.. مراسل صحيفة «كورييري ديللا سيرا» الإيطالية أوقع الرئيس مبارك في ورطة أربكت الوفد الحكومي والإعلامي المصاحب للرئيس في رحلته الحالية لإيطاليا. .. مراسل الصحيفة توجه للرئيس مبارك بسؤال مباشر لم يعتد الرئيس مبارك علي مثله في مصر حيث المقابلات سابقة التجهيز، والمؤتمرات الصحفية توزع فيها الأسئلة علي المتحدثين والسائلين. .. السؤال السهل- الصعب- هو : «مَنْ يخلفكم في حكم مصر»؟! .. الإجابة الصادمة، التي وقعت علي الجميع كالصاعقة هي قول الرئيس بعد برهة تفكير: «الذي يعلم من هو خليفتي هو الله»!! عاد الصحفي لتوضيح السؤال قائلاً: من تفضل أَنت ؟! فقال الرئيس بعد برهة تفكير: «من يُفضله الله» «!!» .. نعم .. كل شيء في الدنيا هو في علم الله، وبإذنه تعالي، ولا أظن أن الصحفي الإيطالي، كان ينتظر نبوءة من الرئيس، الذي لا يملك مفتاح الغيوب، أو مغامرة المنجمين، بل كان ينتظر منه الإشارة لآليات واضحة وحقيقية، تكفل تكافؤ الفرص والشفافية، في اختيار من يخلف الرئيس في حكم مصر!! .. سؤال صحفي «ديللا سيرا» لم يكن عن خلافة الرئيس بقدر ما كان عن التوريث، سواء كان توريثًا بالدم أم بالتوظيف!! كان حول النصوص الدستورية «المعيبة» التي تجعل مسألة خلافة الرئيس رهنًا بإرادة الرئيس واختياره وفقًا لنصوص فُصِّلت خصيصًا لهذا الغرض!! .. 80 مليون مصري- عدا الرئيس- من حقهم الإجابة بما أجاب به الرئيس !! فالله يعلم وحده غاية وغرض الرئيس ومن حوله في الإبقاء علي نصوص تمنع ولا تسمح، إلا لمن تتجه إليه إرادة الرئيس ورغبته . بالقطع الله أعلم- فهذه حقيقة مُسَلَّم بها- لكنه بالقطع لا يرضي عما هو به أعلم! مصر تحولت إلي دولة الغموض في عهد الرئيس مبارك، وسنوات حكمه ال 29فلا أحد يعلم، أو يستطيع أن يسأل الرئيس الذي يفترض الجميع أنه يعلم دون غيره ! حتي أقر بالأمس بالعكس!! .. إجابة الرئيس تفتح أبوابًا وثغرات تهب منها رياح عاتية من الغموض والخوف علي مصير وطن لا يعرف فيه مواطنوه شيئًا عن مستقبله ولا يعرف حاكمه أيضًا !! بما يحمل رجال المال والاستثمار علي الرحيل بحثًا عن وطن أكثر وضوحًا في حاضره ومستقبله!! .. ورطة الرئيس، حاول الوفد الصحفي المرافق له «تنفيذًا لتعليمات الوفد الرسمي» أن يتجاوزها من خلال ادعاء واضح الكذب يقول إن الرئيس أجاب عن السؤال نفسه في حوار «خاص» بينه وبين بيرلسكوني - رئيس وزراء إيطاليا- أكد فيه أن الحكم للشعب والمؤسسات والفيصل لصناديق الاقتراع!! .. هذه الفقرة التي أقحمت بصورة واضحة علي متن تغطية المؤتمر الصحفي في الصحف المصرية - فقط - لم تظهر في وقائع المؤتمر وأشرطته المسجلة إلا أنه تم إملاؤها لمحاولة الخروج من الورطة!! .. والغريب أن تفسير الصحف الحكومية للورطة جاء متباينًا - رغم وحدة الفقرة المضافة- فالأهرام عدد أمس -الخميس- في صفحتها الخامسة، أرجعت الورطة لكونها «دعابة» رد بها الرئيس علي محاولة الصحفيين الاختيار والتأكد من ياقة الرئيس «!!» بينما وصفت «الأخبار» ورطة الرئيس بأنها عفوية وتلقائية أصيلة !! بينما جاء تبرير «الجمهورية» مختلفًا - كالعادة- حيث أرجع السبب في هذه الورطة إلي أن الصحفي صاحب السؤال لم يكن يعرف أن الرئيس أجاب عنه سرًا لبيرلسكوني!!؟ .. الأغرب من تفسير «الجمهورية» هو مانشيت «الأهرام» بالصفحة الأولي، والذي يقول نصه: في حوار «خاص» ردًا علي رغبة «بيرلسكوني» في الاطمئنان علي مستقبل الحكم في مصر!! مبارك: الحكم للشعب.. إلخ. .. أليس مستغربًا أن يستجيب مبارك لرغبة بيرلسكوني في الاطمئنان علي مستقبل الحكم في مصر، بينما هو يحرم كل المصريين أصحاب الحق في المعرفة والاطمئنان من هذا الحق؟!!