رغم اعتقاد المصريين أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تمتلك الدهاء والمكر السياسي قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، إلا أن هذا العالم السري ظهر أمام المصريين بعد سقوط النظام السابق واعتلائهم عرش البلاد، وبخطوات سريعة بعد أن طوعت الأكثرية التصويتية بشتى الطرق الممكنة، حتى سيطر نواب حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة على مقاليد الأمور ، لكن بمرور الأيام بدأت تتكشف أخطاء بالجملة وصلت إلى حد الخطايا التي أفقدت الجماعة الكثير من الثقة الشعبية لعل آخرها جمعة "تطهير القضاء"، والتي يرى بعض المراقبين أنها ستكون الضربة القاضية لحكم الإخوان، فضلًا عن تكرار اتهام قادتها للمعارضة والسياسيين والأحزاب بالكذب والتدليس والعمالة للخارج، وهو ما ينم عن خلفية متناقضة للجماعة طيلة المرحلة الانتقالية وحتى صعود الرئيس "محمد مرسي" للحكم. إخفاء الأهداف صدق الإخوان المسلمين حين قالوا: "اعرف منا ولا تعرف عنا"، حتى عرف المصريون الخداع والازدواجية وإخفاء الأهداف والأجندات خلف أقنعة ذكية، يسعون إلى تطبيق الخلافة الإسلامية، التي تقوم على توحيد القطر الإسلامي وإزالة الحدود وتطبيق أسس دينية وإقصاء المخالف في الرأي أو العقيدة، وهو ما يوضح ما تردد مؤخرًا أثناء زيارة الرئيس "مرسي" إلى السودان، وترديد أقاويل حول رغبة الرئيس في منح مثلث "حلايب وشلاتين" إلى "الخرطوم"، ورغم نفي مؤسسة الرئاسة إلا أن تأكيدات الجانب السوداني تثير الشك، لم يصل الأمر عند هذا الحد بل يسعى الإخوان المسلمين إلى ترك "سيناء" للفلسطينيين، واقتطاع حوالي 600 ألف كيلو متر من الشريط الحدودي لتوطين أهالي غزة داخل الأرض المصرية. أعداء الأمس رفع الإخوان شعارهم أثناء الانتخابات البرلمانية والرئاسية تطبيق الشريعة الإسلامية، حتى ضمنت أصوات جميع القوى الإسلامية والسلفية للصعود إلى عرش البلاد، ومن ثم ابتعدت كليًا عن جميع وعودها للإسلاميين والمصريين فور إقرار الدستور، واهتمت فقط بتطبيق "الأخونة" وإبعاد حلفاء الأمس عن المناصب حتى أصبحوا أعداء اليوم، سيراوغ الإخوان في أي معركة قادمة كعادتهم، ويقولون: إن حالات الإقصاء في عهدهم حالات فردية وتجاوزات نادرة لا تعبر عن فكر الجماعة المنفتح على جميع القوى السياسية. نجاسات المجتمع تصريحات الوحدة الوطنية بين "المسلمين والأقباط" تنسجم مع ما سبق أن أعلنه الإخوان من أنهم لا يسعون لرئاسة الجمهورية التي ستجر عليهم مسئوليات حقيقية ومهامًا واضحة هم غير مؤهلين لها بعد، لكنهم في المقابل لن يتنازلوا عن "إقامة مصر الإسلامية" وتعبيد الناس إلى ربهم جبرًا أو اختيارًا وغسل نجاسات المجتمع بماء السماء الطهور، وإبعاد مسيحيي مصر عن "المدن الجديدة" في القاهرة والمحافظات التي أحدثها الرئيس الإسلامي وهذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها بناء كنيسة، كما يجب إبعاد الأقباط من البلاد التي فتحها المسلمون بقوة السيف مثل "الإسكندرية" ولا يجوز بناء هذه الأشياء فيها، ويجب هدم آثار المسيحيين وكنائسهم؛ لأنها مملوكة للمسلمين، كما يرون الإبقاء على ما فُتح صلحًا بين المسلمين وبين سكانها في وقت الفتح ومنع بناء أو إعادة ما هدم منها، ولا يجوز إحداث كنيسة في دار الإسلام، فضلًا عن ذلك يرى الإخوان المسلمين أن المسيحيين المصريين ليسوا مطالبين بأداء الخدمة العسكرية فهي مقصورة على المسلمين وحدهم، وبوجوب قيام نصارى مصر بدفع الجزية. رفقاء الميدان زاد الإخوان من السقطات السياسية منذ بداية الثورة في إطار مجموعة متوالية من المواقف الانتهازية الواضحة، أثبتوا خلالها وبجدارة تخليهم عن القوى الوطنية والثورية أو ما يطلق عليهم "رفقاء الميدان" في سبيل تحقيق مصالحهم الخاصة، بداية من الجلوس بشكل سري مع اللواء "عمر سليمان" نائب رئيس الجمهورية السابق، والاستماع إلى عرضه بالانسحاب من الميدان مقابل السماح لهم بجمعية دعوية مع الاحتفاظ بوجود شبابهم في الميدان كورقة ضغط أثناء التفاوض، بجانب مخالفتهم لجميع القوى المدنية التي رفضت التعديلات الدستورية أو استفتاء "مارس" ولجوئهم إلى تحالف مع السلفيين والجماعات الإسلامية في سبيل حشد الناخبين للتصويت ب"نعم" لإرضاء المجلس العسكري الحاكم وقتها. سحرة فرعون لم يسلم الإعلام من تطاول وسقطات الإخوان المسلمين، حيث وصف د. محمد بديع المرشد العام للجماعة الإعلاميين والصحفيين بأنهم مثل "سحرة فرعون"، الذين جمعهم فرعون لسحر أعين الناس، والشيطان الذي أوحى للسحرة هو الذي يوحي للإعلاميين الآن بأن يصور للشعب أن الإخوان هم بديل الحزب الوطني المنحل وسيدمرون البلاد. إتيكيت الرئيس بالنظر إلى حالة الرئيس "محمد مرسي" صاحب الخلفية الإخوانية التي اشتهر أفرادها بمناوئة النظام الحاكم في مصر منذ زمن الرئيس "جمال عبد الناصر"، إلا أن تحقيق أهلية الحكم سياسيًا إلى جانب تبعات الإتيكيت الدبلوماسي والتي من المفترض اتباعها أثناء المراسم الرسمية غير موجودة في شخص الرئيس، وهو ما بدا واضحًا في أكثر من سقطة في تصريحاته وتصرفاته سواء كان ذلك داخل مصر أو خارجها ؛ حيث تعرض الرئيس "مرسي" لانتقادات داخلية ودولية واسعة بعد قيامه بأداء حركات غير لائقة في حضور رئيسة الوزراء الأسترالية "جوليا جيلارد"، وهو الأمر الذي صار محل سخرية الإعلام الغربي والمصري؛ بسبب افتقاد الرئيس إلى أساسيات ومبادئ الإتيكيت الرسمية، بالإضافة إلى أنه لم يسلم من السخرية أثناء نظره في ساعته اليدوية خلال المؤتمر الصحفي مع رئيسة الوزراء الألمانية المستشارة "أنجيلا ميركل". فضلًا عن ذلك أصبحت "صوابع مرسي" و"سلطانية مرسي" عبارات شهيرة ومتداولة بين المصريين الذين اتخذوا منها مادة دسمة للتندر على خطابات الرئيس الخالية أحيانًا من الكياسة، مما جعل مؤسسة الرئاسة تقوم باستقدام خبراء لتلقين "مرسي" أصول الإتيكيت. متحرش بالألفاظ شخص متحرش بالألفاظ، هكذا يصفه جميع العاملين داخل التليفزيون المصري "ماسبيرو" الوزير الإخواني "صلاح عبد المقصود"، كانت أولى تصريحاته المثيرة للغرابة في برنامج "الشارع العربي" مع الإعلامية السورية "زينة يازجي" حينما قالت له في بداية حوارها أتمنى أن تحافظ على ابتسامتك حتى انتهاء اللقاء، فرد عليها "بس ياريت الأسئلة إللي هتسأليها ما تكونش سخنة زيك"، ما دفع المذيعة للقول: "أسئلتي هي فقط إللي سخنة ولكن أنا باردة". بعدها بأسابيع قليلة وأثناء تكريم طالبات كلية الإعلام بجامعة القاهرة، سألت إحدى الصحفيات الوزير عن حرية الإعلام فرد عليها أثناء توزيع جوائز "مصطفى وعلي أمين" أمام الجميع ساخرًا: "أبقي تعالي وأنا أقولك فين". وعن الأخطاء الفادحة لجماعة الإخوان قال أحمد بهاء الدين شعبان، وكيل مؤسسي الحزب الاشتراكي المصري: إن أكبر أخطاء الإخوان والمرشد والتيار الإسلامي بشكل عام هو دفعهم المجتمع إلى الاستقطاب السياسي والديني واستخدام سلاح الدين في الدعاية السياسية بما يهدد الوحدة الوطنية للمجتمع، وأحدث شرخًا في العلاقات بين مسلمي وأقباط مصر، ولوث مناخ التحويل الديمقراطي الذي كان مبشرًا بعد الوحدة البديعة في ميدان التحرير، بالاقتتال العقائدي والطائفي والفكري والثقافي بدلًا من الوحدة والتجمع الذي كان سائدًا أيام الثورة، وهذا الوضع أدى في النهاية إلى بناء تجربة سياسية مشوهة، لاسيما بعد انتخابات مجلس الشعب المنحل التي تحولت إلى ساحة حرب دينية وليست سياسية، واصفًا الإخوان المسلمين بأنهم الحزب الوطني الجديد؛ لأنهم ينتهجون الأساليب نفسها، ولا يتورعون عن تكرار الأخطاء نفسها من غطرسة وإقصاء لآخرين. ويرى د. عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة، أن الخطيئة الخامسة للإخوان تتمثل في أنهم ومرشدهم لا يزالون أسرى منهج الإمام حسن البنا مؤسس الجماعة، يتحركون في حمى الحكم القائم، وما يؤكد ذلك أنه في كل المليونيات التي تمت الدعوة إليها كان الإخوان يعلنون المقاطعة، وهي رسالة إلى المجلس العسكري مفادها "نحن معك لكسب رضاك"، وهذه هي مقولة الإمام حسن البنا، تحرك تحت ألوية الحاكم طلبًا للأمان، أي لم نعهد عليهم قيادة القضايا الشعبية، وإنما يوجهون بوصلتهم نحو الحصان الرابح، وهو ما حدث يوم الخامس والعشرين من يناير فلم يشارك الإخوان إلا يوم الجمعة بعد تأكدهم أن الثورة اقتربت من القضاء على النظام. وأضاف: إنه بعد استحواذ الإخوان على الأغلبية البرلمانية بدءوا يتصرفون كأصحاب مصلحة، ويصدرون فتاوى معارضة للعصيان المدني وضد مطالبة المجلس العسكري بالرحيل، مشيرًا إلى أنهم ينتهجون ممارسات النظام السابق نفسها في السلطة، وأنهم ينجحون عن طريق تزوير الإرادة باللعب على وتر التدين والفقر لدغدغة عواطف الناس مثلما كان الحزب الوطني ينجح بالتزوير، كما لا يمكن تجاهل واحد من أعظم الأخطاء، وهو ترشيح الشاطر للرئاسة بعد أن أوهموا الشعب بعدم البحث عن الحكم وهذا هو الخطأ الثامن. أما د. ناجح إبراهيم القيادي السابق في الجماعة الإسلامية فأوضح، أن الأخطاء التي وقع فيها الإخوان والمرشد والإسلاميون عمومًا ولم يستفيدوا منها تتمثل في الاستقطاب الحاد، وأن الكثير من خطاباتهم كانت تناسب الدعوة وليس الدولة، وهو ما يعتبر الخطيئة التاسعة، كما أنه ما زال خطاب "الولاء والبراء" هو الأساس لديهم، فلم يفرقوا حتى الآن بين خطاب الجماعة وخطاب الدولة، وهو ما يشبه إدارة طالبان لأفغانستان بمنطق الجماعة؛ مما أدى إلى فشلها وانهيار الدولة الأفغانية وهو ما يعد الخطيئة العاشرة، فضلًا عن أن الاستقطاب الديني يمثل جزءًا كبيرًا من نجاحهم في الانتخابات، والذي كان بسبب الدين وليس السياسة، فالاختيار يتم على أساس "الولاء" وليس على أساس الكفاءات، حتى وصل الأمر بهم أن اعتبروا عضوية البرلمان غاية وليست وسيلة وأن الذي يفوز بكرسي البرلمان كأنما يحجز مقعدًا في الجنة.