ماذا ستفعل في عيد الربيع؟ هذا تقريباً أجمل الأعياد التي ورثها المصريون عن أجداد تفننوا في اكتشاف الحياة ومحبتها. انتقل بعد الفراعنة إلي اليهودية والمسيحية بعد إضافة لمسات تخص قداسة كل دين. لكنه يبقي احتفالاً بالحياة.. ودخولاً في دورة من دوراتها الجديدة. شم النسيم ليس مجرد احتفال بطقوس الطعام الغريب (الفسيخ والملوحة والرنجة). ولا أعرف لماذا أصدرت الجماعات المتطرفة فتوي قديمة بتحريمه... ربما تراجعت عنها الآن أو كانت جزءاً من مزاج كراهية الحياة. لكنني أعرف أن بهجة عيد الربيع.. اختفت فترة مع الهجوم المتطرف. الاحتفال يعود الآن، لكن في إطار البحث عن معني جديد. الغريب أن كل القنوات الفضائية لا تجد سوي الأغاني القديمة للاحتفال بالربيع. وكأن الحنين إلي أيام زمان هو الربيع الوحيد المتاح أمام حالة فقدان كاملة لرغبة الحياة. ما يبقي من الحياة هو غريزة البقاء.. فقط غريزة الحفاظ علي الحياة، لا الاستمتاع بها. وهذه منتجات الوقوع طويلاً تحت سلطة القهر. الربيع يختفي من بلاد لا تعرف حريتها السياسية أو الشخصية. يرتبط الربيع بالتفتح. والديكتاتورية راعية الانغلاق. وفي مصر الآن معركة بين التفتح والانغلاق.. من أجل ربيع جديد يعيد اكتشاف حيوية غائبة تحت أكوام رماد طويلة. والاهتمام بالتغيير في مصر هو ثمرة من ثمرات الرغبة في الحياة من جديد. الديكتاتورية دفعت المجتمع إلي الاستسلام والرضا بمجرد البقاء إحياء.. واختفت طاقة الربيع في شهوة «تقليب الرزق» أو «البحث عن تذكرة للجنة». الديكتاتورية ارتاحت كثيراً، لأن الناس لم تنتظر الربيع. لم تعد لديها حواس تلتقط رائحة الهواء الجديد المشبع بالزهور والنسمات العابرة بين الفصول. المجتمع دخل دوامة تحريم الفسيخ أو منع الاحتفال بشم النسيم.. أو الغرق في أكل الفسيخ ومشتقاته. ومنذ سنوات تحاول مصر العثور علي ربيع بعدما دب اليأس في أننا لن نعيش الديمقراطية ولن نري ربيعاً سياسياً وأصبح منتهي أملنا نحن عابري الأربعين الأمل في أن يري أولادنا نسيم الربيع السياسي . هذه المحاولات سارت من كفاية وإلي البرادعي خطوات. بعضها متعثر... ومحبط ... لكنها جميعاً تمثل حيوية تقلب التربة الميتة، رغم أنه تقليب هواة ومراهقين في السياسة أحياناً، يتحركون بالعواطف أكثر من خبرة التنظيمات السياسية... أحياناً أخري... المراهقة السياسية خليط من تجارب محبطة ورغبات في الصعود إلي مسرح الشأن العام. خليط حيوي. كاد أحياناً يسقط بسهولة بين أنياب الديناصور المحترف. لكن بقيت شجاعة مواجهة الديناصور من «كفاية» إلي البرادعي مروراً بشباب؟ أبريل وحتي أيمن نور الذي فعل أفعالاً كانت مستحيلة من وجهة نظر مستسلمة. إختلف مع الكثير من أفكار ومواقف أصحاب كل تجربة أو حلقة تستكمل علي نحو غير مباشر المشوار إلي «ربيع سياسي».. طال انتظاره.