أبدأ بالنكتة التالية، مع الاعتذار للمستورد العبقري الذي مصرها.. يقال إن رجلاً وامرأة كانا يتمشيان الهوينا والتقيا صدفة في الشارع بصديق للأول، وبعد السلامات والتحيات والسؤال عن الصحة والأولاد، قال الرجل صاحب المرأة فجأة لصديقه: أمس احتفلنا احتفالاً رائعاً بالعيد العشرين لجوازنا.. ياريتك كنت معانا.. كل سنة وأنت طيب.. كل سنة وأنت طيبة ياهانم وعقبال ميت سنة.. وياتري احتفلتم فين؟ في مطعم هايل .. هايل جداً ورخيص كمان.. حقيقي .. آه وعهد الله .. مطعم عبقري فعلاً.. اسمه إيه المطعم ده؟ دلني عليه أرجوك عشان أعزم مراتي فيه.. اسم المطعم ؟ أيوه..!! طيب بقولك إيه .. تعرف الزهرة الحمراء إلل.... اسمه مطعم «الزهرة الحمراء»؟ لا يا أخي.. أنا باسألك الزهرة الحمراء ذات الساق الطويلة المملوءة بالشوك .. فاكر اسمها إيه؟! تقصد «الوردة».. مطعم الوردة؟ يا سيدي لأ برضه، اصبر شوية (ثم مخاطباً المرأة التي بجواره) باقولك يا«وردة» ياحبيبتي، فاكرة المطعم اللي احتفلنا فيه امبارح بعيد جوازنا اسمه إيه؟! ردت المرأة بهدوء : أولاً ده مش عيد جوازنا، ده عيد ميلادك إنت، وثانياً ميعاده لسه بكره مش إمبارح، وثالثا أنا أصلا مش «وردة» مراتك ... تلك النكتة في الحقيقة علاقتها ليست وثيقة جداً بحكاية أن النظام وحكومة سيادته افتكروا المصريين «الفقراء» فجأة كده هذه الأيام وهما بيتمشوا الهوينا علي جثة البلد، دون أن يتذكروا طبعا الشخص المجهول الذي أفقرهم ويكاد يقتلهم من الجوع وأحياناً من العطش أو من الضحك .. ومع ذلك لا بأس، بل لطيف وطريف جدا أن نسمع صباح مساء كل هذا الجعير والغناء للفقر والفقراء والفقريين عموما، خصوصاً أن أغلب المجعرين (بالصدفة البحتة) مليارديرات تضخمت كروشهم ب«السياسات» والسحت الذي نهبوه من دم الشعب المصري. لكن ربما تشعر حضرتك ببعض «البأس» في بطنك وكثير من الغيظ في قلبك وأنت تسمع «الغنيوة» الأكثر شيوعاً ورواجاً حالياً من بين كل محتويات «الألبوم الفقري»، أي تلك التي تتحدث عن إلغاء ما تبقي من دعم الطاقة بحجة أن «تعليم» و«صحة» الفقراء زي الزفت، ومن ثم فهما أولي بقيمة هذا الدعم من الكهرباء والبنزين والسولار وخلافه!! ومصدر البأس والغيظ في هذه «الغنوة» بالذات ليس أن النظام تذكر فجأة أن سياسات سيادته الاقتصادية والاجتماعية المنحازة للحرامية والتي تراكمت علي مدي العشروميت سنة الأخيرة أنهت تقريباً كل «تعليم» وأي «صحة» في البلد، وإنما ما يفقع المرارة حقا هو ذلك المقطع التبسيطي العبيط (حتي لا أقول الغارق في التدليس والنصب) الذي صدح به واحد من أصحاب المعالي الوزراء في أحد المؤتمرات قبل أيام، إذ قال لا فض فوه ومات حاسدوه: «المواطن الفقير قليل الاستخدام للطاقة، وهو مثلا لا يتعامل مع وقود السيارات أبدا»، بما يعني أن معلومات معاليه عن الفقراء أنهم يستخدمون وسائل النقل مرة واحدة فقط أثناء وجودهم في الدنيا.. يوم يذهبون إلي الآخرة !!