تشمل مسألة وقف العنف التي كانت تتصدر الورقة العربية ولكن الأزمة السورية ليست بالصورة التي يراها المشاهد من بعيد من خلال بعض المحطات الإعلامية التي لم تسلك مسار المهنية في التعاطي مع الأحداث في سوريا والتي تبنت حملة شرسة واضحة ضد النظام في سوريا محاولة التأثير على الرأي العام العربي، وبالتالي فإن ما غاب من بقية المشهد السوري، بالإضافة إلى ممارسة العنف والعنف المضاد جعل الأزمة في وضع خطير وجعل الجماهير العربية منقسمة حولها . إن الأزمة في سوريا تحتاج إلى مزيد من الوقت لتنفيذ كافة بنود المبادرة العربية، ومن المهم على الحكومة السورية أيضا توخي الحذر في استخدام العنف بالمقابل على الطرف الآخر أن يلتزم بالتظاهر السلمي وعدم استهداف قوات الأمن والجيش، وهو للأسف ما لم يحدث حيث سقط في الأيام الأخيرة عشرات الضحايا من المتظاهرين ومن قوات الأمن والجيش ما يؤكد أن هناك دعم خارجي لتسليح المعارضة وقد علق على ذلك وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عندما ذكر أنه يجري تهريب السلاح من تركيا والعراق ودول أخرى وهذا على لسان شخصية تدرك ما تقوله قبل تفنيد اتهامات معينة، كما ندد الوزير الروسي بتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية معتبرا ذلك قرارا غير صائب، واتهم لافروف الغرب بتحريض المعارضة السورية على تغيير النظام، ولذا فمن الواضح أن الدور الخارجي يأتي لتصعيد الأزمة وتفاقمها . إن ما يشاهد خلف المحطات التلفزيونية المغرضة لا يقود إلى فهم الحقيقة وتفاصيل الأحداث كاملة، لذا كان حريا بالنظام العربي إرسال لجنة مراقبة عربية قبل إصدار مثل تلك القرارات القوية للإطلاع على حقيقة الأحداث وتقصي الحقائق على أرض الواقع وهو ما تتجه نحوه الجامعة العربية الآن باعتماد لجنة مؤلفة من أكثر من (500) شخصية من القانونيون والإعلاميون والعسكريون والحقوقيون الذين يتمتعون بخبرات واسعة في مراقبة أراضي الصراع، كما لا يجب أن يفوت الجامعة العربية أيضا أنه يتوجب على المعارضة السورية وبكافة أطيافها الالتزام بالورقة العربية إن كانت ترغب في الحل العربي ما يلزمها بأن ترسل إشارات واضحة في طريق حل الأزمة والمساهمة في تهدئة الموقف وامتصاص غضب الجماهير لإفساح المجال أمام النظام السوري في تنفيذ بنود الورقة العربية، أما اعتماد النقيض فهو ما ينعكس سلبا على الحكومة السورية في تنفيذ بنود الورقة العربية . لقد خرجت القرارات العربية الأخيرة مغلقةً الباب أمام الحلول السلمية للأزمة بدلا من احتواءها! وكان حريا بالوزاري العربي التريث قليلا ومنح المزيد من الوقت للحكومة السورية من أجل مباشرة الحل، وكان من المناسب أيضا تكليف المعارضة السورية بدور أكثر وضوحا للتعامل بايجابية مع المبادرة العربية لكن يبدو أن موقف المعارضة غير واضح من تلك الورقة، في وقت كان يجب على الحكومة السورية تنفيذ كل ما جاء فيها فورا! بل أن من الملاحظ أن القرارات العربية الأخيرة جاءت محددة الخيارات أمام الحكومة السورية في وقت تمارس فيه الحكومة السورية بعض الإجراءات على طريق الحل، فيما يبحث العرب عن حل لا زال بيد الحكومة السورية، لا سيما أن النظام السوري هو من يمتلك زمام الموقف ويحكم السيطرة على الجغرافيا السورية، وهناك الملايين من أبناء الشعب السوري المؤيدة للنظام والتي خرجت في حشود مليونية منددة بقرارات الجامعة العربية وهي متمسكة بقيادتها وحكومتها ومن المنطق والمهم الاستماع إليها أيضا، كما أن الجيش العربي السوري مواليا للنظام بقوة، ولا نغفل أن الظروف الدولية ما زالت في صالح سوريا نظرا إلى أن روسيا والصين لا يمكن أن تكرر النموذج الليبي في سوريا رغم انه لا يمكن التعويل عليها كثيرا، ولكن بشكل عام فالأوراق كلها بيد النظام، لذا كان مجديا لو أرسل العرب لجنة تقصي الحقائق مع وسائل إعلام محايدة أولا واحتواء الموقف بدلا من تأجيجه، فالأهم في المسألة السورية اليوم هو الحفاظ على وحدة التراب الوطني السوري لما له من تأثير على الأمن القومي العربي نظرا لان سوريا تحتفظ بكثير من موازين الثقل العربي فهي إحدى قلاع الصمود والممانعة التي تتبنى المقاومة العربية، وكلها أوراق هامة في صالح الأمة العربية، رغما عما يحاول البعض إثارته حول سوريا ! ومن خلال هذا السياق فإنني أدعو المجلس الوزاري العربي المنعقد اليوم في الرباط إلى إعادة تقييم الأزمة في سوريا من جديد واعتماد الحلول الدبلوماسية الحوارية مع دمشق وتفعيل دور اللجنة العربية والعودة إلى مسار آمن لاحتواء الأزمة في سوريا بدلا من إغلاق الباب أمام الحل السلمي واعتماد مسار خاسر سوف ينصب لاحقا في صالح القوى الخارجية المتربصة بالوطن العربي عموما، والتريث قليلا في التأكيد على بعض القرارات الصادرة مثل تعليق مشاركة الوفود السورية في الجامعة العربية، أو الدعوة لسحب السفراء العرب من سوريا، أو الدعوة خلال أيام للتباحث مع المعارضة لبحث آلية لتنسيق وضع انتقالي، فكلها إشارات خطيرة غير مضمونة العواقب على الوطن السوري، وربما تؤدي في نهاية المطاف إلى مزيد من الدماء السورية، كذلك أدعو الحكومة السورية من هنا إلى توخي الحذر في التعامل مع المظاهرات لوقف سفك مزيد من الدماء فهم أبناء سوريا وخرجوا من أجل مطالب مشروعة ويجب مباشرة الحوار من جديد مع المعارضة الوطنية، رغم أن هناك من يحاول الاستفادة من هذه الأزمات العربية، وهناك من يقوم بتنفيذ أجندة خارجية ويسلك طريق الشيطان خدمة للأغراض الامبريالية في المنطقة ولكن سوف تخيب أمانيه، ويجب أن يتدارك السوريون الشرفاء خطورة الموقف وعدم السماح لقوى الاستعمار الخارجي بالعودة من جديد تحت ستار حقوق الشعوب وهم أبعد ما يكون عنه!