رئيس الوزراء يشهد افتتاح جامعة السويدى للتكنولوجيا "بوليتكنك مصر" بالعاشر من رمضان.. ويؤكد: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    ممثل أوبر للنواب: استحداث زر استغاثة عاجلة SOS.. ونائبة تطلب إغلاق التطبيق    «تقدر في 10 أيام».. «حياة كريمة» تقدم نصائح لطلاب الثانوية العامة    استهدف حزب الله مركزًا لجيش الاحتلال الإسرائيلي بالصواريخ الموجهة    بعد العودة إلى الممتاز.. غزل المحلة يعلن التجديد لعيد عبد الملك    انقسام كبير داخل برشلونة بسبب تشافي    التحريات ترجح عدم وجود شبهة جنائية في حادث الفنان عباس أبو الحسن    السرب المصري الظافر    تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بختام تعاملات جلسة الإثنين    «سوميتومو» تستهدف صادرات سنوية بقيمة 500 مليون يورو من مصر    وزير الرى يلتقى أمين عام المنظمة العالمية للأرصاد الجوية    أزمة بين إسبانيا والأرجنتين بعد تصريحات لميلي ضد سانشيز    «التخطيط» تعقد ورشة حول الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان للعاملين بالوزارة    أول تعليق من التنظيم والإدارة بشأن عدم توفير الدرجات الوظيفية والاعتماد ل3 آلاف إمام    قائمة الأرجنتين المبدئية - عائد و5 وجوه جديدة في كوبا أمريكا    حجز شقق الإسكان المتميز.. ننشر أسماء الفائزين في قرعة وحدات العبور الجديدة    إصابة 8 أشخاص بحادث تصادم ميكروباص وربع نقل بالطريق الزراعى فى أسوان    تحرير 174 محضرًا للمحال المخالفة لقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    محافظ دمياط تستقبل نائب مدير برنامج الأغذية العالمى بمصر لبحث التعاون    كاريكاتير اليوم السابع يحيى ذكرى رحيل سمير صبرى    الأوبرا تحتفل بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    "القاهرة الإخبارية" تعرض لقطات لتجمع إيرانيين حدادا على وفاة إبراهيم رئيسي    "اليوم السابع" تحصد 7 جوائز فى مسابقة الصحافة المصرية بنقابة الصحفيين    القاهرة الإخبارية: المتظاهرون يغلقون الطرق المؤدية إلى الكنيست ويطالبون بصفقة لتبادل الأسرى    يعالج فقر الدم وارتفاع الكوليسترول.. طعام يقي من السرطان وأمراض القلب    إجراء 19 عملية زراعة قوقعة للأطفال بسوهاج    هل يوجد مشروب سحري لزيادة التركيز يمكن تناوله قبل الامتحان؟.. استشاري يوضح    هيئة الدواء تشارك باجتماع منظمة الصحة العالمية حول استخدام المضادات الحيوية    إلهام شاهين تحيي ذكرى سمير غانم: «أجمل فنان اشتغلت معه»    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. الإفتاء توضح    بدأ العد التنازلي.. موعد غرة شهر ذي الحجة وعيد الأضحى 2024    تراجع ناتج قطاع التشييد في إيطاليا خلال مارس الماضي    المالديف تدعو دول العالم للانضمام إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    انطلاق فعاليات ندوة "طالب جامعي – ذو قوام مثالي" بجامعة طنطا    الإعدام لأب والحبس مع الشغل لنجله بتهمة قتل طفلين في الشرقية    افتتاح دورة إعداد الدعاة والقيادات الدينية لتناول القضايا السكانية والصحية بمطروح    العمل: ندوة للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية ودور الوزارة فى مواجهتها بسوهاج    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    ليفربول ومانشستر يونايتد أبرزهم.. صراع إنجليزي للتعاقد مع مرموش    شيخ الأزهر يستقبل سفير بوروندي بالقاهرة لبحث سبل تعزيز الدعم العلمي والدعوي    العثور على طفل حديث الولادة بالعاشر من رمضان    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    الرئيس الجزائري: فقدت بوفاة الرئيس الإيراني أخا وشريكا    بروتوكول تعاون بين التأمين الصحي الشامل وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية لتطوير البحث العلمي فى اقتصادات الصحة    برنامج "لوريال - اليونسكو" يفتح باب التقدم للمرأة المصرية في مجال العلوم لعام 2024    توجيه هام من الخارجية بعد الاعتداء على الطلاب المصريين في قيرغيزستان    براتب خيالي.. جاتوزو يوافق على تدريب التعاون السعودي    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة "الحلول الابتكارية"    10 ملايين في 24 ساعة.. ضربة أمنية لتجار العملة الصعبة    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    مرعي: الزمالك لا يحصل على حقه إعلاميا.. والمثلوثي من أفضل المحترفين    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    بدأت بسبب مؤتمر صحفي واستمرت إلى ملف الأسرى.. أبرز الخلافات بين جانتس ونتنياهو؟    خلاف في المؤتمر الصحفي بعد تتويج الزمالك بالكونفدرالية بسبب أحمد مجدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صافي ناز كاظم‏:‏أنا مسلمة لامذهبية
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 08 - 2010

صافي ناز كاظم أصفهاني اسم ارتبط باكلشيهات وأكاذيب التصقت بصاحبتها‏,‏ فقيل عنها شراركم في الشيوعية‏..‏ شراركم في التشيع ولم تكن يوما لا هذا ولا ذاك‏.‏ لذلك اعتادت ألا تصدق الأكاذيب التي تطول الآخرين‏.. ليست من محبي الشهرة أو هواة الاختلاف في الرأي‏..‏ لا مذهبية أو حزبية ولكنها مصرية مسلمة تعتز بانتمائها‏..‏ فهي تمثل قمة الاستقلالية والذروة التي يصل إلي عليائها كل صاحب فكر حر‏,‏ يدفع ثمن اختياراته ومواقفه التي يصوغها بكلمات حية نابضة من القلب لا الحنجرة‏..‏ لديها قدرة علي قول الحق لينا في البداية وطاقة علي الخصام والمقاطعة دون مواربة‏..‏ استقالتها حاضرة‏..‏ واسعة الحيلة وبنت نكتة‏..‏ شديدة الذكاء‏..‏ تكتب كهاوية بعذوبة متفردة‏..‏ راسخة القلم‏..‏ شهامتها بمائة رجل كما يقال‏..‏ تعتز وتدعو للتفتح علي العالم من منطلقاتنا الإسلامية‏,‏ فهي لا تحب القرداتي في الحياة والفن والأدب‏..‏ تقطع خط الرجعة علي المراسلين الأجانب حين يسألونها هل أنت أصولية؟ فتقول بل مسلمة مثقفة تستمع للقرآن الكريم وتحب موسيقي باخ وتشاهد مسرح العبث وتتعاطف مع هاملت الذي يقسو ويقول الحق لكي يكون رحيما‏..‏ آراؤها صادمة للمستقر والسائد‏,‏ وسنقرأ في العنوان الفرعي في الحوار آراءها في عبدالحليم حافظ وتوفيق الحكيم‏,‏ وآمال ماهر التي وصفتها بأنها ركيكة لأنها تقلد أم كلثوم ولا تحاول تفسير اللحن‏..‏ آراء نسبية لماذا نستبعدها من وجهة نظرها‏..‏ لذلك يا سعده يا هناه اللي تحبه صافي ناز كاظم‏,‏ سيسمع قصائد الشهد المصفي‏,‏ لكنها لن تحيد أيضا عن حقيقة قناعاتها‏.‏
بدأت العمل بالصحافة قبل تخرجك في الجامعة عام‏1959‏ ليسانس آداب قسم صحافة فهل كانت الأجواء مهيئة لذلك أم أنها شرارة الموهبة المتفجرة بعناد منذ البداية؟
كلا السببين‏,‏ فقد عملنا مع عمالقة الصحافة مصطفي وعلي أمين وكانا يشجعان المواهب مصطفي أمين كان بابه مفتوحا والمناخ إنسانيا لأنه كان حريصا علي كرامة الصحفي ووضع كل موهبة علي مسارها الصحيح ثم يترك لها هامشا عريضا من حرية الكتابة والتعبير‏..‏ كنت طالبة تحت التمرين في أخبار اليوم ولم اتجاوز الحادية والعشرين حين اجريت حوارا خاصا بين الموسيقار محمد عبد الوهاب ود‏.‏ مصطفي محمود حيث كانا يتناقشان حول كتاب مصطفي محمود‏'‏ الله والإنسان‏'‏ وأبدي عبد الوهاب إعجابه الشديد به وقال إنه كان يعتقد أن الفيلسوف لابد أن يكون بالضرورة رجلا كحكوحة تساقطت أسنانه بينما كان د‏.‏ مصطفي محمود يحتضن العود ويغني أغنية عبد الوهاب‏'‏ أنا هيمان‏'‏ الذي اثني علي صوت د‏.‏ مصطفي وقال هناك طريقتان في الغناء طريقة عبد الوهاب وطريقة مصطفي محمود وحين سألت عبد الوهاب ماذا يعني الحب لك أجاب باختصار‏:‏ انشغال البال وأضاف د‏.‏ مصطفي إلي ذلك الاستعداد للتضحية والاهتمام فإذا اختفي الاهتمام‏..‏ مات الحب‏..‏ وابتسم عبد الوهاب قائلا‏:‏ أنه يفضل أن تكون حبيبته مريضة ومفلسة لكي يضمن أنها لن تخرج وستحتاج إليه دائما‏..‏ وعملت أيضا في بداية حياتي الصحفية براتب شهري خمس جنيهات في قسم المعلومات‏..‏ ولا أنسي تشجيع أحمد بهاء الدين وموسي صبري في بداية حياتي المهنية‏...‏ كلاهما كان يحتفي بوهج الموهبة ويحرصان علي أن تظل مشتعلة لا تنطفئ‏..‏ تربطني بأحمد بهاء الدين جسور متينة من الصداقة والاحترام والفهم المتبادل وهو حالة استثنائية في الصحافة العربية لم تتكرر من النزاهة والثقافة ويكفي إن الخلاف معه في الرأي لم يكن يعني أكثر من ذلك ولا يترتب عليه أية تبعات كما يفعل رؤساء التحرير عادة‏!!‏ وفي عام‏1959_22‏ عاما فقط‏_‏ قررت السفر إلي دول البحر المتوسط بصحبة شقيقتي فاطمة التي كانت تعمل معي صحفية بمجلة الجيل وكانت تقوم بتصوير اللقاءات‏..‏ وسافرت من بورسعيد وبدأنا الرحلة بطريقة‏'‏ الاتوستوب‏'‏ التي كانت حديثة العهد آنذاك فكنا نشير للسيارات المارة وننتقل بهذه الوسيلة داخل كل بلد والعمل لكي ننفق علي انفسنا ذاتيا وذهبنا إلي لبنان وعملت بالأرشيف بدار الصياد اللبنانية بعد مقابلة قصيرة مع الأستاذ سعيد فريحة الذي راعه مظهري حين شاهدني بالبنطلون والعتاد محمولا فوق ظهري شأن طلبة الكشافة فقال باللهجة اللبنانية‏:'‏ شو بده يعمل مصطفي أمين فرقة كوماندوز‏!!‏ وفي لبنان التقيت بالأديبة أميلي نصر الله وذهبت بصحبتها للقاء الكاتب الكبير ميخائيل نعيمة واستضافتنا فيروز وزوجها عاصي الرحباني في بيتها البسيط آنذاك وكانت في أوج مجدها واكلنا من يديها وكانت ابنتها طفلة رضيعة‏..‏ وتوالت بعد ذلك الرسائل التي كنت ارسلها لمجلة الجيل والتي نشرها موسي صبري رئيس التحرير آنذاك تحت عنوان‏'‏ أكبر مغامرة تقوم بها فتاة عربية عام‏1959'‏ وتنبأ أنني سأحتل مكانا مرموقا في دنيا الصحافة والفن وذهبت إلي اليونان وفرنسا وألمانيا وسويسرا وفي إيطاليا قابلت الأديب الشهير ألبرتو مورافيا صاحب رواية‏'‏ فتاة روما‏'‏ وأجريت معه حوارا ولم يكن شخصية سلسلة تسترسل في الحديث والحكي فهو يشبه اسلوبه تماما لا يندهش ولا يستنكر أي سؤال وهذا هو سر أسلوب مورافيا فهو بسيط بطريقة معقدة‏.‏
قررت السفر للولايات المتحدة الأمريكية عام‏1960‏ لدراسة المسرح بالرغم من أن عالم الصحافة آنذاك لم يكن يعبأ كثيرا بالتخصص فكيف ولدت هذه الرغبة الدراسية وما سبب هذه الاستقلالية المبكرة والاعتماد علي الذات؟
أنا بحكم طبيعتي ونشأتي وتكويني محبة للفن والأدب فوالدي محمد كاظم أصفهاني كان خبيرا بالخطوط وفنانا في آن واشترك مع خبراء خطوط آخرين في قضية المنشورات التي عرفت عام‏1920‏ بالقضية الكبري وكان متهما فيها حزب الوفد‏.‏
لقب العائلة يشير إلي أصول إيرانية؟
نعم جدي جاء إلي مصر في معية جمال الدين الأفغاني ووالدي حصل علي الجنسية المصرية عام‏1910‏ لكننا لم نتعلم كلمة واحدة فارسية نشأنا علي مشاعر الأخوة الإسلامية التي تربطنا بالآخرين منذ الصغر أدين بالفضل لخالي الأديب محمد فريد أبو حديد وكان متحمسا للنهضة الأدبية من منطلقاتها العربية ورثت عنه هذا الاتجاه اما سؤالك عن الاستقلالية فهو مرتبط بتكوين الشخصية وأنا في الرابعة عشرة من عمري كنت اكتب تعليقا علي الأحوال السياسية وردود الأفعال المسبقة فالإستقبال الثقافي لدي بدأ مبكرا بالاضافة إلي شعوري باليتم وأهمية الاعتماد علي الذات فوالدي توفي وأنا لم اتجاوز السابعة من العمر‏..‏ كنت أصغر اخواتي ووالدتي كانت سيدة حنونة لكنها حازمة للغاية قررت أن نستكمل جميعا تعليمنا العالي قبل السماح لنا بالزواج وكان سبب السفر الابتعاد عن مصر وأجواء العمل التي تبدلت والرغبة الصادقة في الدراسة والاستزادة بصورة علمية اكاديمية جادة فالنقد في مصر كان انطباعيا لا يخضع لمعايير محددة أو اكاديميا جافا منفصلا عن الجمهور في مصطلحات محددة والأهم من كل ذلك أنني كنت ولم أزل انظر للدنيا كأنها مسرح كبير كما قال يوسف وهبي واتعامل معها واستعين علي فهم الأحداث بأدوات النقد والتحليل فنشرات الأخبار مسرحية مستمرة المهم قررت السفر واستلفت ثمن التذكرة من الزملاء وقمت برد هذا الدين بالطبع في أول فرصة لأنني كنت أعمل وأدرس والتحقت بجامعة كانساس وحصلت علي دبلوم الدراسات العليا ثم حصلت بعد ذلك علي الماجستير في النقد المسرحي من جامعة نيويورك وعدت إلي مصر عام‏1966‏ وكنت أعد أول ناقدة مسرحية في مصر علي أسس أكاديمية لأن النقاد الأكاديميين كانت دراستهم أدبية وليست مسرحية‏!!‏
تحبين هذا المقطع من أغنية أم كلثوم وتردديه دائما علي حد علمي‏'‏ آواه ياليل طال بي سأمي وسألتني النجوم عن شغبي‏'‏ ألم يحدث شغب نبيل أو غضبة أثناء سنوات دراستك بأمريكا؟
تبتسم ابتسامة جميلة صادقة وتقول كلمة الشغب علي سبيل الممازحة تعني الحراك والإيجابية حتي ولو كانت مجرد خواطر حدث بالطبع حراك بهذا المعني فأنا لا اتقبل أية سلبيات أو اهدارا للحقوق وأقف بالمرصاد أمام الخطأ أو الظلم والمرة الأولي التي عبرت فيها عن غضبي كانت موجهة لاستاذي الأمريكي‏(‏ مالوني‏)‏ لأنه تطاول علي جامعة القاهرة بعبارات هجومية لم احتملها كقوله اننا نفتقد الروح الوطنية وقمت بالرد عليه في جريدة الجامعة وكنت أعمل آنذاك في معسكر كشافة لكي أدخر مبلغا ماليا خاصا بي انفق منه علي سعة إلي حد ما لأنني حصلت علي منحة واجتزت السنة الدراسية الأولي بنجاح‏,‏ ولكن بعد خلافي مع الأستاذ الأمريكي تم ايقاف مصروفات المنحة وقمت بدفعها من المبلغ الذي ادخرته وكان الدرس قاسيا لكنني تعلمت منه أن الديمقراطية كلمة مزعومة وعرفت الوجه الحقيقي العنصري لأمريكا‏.‏ كانت فترة الستينيات في أمريكا تعج بالمشاكل والقضايا الدولية وعلي رأسها حرب فيتنام التي هاجمها العديد من الشعب الأمريكي ويوم التخرج وأنا أرتدي الزي الرسمي للتخرج انضممت للطلبة المعارضين الذين وقفوا وقفة احتجاجية ضد الحرب في جامعة نيويورك‏.‏
كتبت ما يقرب من خمسة عشر كتابا بعضها مثل‏'‏ رومانتيكيات‏'‏ يكشف عن صوت شاعرة شديدة التميز فلماذا انقطع هذا الإلهام الشعري؟
توجد كتابات تتحول لطاقة شعرية ويخرج منها وميضا جميلا وهكذا تقرأ بعض أعمالي التي تتحدثين عنها إضافة إلي أنني كنت شاعرة كلية الآداب وأكتب قصيدة النثر وأن كنت اتحفظ علي المسمي فلا يوجد شئ اسمه قصيدة نثر فهي قصيدة شعر ولكنها أخذت شكلا جديدا مختلف ومي زيادة هي رائدة هذا المجال في الأدب العربي أما الكتابة بصفة عامة فأنا اعتبرها مخاضا حيث يصل القلق فيها إلي الذروة ولكن بعد النشر اشعر بالنشوة وأفرح كثيرا كأنني أكتب للمرة الأولي‏.‏
لماذا يصفك البعض بالنرجسية؟
تبتسم وترد علي الفور‏:‏ المفكر طارق البشري‏_‏ ابن خال والدتي له تعبير لطيف عن الإنسان المغرور‏'‏ واحد مستطعم روحه‏!'‏ لكني اعتدت ألا أتساند علي أحد وأستمد دائما من شعلة الحماس والتشجيع بداخلي وهجا يضئ أيامي فأنا أحاكم وأقيم نفسي جيدا وأشطب وأراجع ولا أحب الشفقة علي النفس أو الكتابة بنصف قلم أو كتابة الرقص البلدي كما اسميها‏.‏
وكان يجمعني برسام الكاريكاتير الشهير بهجت عثمان بعض الطرائف كأن نقول نحن لسنا نرجسيين ولكننا نحب أن نشجع الأصوات الشريفة‏!!‏ وكاتبتي المفضلة صافي ناز كاظم دون أدني خوف من الاتهام بالنرجسية‏!.‏
بهذه الخلفية الأكاديمية الأمريكية والاجتماعية ما الذي جمع بينك وبين الشاعر أحمد فؤاد نجم وهل حقا أنك اتخذت قرار الزواج في نصف ساعة؟
كنت قد انتقلت من دار أخبار اليوم مع أحمد بهاء الدين إلي دار الهلال كاتبة وناقدة بمجلة المصور وفي أغسطس‏1971‏ تولي يوسف السباعي رئاسة مجلس الإدارة وبمجرد أن انتهي من رشف أول فنجان قهوه له بالدار أرسل يستدعيني ويتوعدني قائلا‏:'‏ مناخيرك ديه حعرف ازاي اجيبها الأرض وهعرفك ازاي تبطلي عجرفة قلت له ما هي سلطاتك هل أنت وزير؟ أجاب أنا بدل بهاء الدين ولكني مثل المحافظ يطلب منه رصف شارع أو إصلاح طريق وتنفيذ التعليمات وتركت مكتبة وتم إيقافي عن العمل في أغسطس‏1971‏ وكنت اعتبر مثل هذه التصرفات التي صدرت منه بالإجراءات الاحترازية فمن المؤسف حقا أن‏90%‏ من المشاكل التي تعرضت لها كانت من الزملاء و‏10%‏ المتبقية كانت مع السلطة بايعاز من الزملاء أيضا لانهم مصدر المعلومات‏.‏ في عام‏1972‏ كنت مدعوة في منزل أحمد بهاء الدين وزوجته الصديقة العزيزة‏'‏ ديزي‏'‏ لسماع شرائط نجم والشيخ إمام عيسي المغني والملحن الضرير وانبهرت بالذي سمعته لنه كان شيئا جديدا لامعا يمتاز بالأصالة والعمق والقيمة وعبقرية الصياغة والجرأة فاستمعنا لكل الأشياء الموجعة مثل‏'‏ الحمد لله خبطنا تحت بطاطتنا محلاها راجعة ضباطنا من خط النار‏..‏ كفاية اسيادنا البعدا عايشين سعدا بفضل ناس تملا المعدة وتقول أشعار تمجد وتماين حتي الخاين وان شاء الله يخربها مداين عبد الجبار‏'‏ وسجن الثنائي علي أثرها عام‏1968‏ كانا يعبران بصدق وبخفة ظل وهي معادلا لكلمة‏(‏ شيق‏)‏ ولا تنفصل عن أي عمل جاد فهي لا تعني النكتة وكان الشيخ إمام وهو أول موسيقي وملحن يدخل السجن في الستينات والسبعينيات بسبب‏(‏ موسيقي الرأي‏)‏ وليس الرأي كانا ثنائيا رائعا وشعرت بأنني أرغب في سماعهم فصحبني صديقي الكاتب المسرحي المعذب صاحب المواهب المتعددة نجيب سرور لحضور ندوة لهما في‏(‏ الاتيليه‏)‏ في عام‏1972‏ وفوجئنا بدكتور غالي شكري يخبرنا في أسي أن المباحث ألغت الندوة فصحبني نجيب سرور للغورية في شارع حوش أدم حيث يقيمان‏.‏ كان نجم في صورة بسيطة وشعبية يرتدي بنطلون بيجامه وشبشب زنوبة اضافره طويلة أرضية الغرفة متسخة تذوب شوقا لمساحيق الغسيل والفنيك‏..‏ الفرش يحتاج للتنجيد وشعرت أنني أمام ماستين ملقتين علي الرصيف يجب الاعتناء بهما وقبل مقابلتي لنجم مباشرة كنت أقرأ عن عبد الله النديم والعاطفة تملؤني وكنت أحدث ذاتي ليتني كنت في عهده افديه بحياتي والأمر كذلك بالنسبة لمصطفي كامل الذي ورثت حبه عن والدتي وكان أهم ما استوقفني في تلك الليلة التاريخية أن نجم لا يشعر بأهميته بل إنه غير واع تماما بمكانته التي تضعه في مصاف كبار الشعراء والمبدعين وخرج نجم بعد انتهاء الندوة ليوصلني لأول الشارع باغتني قائلا‏:‏ ما تتجوزيني؟‏!‏ وشعرت بالورطة وأنني طمعته بالزواج مني فقلت له‏:‏ أنا لا أتزوج شيوعيا وبدا يلح بالتليفونات وأعاتب نفسي علي موقفي وأقول أين تضحيتك يا صافي ناز لذلك أقول أنني تزوجت نجم بتقييم نقدي وبالقسمة والنصيب‏.‏
ألم يكن بينكما حب؟
كان حبي لنجم أعلي من مجرد حب امرأة لرجل كان حبي له مستمدا من حبي لمصر واعترضت والدتي بالطبع ووصل الاستفزاز مداه معي حين قالت هذه العبارة‏:‏ ايه ده؟ فتأجج العناد بداخلي لأنني كنت علي يقين أن نجم أعطي مصر الكثير بلا مقابل وسجن فلا يصح أن يهان وتزوجنا يوم‏24‏ أغسطس‏1972‏ في منزلنا بالعباسية بغرفة مكتبي وظلت والدتي تقاوم وتحاول مع المأذون أن تثنيه عن اتمام عقد القران‏,‏ وكان سعد الموجي والد الأديبة‏(‏ سحر الموجي‏)‏ أحد الشهود‏.‏
هل كان هناك حفل زفاف؟
نجم كان متزوجا ولديه أبنة تضحك بمرح شديد‏:‏ فوجئت يوم الزفاف أنه اتشيك واتوضب وليته ما فعل لأنه أرتدي بنطلونا وقميصا عنابي اللون وكانت والدتي حين تنعي حظي خاصة بعد أيقافي عن العمل وسجني تقول هذه العبارة الأثرة لديها‏:‏ بنتي حجت ومعها ماجستير وبتحب مصر‏!!‏ فقد ذهبت معها لأداء فريضة الحج عام‏1972‏ وقمت بتغطية شعري بايشارب منذ ذلك الحين وكنت اجتهد في ملابسي لأنه لم يكن هناك نسقا اتبعه فأنا أول صحفية في مصر ترتدي البنطلون وحين دخلت المعتقل عام‏1973‏ كانوا يقولون كيف تكونين شيوعية وتغطين شعرك وتصلين‏!!‏ ولا يفوتني أن اذكر كيف هاجمني الكاتب الصحفي سعد هجرس حين تزوجت نجم قائلا‏:‏ الا يكفيكم جلوسكم في شبرد وهيلتون فتأتون لكي تأخذوا شعراء الشعب كيف يتركك نجم يا إمام ولم يدافع عني نجم وغضب وقلت كأنه يعتذر عني فهل نجم متزوج من صباح مثلا‏!!‏
تجربة السجن والاعتقال وسفرك إلي العراق كيف أثرت في مسار حياتك؟
توقفت عن العمل من دار الهلال عام‏1971‏ وسجن نجم وإمام في ديسمبر‏1972‏ كانت هناك صحية مزعومة للديمقراطية والمزيد من الديمقراطية وصدقناها فتم اعتقال بعض الشعراء وانضممت في أوائل‏1973‏ للطلبة المعتصمين بجامعة عين شمس واقتحم وزير الداخلية الأسبق أحمد رشدي ولم يكن وزيرا بعد الاعتصام وتم ترحيلي إلي سجن القناطر وقضيت شهور الحمل بأكملها داخل السجن وانجبت ابنتي‏'‏ نوارة الانتصار‏'‏ التي اخترت لها هذا الاسم لأنها ولدت يوم‏8‏ أكتوبر‏1973‏ وفي عام‏1979‏ قررت السيدة أمينة السعيد أول سيدة تتولي منصب مجلس إدارة دار الهلال فصلي وكانت مأساة بالفعل وكنت أقول كأنك فصلتي نفسك وفي عام‏1975‏ تم إلقاء القبض علي أنا ونجم وطفلتي نوارة في عام المرأة العالمي وجاءت والدتي وأخذت نوارة التي روعتها تلك المشاهد الباطشة فالسجن إهانة بالغة للإنسان وكنت دائما أقول لوالدتي أثناء زيارتها لي أنني أرقد علي سرير سيدنا يوسف أي سرير الظلم ولكن سجن القناطر كان أفضل من سجن القلعة فكنا نشاهد السماء من الشباك كان معنا بالسجن‏'‏ هبة سليم‏'‏ الجاسوسية الشهيرة صاحبة فيلم‏'‏ الصعود إلي الهاوية‏'‏ كانت كل السجانات في خدمتها ولديها يقين أنها سوف تخرج بحكم البراءة والغريب أنها كانت تصوم وتصلي ولم أحاول ابدا محادثتها وندمت بعد ذلك كثيرا بحسي الصحفي فكان يجب أن اتحاور معها ولكنها طبيعتي فأنا أملك مقدرة هائلة علي المقاطعة والخصام وبعد حبسي عام‏1975‏ قررت السفر إلي العراق بصحبة إبنتي لكي اتمكن من تربيتها بعيدا عن تلك المنغصات وتزوجت عراقيا وكنت أدرس مادة النقد المسرحي بجامعة المستنصرية ذهبت في عهد القائد أحمد حسن البكر ولم يكن صدام حسين رئيسا بعد وبمجرد توليه تركت البلاد واذكر أثناء قيامي بمراجعة أسماء الطلاب في المحاضرات أنني كنت أفاجئ بغياب طالب وراء الآخر علي أيام متفاوتة فترد إحدي الطالبات نال شرف الشهادة يا أستاذة‏!!‏ أي تم اعتقاله واغتياله وبالرغم من مهاجمتي للسادات وعبد الناصر وحزني الشديد علي إعدام سيد قطب ورفضي لاتفاقيات كامب ديفيد إلا أنني رددت علي كاتب عربي هاجم مصر وقلت له إن عبد الناصر والسادات لم يجرؤ علي ترحيل‏16‏ ألف مواطن مصري وإلقائهم خارج الحدود لأنهما ليسوا من أصل غير مصري كما فعل صدام حسين مع العراقيين الذين كانوا يحملون هوية عراقية من أصل إيراني وكان شائعا هناك وضع السم في اللبن الرايب واعطائه للقتيل وارساله مرة أخري إلي أهله لكي يموت بينهم وحين عدت عام‏1980‏ إلي مصر لم يمر عام حتي تم اعتقالي في سبتمبر‏1981‏ مع د‏.‏ لطيفة الزيات وعواطف عبد الرحمن وأمينة رشيد وحضر التحقيق معي الكاتب الصحفي أسامة سرايا آنذاك بصفته عضو نقابة الصحفيين وطلبت من الضابط أن أحدث ابنتي تليفونيا وألح عليه سرايا في هذا الطلب وكانت له دالة عليهم لأن شقيقه كان رئيسا للنيابات وفي المعتقل عذبتنا فريدة النقاش ونوال السعداوي بما فيه الكفاية أكثر من السجانين بارائهم التي كانت تهاجم العقيدة‏!!‏ فأنا لا أسمح المساس بالعقيدة أو مصر ولا أنسي كيف كانت الفتيات المسجونات في قضايا الدعارة يرددن أمامي أكثر من مرة‏:‏ حين يقول لنا شخص عربي المرأة المصرية‏(......)‏ نقول أخرس أحنا ساقطات‏,‏ لكن المصرية تتوضي بتراب رجليها‏!!‏
هل تركزين حقا علي ارتداء الزي الإسلامي للمرأة دون أكتراث بالمضمون؟
هذه مقولة حق يراد بها باطل لأن الدين الإسلامي يربي كادرا متكاملا من الصوم والصلاة والصبر علي الطاعة والالتزام لكي يصبح الإنسان جديرا بتعمير الأرض كما أراد الله له فالمنطلقات الإسلامية تربي شخصية قوية وأمرأة لها أرادة تتوازن مع زمانها ومجتمعها لا تتحول لمسخ تقلد الأوربية أو الأمريكية فليكن الإنسان نفسه وأنا ضد استخدام كلمات اصطلاحية لا نفهم معناها ويختلف مفهومها من شخص لآخر مثل الإسلام السياسي الذي يعني أنه هناك إسلام غير سياسي أما كلمة متأسلم فأنا أعتبرها قلة أدب يوجد فقط دين إسلامي وإنسان مسلم‏.‏
تعشقين القطط كما رأيتك وتمتلكين قطة فارسية جميلة فماذا تعلمتي منها؟
تعلمت الثقة والاعتزاز بالنفس وعدم الحساسية الزائد فالقطة حين تريد شيئا تجلس فوق الكتاب بكبرياء وكأنها تسدي صنيعا لصاحبها‏.‏
وماذا تعلمت من العقاد؟
كنت أحضر ندوته وأنا طالبة بالجامعة واستمع وأشاهد ولا أتحدث‏,‏ كان شخصا جليلا عالما فاضلا ينزل الناس منازلهم ابن نكتة‏,‏ سافرت معه إلي أسوان وأكرمني وأجلسني علي مقربة منه وأنا لم أتجاوز الثانية والعشرين‏,‏ في إحدي المرات سألته هل أنت مؤمن يا أستاذ؟ فأجاب علي الفور باعتداد بالغ‏:‏ ياويل الإسلام لو كان العقاد ملحدا‏(‏ استغفر الله العظيم‏)!!‏ كناية عن تمكنه وبراعته وقوة حجته التي ظهرت في كتبه الإسلامية‏.‏
هل كانت هناك قصة حب مكتملة أضاءت هذا النص المعتم في سنوات التوقف عن الكتابة لمدة‏12‏ عاما تقريبا والسجن؟
استطيع أن استخلص من الظلام وميضا هاديا ومن الكآبه الضحك فأنا لا أحب أن أحكي خصوصيات ليقال عني أنني متوافقة مع المجتمع فلن يرضي عني أحد مثل حكاية حجا وابنه‏,‏ وشعاري دائما أفعل ما أريد ولتضج قريش ضجيجها‏,‏ كما كان يقول الرسول عليه الصلاة والسلام‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.