تعيدني جريدة «المصري اليوم» دائما إلي ذكريات طفولتي في الثمانينيات.. صحيح أن طفولتي - بشكل عام - كانت مبهجة ولطيفة، لكن ما تصر هذه الجريدة علي أن تسترجعه من هذه الذكريات مؤلم حقا، فهي للأسف تعيدني بمنتهي الإصرار إلي مرحلة إعلانات السلع في الثمانينيات، والتي كنت أعاني منها، وبفضلها - أقصد «المصري اليوم» وليست الإعلانات - اكتشفت أنني كنت أعيش طفولة معذبة، فما تفعله «المصري اليوم» يذكرني بأنني كنت أتجرع إعلانات سمجة ومتخلفة عن سلع انتهت صلاحيتها.. يكذب مروجوها في تقدير حجمها، وينجح مسوقوها في تضخيم أهميتها وإبراز واختلاق معالم جمال مفقودة فيها.. ما تفعله «المصري اليوم» حاليا يشبه تماما ما فعلته إعلانات الثمانينيات في جيلنا كله.. كلما قرأت كلمة انفراد علي خبر «بايت» تنشره المصري اليوم، أتذكر حملات الإعلانات التي مازال كل جيلي - للأسف- يتذكر شعاراتها، دون أن يتذكر أي ممن شاهدوا الإعلانات وحفظوها قيمة هذه المنتجات أو حتي اسم المنتج نفسه.. إننا نتذكر الشعار.. لكننا لا نتذكر المنتج، وتلك هي المصيبة، لأننا نعيش في بلد يحترم الشعارات جدا، وذلك ما أدركته الجريدة وسعت إلي ترسيخه بمنتهي خفة اليد! يظل الشعار محفورا في ذهننا، وهذا ما أعتقد أن «المصري اليوم» تسعي إلي تأكيده.. إنها تكرس للشعار، وتسعي إلي أن يرتبط في ذهنية الجميع باسمها، ولا يهمها إن كنا سنستخدمه أو نتفاعل معه أو حتي نصدقه.. منتج هذه السلعة هو «المصري اليوم» وشعار حملتها الإعلانية هو كلمة «انفراد»، والتي تضعها slogan أو شعارا لحملتها الإعلانية - أقصد الصحفية- وتصدرها في عنوان أي خبر تنشره، حتي مل الناس من انفراداتها التي تذلنا بها، خصوصا عندما نكتشف أنها ليست انفرادات، وإنها مجرد فهلوة معلنين، وشطارة تجار. آخر فضائح أو انفرادات الجريدة كان ذلك الخبر الذي تصدر يسار صفحتها الأولي يوم الأحد الماضي تحت عنوان: «المصري اليوم تنشر أول «صورة» - أرجوك ركز في صيغة المفرد هنا- من مسلسل «الجماعة». لماذا كان العنوان فضيحة لسلعة تفتخر بالتفرد والانفراد؟ ببساطة لأن جريدة «صوت الأمة» وبتوقيع رئيس التحرير والكاتب الصحفي الكبير والإعلامي وائل الإبراشي نشرت في اليوم السابق «السبت» موضوعا ضخما وفخما في الصفحة الأخيرة من جريدة «صوت الأمة» تحت عنوان: «أول «صور» لمسلسل «الجماعة» الذي يتناول قصة الإخوان المسلمين»، وأرجوك ركز في صيغة الجمع هنا، ف «صوت الأمة» نشرت خمس صور، وفي جعبتها أكثر من خمس صور أخري لم تنشر بعد من المسلسل نفسه، لكن المساحة حكمت. أضف إلي ذلك أن سلعة «المصري اليوم» التي تصدرت صفحتها الأولي تحت عنوان مثير، وتم تضخيم أهميتها والنفخ فيها، لم تكن تحمل أي قيمة صحفية مهمة، فالصورة التي تم نشرها من المسلسل، صورة عادية جدا للممثل عبدالعزيز مخيون في «سوبر ماركت»، بينما نشرت «صوت الأمة» خمس صور متنوعة لمجموعة من أبطال المسلسل، فمن بينها صورة لعبد العزيز مخيون مع مجموعة كبيرة من الممثلين، وصورة لعزت العلايلي، وأخري ليسرا اللوزي بمفردها، ثم صورة لها مع حسن الرداد. هذا العبث وهذه الحالة الهيستيرية بالانفرادات تفرض هذين السؤالين: هل يقرأ صحفيو ومسئولو الجريدة المغرمة بالانفرادات ما يكتبه الصحفيون في الصحف الزميلة ويتجاهلونه، أو أنهم لا يقرأون بمنطق التعالي أو بمنطق الجهل وعدم الرغبة في المعرفة؟ أو أنهم - وهذا هو الأخطر - يقرأون ويسيل لعابهم من انفرادات الآخرين، فيقررون بمنتهي التبجح نسب الانفراد لأنفسهم؟ بالمناسبة.. أقدمت هذه الجريدة علي هذا الموقف مرارا وتكرارا، لكنها ارتكبت فضيحة هذه المرة، فلم يمر علي انفراد الزميلة «صوت الأمة» سوي يوم واحد.. أي أن دم الضحية مازال ساخنا، والضحية هنا هي «صوت الأمة»، والجاني تلك الصحيفة التي تصر علي أن تعيدنا إلي استخدام شعارات إعلانية مازلنا نحفظها من فرط سخفها، وليس لجمالها وروعتها، فكما تتذكرون.. كنا نشتري زمان اللبان السحري لأننا كنا نصدق أن «السحري لبان تمدغه تلقاه ألوان ألوان مية المية»، وانفرادات المصري اليوم.. «بتطلع نور.. بتطلع نور»، وهذا شعار سلعة لمنتج من منتجات الثمانينيات - لا أتذكر ما هو- لكني مازلت أتذكر الشعار جيدا.