اترك موقعك.. وقل ما تشاء أحترم الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسي، وإن كنت أختلف مع كثير من تصريحاته وأساليب عمله، خاصة التي أري فيها نوعًا من المظهرية، قد توصف بأنها متعمدة الافتعال.. وتكون فيها تلبيته للدوافع «الذاتية» أكبر من تلبيته لمتطلبات أخري.. علمًا بأني لا أنكر علي الأشخاص (الذاتية) فهي تمثل طاقة مفيدة لعمل الفرد في المجال العام.. وإن كان قدرها يختلف بين الكثيرين. في ضوء هذا أعلق علي الرسائل التي أطلقها موسي ردًا علي ما ورد علي لسان وزير الخارجية أحمد أبوالغيط في الحوار الذي أجريته معه ونشرته يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين.. فيما يخص قول الوزير «إنه كان يفضل ألا يتحدث الأمين العام في الشأن المصري الداخلي». تطرقت مع السيد الوزير إلي أمور مختلفة، كان منها الملف النووي، وعلاقة مصر بالولايات المتحدة، والخلاف الإسرائيلي الأمريكي، وتعليقات علي محمد البرادعي وعلي عمرو موسي وأمور أخري. بالطبع أتمتع بعلاقة طيبة بالسيد الوزير، وأتناقش معه في أمور عديدة دائمًا، لكن هذا لا يمنعني علي الإطلاق من أن أقوم بعملي كما أراه في إطار معاييري الصحفية، وقد تعمدت أن أصمم منهج الحوار علي أن يكون متقاطعًا ما بين الشئون الداخلية والخارجية.. انطلاقًا من سؤالي الأول حول الطريقة التي كانت تدار بها الشئون الخارجية خلال فترة علاج الرئيس. وتحصلت من الوزير علي أخبار وتعليقات مهمة، ولأني مهتم كما لا شك اتضح من قبل في مقالاتي بطريقة تعامل موسي مع الشأن المصري الداخلي.. وكتبت معترضًا علي تصريحاته واعتبرتها لا تجوز انطلاقًا من خصائص موقعه الإقليمي.. لهذا السبب كان من الطبيعي أن أطلب من الوزير تعليقًا حول هذا الموضوع.. فتكلم أبوالغيط بصراحة.. بدت متحفظة من وجهة نظري راعت الاعتبارات التي تتوافر بينه وبين موسي باعتبارهما زميلين في الدبلوماسية المصرية.. وصديقين. وتوقعت ألا يمرر موسي الموقف، وأن يعلق، وقد فعل، إذ أوحي لبعض المحررين أن يسألوه، وكان أبرز ما رأيت من تعليقات شبه خبرية ذلك الذي نُشر في جريدة الشروق، لمحررة تعمل في ذات الوقت في إحدي مطبوعات الأهرام، وهي علي صلة وثيقة جدًا بالأمين العام.. إلي درجة كانت تدفع البعض لانتقاد اطلاعها علي ملفات لا يطلع عليها الدبلوماسيون في الجامعة. ومن ثم، وفي إطار تفهمي لأن ما ورد في تقرير الزميلة هو كلام مباشر من عمرو موسي فإنني أعلق عليه باعتباره رسائل من الأمين العام، بغض النظر عن اللغة الساذجة التي جاء عليها التقرير.. وهو ما لفت نظر عدد من القراء المعلقين علي موقع الجريدة وانتقدوا اعتمادها علي مصادر مجهولة تائهة. قال موسي: إنه (لا ضغينة بينه وبين أبوالغيط)، وهذا كلام معروف، تحصيل حاصل، ولا شأن لنا به، خاصة أنني أعرف أن المواقف العامة عن أبوالغيط لا تصدر لأسباب شخصية.. وهو يراعي بوضوح حدود مسئولياته ونطاق صلاحياته.. وتلك أمور لا يفهمها أو لنقل لا يتفهمها عدد من الزملاء.. بمن فيهم أصحاب تعليقات صدرت أمس.. ويحسب للوزير أنه لا يسعي كما يفعل آخرون للأضواء من أجل ذاته علي حساب المصالح العامة. رسالة موسي الأولي هي أنه (لم يقرأ الحوار)، وهذا كلام يدينه حتي لو كان يبدي من خلاله ترفعًا عن الأمر لكي لا يمد يده فيه.. وبحيث لا يظهر في مضمون التقارير المنقولة عنه.. ولكنه يريد أن يقول: إنه لم يستلم الرسالة.. وقد أضاف (كلنا مصريون).. وأكد في مضمون رسالته عبر (الشروق) أنه سوف يظل يتكلم في الشأن الداخلي المصري. وهذه مسألة تعيدني ليس إلي الحوار، فقد قال أبوالغيط كلمته وانتهي الأمر، وإنما إلي مقالاتي في الموضوع، وأقولها للسيد موسي: مرة أخري لا.. ليس من حقك.. لا العرف ولا القانون ولا أصول الدبلوماسية ولا مواصفات المنصب وصلاحياته تقول هذا. استقل وقل ما تريد.. أما وأنك لم تزل في موقعك فلا يحق لك أن تعلق علي شئون مصر. لا يمكنك مثلاً أن تتكلم في الشأن السوري الداخلي، أو في الشأن السعودي الداخلي، أو في الشأن الليبي الداخلي، وهي دول عربية تموج بالتفاعلات.. إلا إذا كنت تعتبر مصر دولة فاشلة مثل الصومال أو علي مشارف فشل يماثل دولاً عربية أخري تعلق علي شئونها. كونك مصريًا لا ينفي عنك أنك في موقع إقليمي، الدول تدفع لك راتبك عنه كل شهر، أنت موظف كبير، ولا يمكن في مرات عديدة أن تتباعد عن أمور تخص المسائل المصرية لكي تبدو مستقلاً.. ثم تأتي في مواقف أخري وتقول أنك مصري ومن حقك أن تتكلم فيما تريد من شئون مصر.. هذا كلام في رأيي لا يجوز.. ولا يتسق.. احرص علي استقلالك متكاملاً. أما الرسالة الثانية التي يقول موسي إنه تلقاها لا أعرف كيف وهو لم يقرأ فهي إنه فهم أنه سوف يبقي في موقعه أمينًا عامًا للجامعة العربية فترة أخري.. وأن تلك رسالة لا تأتي إليه عبر هذا الطريق.. وبالفعل هي رسالة لا يمكن أن تأتي بهذه الوسيلة.. وهذا قرار نعرف جميعًا من الذي يصدره ومن الذي يقول به.. وكيف يوجه به.. ولكن كيف استنبط عمرو موسي هذه الرسالة من متون الحوار.. أم تراه يريد من تلقاء نفسه أن يقول: إن تلك هي الرسالة التي يريد أن يبلغ بها. الاحتمال الأخير هو الأدق.. وأظن إصرار موسي علي انتهاك الأعراف والتدخل في الشئون المصرية، وتكراره الحديث عن الانتخابات الرئاسية هو نوع من إعلان المقايضة.. الذي لا يفوت علي أي محلل ساذج.. وإن كان هذا لا يليق بتاريخه الطويل والبراق.. مع الوضع في الاعتبار أنه لا أحد يمكنه أن يحجب عن موسي حق أن يحلم بإمكانية خوض الانتخابات الرئاسية لو أراد وفق المتطلبات الدستورية.. وإذا كانت الساحة مفتوحة للجميع وبمن في ذلك مرءوسه السابق محمد البرادعي فما بالها لا تفتح له.. مع الوضع في الاعتبار أن البرادعي لم يقحم نفسه في الشئون المصرية إلا بعد أن ترك موقعه الدولي. هذه ملاحظات لا تنفي احترامي للسيد الأمين العام.. وإذا كنت بدأت بإعلان الاختلاف، فإنني أختم بإعلان تأييدي لعديد من المواقف الأخري التي يتبناها عمرو موسي.. وأحسب أن كثيراً من المطالعين لهذه النقاشات العلنية من بعض الأشقاء العرب سوف يتعاملون معها باعتبارها حواراً في البيت المصري.. والصحافة المصرية.. ولا تنفي أبداً أننا مستعدون للدفاع عن الأمين العام عمرو موسي بنفس تلك الأقلام التي تختلف معه.. هذا حديث في ماء ليس عكراً لا يرحب بأي صياد. [email protected] www.abkamal.net