هل من حق صاحب كل سلعة أن ينشر إعلانات عن سلعته مهما كانت درجة استفزازها للمواطنين..وهل يحق للصحيفة أو القناة الفضائية نشر تلك الإعلانات المستفزة؟.. السؤال دائما يلح علي ذهني كلما طالعت أو شاهدت إعلانات المنتجعات والقصور والبحيرات وملاعب الجولف..بداية لست ضد تمتع الأغنياء بثرواتهم لكن عليهم معرفة واقع مجتمعهم الذي يعيش ما يقرب من نصفه تحت خط الفقر، وأكثر من مليون ونصف المليون مواطن يعيشون في المقابر..والأهم أن هناك أكثر من ألف منطقة عشوائية علي مستوي الجمهورية..كما أن نصف عدد السكان لا يتمتعون بصرف صحي أو مياه شرب نظيفة، ناهيك عن تفاقم البطالة مع ارتفاع نسبة العنوسة وتأخر سن الزواج..عندما تكون هذه بعض ملامح هذا المجتمع تتحول مسألة الإعلانات عن القصور ومنتجعات الجولف إلي حالة استفزازية لمشاعر أفراد هذا المجتمع. لقد انقسمت مصر إلي نصفين: أولهما للفقراء والشغيلة، الذين يسكنون ما يقال عنها بيوت تفتقد الآدمية والخصوصية.. وثانيهما لأغنياء وأكابر هذا البلد، الذين باتت لهم حياتهم داخل تجمعات سكنية تحيطها الأسوار ويحرسها الأمن، وهي أشبه بالقلاع الحصينة مما يؤكد افتقادهم للأمان. طوال عشرات السنوات عاش الأغنياء في القصور والفيللات ولم يكن هذا غريبا أو عجيبا، وكان فقراء الوطن هم الخدم والشغيلة داخل هذه القصور، لكن ذلك كان يجري دون إعلان فكل باشوات العهد الملكي سكنوا القصور وكل بكوات ما قبل الثورة سكنوا مصر الجديدة وجاردن سيتي وشبرا زمان..لكن لم يسمع الشعب عنهم شيئا ولم يعرف تفاصيل ما يجري داخل هذه القصور، فلماذا أصبحت صور القصور والمنتجعات تطالع الفقراء كل صباح بهذا الاستفزاز..لماذا لا يسكن السادة الأثرياء في هدوء بدلا من تلك الضجة المستفزة؟! كان للبنَّاء الكبير حسب الله الكفراوي مقولته الشهيرة عندما كان يبيع أراضي متميزة بالمدن الجديدة مفادها أنه يبيع للأغنياء وبعائد هذا البيع يبني بيوتا للفقراء، وسارت الدولة قليلا وراء تلك المقولة ثم تخلت عنها الحكومات المتعاقبة؛ ففي اللحظة التي يطالع فيها الفقراء والمطحونون إعلانات القصور فإن جل أمانيهم مجرد شقة مساحتها 63مترا في مشروع مبارك القومي لإسكان الشباب، وعندما يدخلون في التفاصيل يكتشفون أن إجمالي سعرها حوالي 175 ألف جنيه نقدا ويتضاعف السعر إذا تم البيع بالتقسيط بعد تحميله بالفوائد..عندما يشعر هذا الشاب باستحالة حصوله علي شقة بتلك المساحة الصغيرة ثم يري ملاعب الجولف والبحيرات وحولها القصور والمنتجعات..ما الذي ننتظره من هذا الشاب اليائس البائس؟. نعرف عدم وجود قانون يجرم أو يمنع مثل هذه الإعلانات المستفزة لكن هناك الأعراف والذوق العام، وقوانين تضمن الحفاظ علي السلام الاجتماعي داخل هذا المجتمع وإلا حدث انفجار لا تحمد عقباه. وفي سبيل التنافس والصراع المحموم بين وسائل الإعلام للحصول علي قطعة ولو صغيرة من تورتة الإعلانات ضربوا عرض الحائط بسلامة وأمان واستقرار هذا المجتمع. أوقفوا هذه الإعلانات المستفزة فهناك ألف طريقة يمكن لصاحب الإعلان أن يصل بها إلي جمهوره من الأغنياء بعيدا عن هذا الاستفزاز. مصر رايحة علي فين؟.