في ظل الأزمات والمشكلات التي تعيشها مصر حاليا بدءا من مشكلة الانفلات الأمني مرورا بأزمة السولار التي تفاقمت في الفترة الأخيرة، ومشكلات المرور ورغيف الخبز وارتفاع الأسعار وزيادة نسبة البطالة، والاعتصامات والإضرابات الفئوية وعلي رأسها إضراب المعلمين والنقل العام، وارتفاع نسبة الجريمة في المجتمع، أصبح هناك سؤال يتردد علي الساحة مفاداه: أين مشروع النهضة الذي دخل د. مرسي وجماعة الإخوان المسلمين الانتخابات البرلمانية والرئاسية به وكان شعاره في انتخابات الرئاسة «النهضة ..إرادة شعب» وهي المبادرات التي أطلقها حزب الحرية والعدالةومبادرة «وطن نظيف ومبادرة تطوير التعليم» جزء من مشروع النهضة، وهل الجولات المكوكية التي يقوم بها الرئيس محمد مرسي لجذب الاستثمارات؟وهل هذا المشروع يستطيع إخراج النهضة؟ وهل هذا المشروع يستطيع إخراج مصر من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الطاحنة؟ ولماذا تأخر الإخوان المسلمون في طرح هذا المشروع للحوار المجتمعي حتي يتم البدء في تنفيذه؟ في البداية نعرض الخطوط العريضة لهذا المشروع حتي يستطيع القارئ الحكم علي هذا المشروع المثير للجدل والذي أصبح حديث الساعة الآن.. هذا المشروع يقوم علي عدة رؤي. الرؤية الأولي تقوم علي معالجة عدة ملفات عاجلة علي رأسها معالجة الوضع الأمني، والتعامل مع الوضع الاقتصادي، ومكافحة الفساد، والثانية تتمثل في إصلاح المنظومة الأمنية في مصر من جذورها، والثالثة تقوم علي معالجة الوضع الاقتصادي في مصر من خلال إعادة الثقة للاقتصاد المصري بما يحقق الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية ولاسيما من القمح والقطن، تفعيل دور المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر في النهوض بالصناعة المصرية،تفعيل العمل الخيري، إصلاح منظومة الصناديق الخاصة وإخضاعها لرقابة دقيقة من الجهاز المركزي للمحاسبات وإضافة نسبة من فوائضها للموازنة العامة، مراجعة برنامج دعم الصادرات والذي يصل إلي 4 مليارات بهدف تحسينه وزيادةفاعليته، تعديل اتفاقيات تصدير الغاز والبترول بما يحقق أسعار عادلةلصالح الطرف المصري، تعديل وتفعيل قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية بتشديد العقوبات وإعفاء المبلغ الأول من العقوبة وكذلك تفعيل دور جهاز حماية المنافسة، مراجعة منظومة الأجور وإقرار حديها الأعلي والأدني وزيادة ثوابت الأجور وتقليل المتغير منها. أما الرؤية الرابعة فتقوم علي مواجهة مشكلة الفساد في مصر من خلال بناء جهاز قضائي مستقل وقوي ونزيه، وتحريره من كل المؤثرات التي يمكن أن تضعف عمله، والالتزام من قبل السلطة التنفيذية علي احترام أحكامه، وتفعيل الجهاز المركزي للمحاسبات وتحويل تبعيته إلي مجلس الشعب ب« في ذلك تعيين رئيسه، وإصدار قانون الرفصاح وتداول المعلومات بحيث يتضمن نشر تقارير الأجهزة الرقابية في الجريد الرسمية، وأن يتضمن حق المواطن ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في الحصول علي المعلومات التي يرغبون في الحصول عليها بإجراءات بسيطة غير معقدةوبتكاليف في متناول الجميع، وإعادة حق الاستجواب وحق تكوين لجان تقصي حقائق للمجالس الشعبية المحلية، علي الأقل علي مستوي المحافظة والمدينة والمركز، حتي تكون أقدر علي محاسبة السلطات المحلية ومواجهة الفساد الإداري، والتركيز علي البعد الأخلاقي في محاربة الفساد في قطاعات العمل العام والخاص والأهلي وتفعيل دور أجهزة الإعلام الرسمية ووزارة الأوقاف ومناهج التعليم في هذا الجانب، وإعطاء الحرية للصحافة وتكينها من كشف عن قضايا الفساد ومرتكبيها، تنمية الدور الجماهيري في مكافحة الفساد من خلال برامج التوعية بهذه الآفة، إقرار قانون العزل السياسي لكل من استفاد أو شارك في إفساد الحياة الاقتصادية ولمدة محددة علي أن يتم العمل بإجراءاته التنفيذية تحت إشراف قضائي. وتقوم الرؤية الخامسة علي الحريات والإصلاح السياسي من خلال مبادئ الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص، واستقلال القضاء والانتخابات الحرة النزيهة والمساءة والمحاسبة، لا مركزية الحكم المحلي، وحياد الجهاز الإداري، ورعاية حقوق المواطنة وصيانة الوحدة الوطني وتفعيل دور الأفراد والمجتمع المدني. وهناك رؤي أخري: أهمها العدالة الاجتماعية، مواجهة مشكلة الغلاء، مكافحة مشكلة البطالة، محاربة الفقر، وتحسين أوضاع أصحاب المعاشات وذوي الاحتياجات الخاصة، والعمال والفلاحين، ومعالجة ظاهرة أطفال الشوارع، ثم تأتي التنميةالمتكالمة من خلال التنمية البشرية، والتنمية الاقتصادية والعمرانية والإنتاجية. وتأتي الريادة الإقليمية علي رأس أولويات برنامج النهضة، وهذه الريادة تقوم علي الريادة السياسية، والريادة الثقافية والإعلامية والدينية. من جانبنا تستطلع آراء الخبراء الاقتصاديين والسياسيين حول هذا المشروع المثير للجدل فيقول د. عبد الخالق فاروق الخبير الاقتصادي والذي كان مرشحا وزيرا للاقتصاد إن مشروع النهضة أكذوبة كبري وفيه أخطاء منهجية فادحة تعكس خللا في نمط فهم إدارة الدول والسياسات العامة وعدم معرفة حتي الفرق بين الأهداف وبين السياسات، فمثلا زيادة الدخل القومي خلال عشر سنوات هدف ولكنه موضوع في باب السياسات. وأضاف أن المشروع يتضمن عددا كبيرا جدا من طموحات الناس شأنه شأن برامج المرشحين للرئاسة، لكنه يفتقد إلي الوضوح في تطبيق السياسات والإجراءات المتخذة لتحقيق الأهداف، كما يفتقد للووضح في كيفية تمويل هذه السياسات، وعندما نفتقد إلي هذا الوضوح الاستراتيجي في الأهداف نكون بصدد برنامج دعائي أكثر منه برنامج سياسات عامة. وعن المبادرات التي يطلقها حزب الحرية والعدالة وعما إذا كانت جزءا من مشروع النهضة قال: في كل لحظة سيكون هناك مبادرة وفكرة، لكن الفرق بين الفكرة وبين السياسات العامة هو أن الفكرة تقال ثم تعرض بكل التفاصيل الخاصة بإجراءات تنفيذها ووسائل تمويلها والمستفيدين منها، وعندما تطلق الفكرة دون كل هذا العناصر تصبح أقرب للتبشير أو للطمح منه لفكرة السياسات العامة وهذا ما يفتقدإليه قايادت الحرية والعدالة والإخوان المسلمين، خاصة أنهم مشغولون بفكرة السيطرة للتكويش علي مناصب الدولة. وعن جولات الرئيس الخارجية قال: ليس هناك فرق بين ما يفعله الرئيس محمد مرسي الآن وبين ما كان يفعله الرئيس السابق مبارك بعد أن تولي السلطة، فأي رئيس يأتي بعد أزمةأو ثورة يقوم بعمل تقديم اعتماده لدي الدول المختلفة من خلال التعريف بنفسه، أي توسيع حيز الفضاء الدولي لحركته الدولية، ومبارك فعل نفس الشيء، بالإضافة إلي أنه لا يوجد مفكرين يصطحبون الرئيس في جولاته ولا خبراء استراتيجيين، ولكنه يصطحب معه تجارا ورجال مال وأعمال هؤلاء نظرتهم للأمور مختلفة في إدارة الدولة لأنهم أقرب لإدارة الشركة، وكل الأرقام المعلنة أرقام في إطار وعود وليس استثمارات حقيقية. أما د. حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي ورئيس أكاديمية السادات الأسبق فيري أن مشروع النهضة لن يبدأ خلال الفترة الرئاسية الحالية للدكتور محمد مرسي، مشيرا إلي أنه برنامجانتخابي ممتد لعام 2023 وفي بعض محاوره يمتد إلي عام 2030 موضحا أن المشروع يرتكز علي جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي من المطلوب أن تصل إلي 200 مليار دولار لكي يبدأ المشروع فعليا علي أرض الواقع وهو ما يحتاج إلي أربع أو خمس سنوات علي الأقل، مشيرا إلي أن جولات الرئيس الأخيرة التي يكثف فيها زياراته من الصين إلي أوروبا ومنها إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية تمثل محاولات جيدة يقوم بها الرئيس لجذب تلك الاستثمارات التي وعد بها المواطنين للبدء في تنفيذ مشروعه الذي يعتقد عبد العظيم أنه يستطيع إيجاد حلول واقعية لمشكلة البطالة من خلال توفير مئات الآلاف من فرص العمل إلي جانب أنه يتضمن تنمية المشروعات الصغيرةوالمتوسطة وتوسيع دوائر الاستثمار الصناعي والزراعي. وحذر عبد العظيم من الحصول علي وعود براقة من الدول الأجنبية ثم تنتهي إلي لا شيء مشيرا إلي أن هناك تجارب كثيرة تؤكد أن بعض الدول تعطي وعود استثمارية دون تنفيذها علي أرض الواقع خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر. وعقب حسين عبد الرازق عضو المجلس الرئاسي بحزب التجمع قائلا: مشروع النهضة لم يأت بجديد ولن يغير من الأوضاع الاقتصادية في مصر، مشيرا إلي أنه يسلك نفس الأسباب والسياسيات التي كان يتبناها الحزب الوطني المنحل من حيث ثقافة السوق الحر والرؤية الليبرالية، موضحا أن الأوضاع الاقتصادية ستزداد سوءا علي جميع المستويات سواءأكانتمعدلات الفقر والبطالةأو معدلات التنمية أو سيطرة الطبقة الرأسمالية ومجموعة رجال الأعمال علي الساحة، مشيرا إلي أن السياسات التي يتبناها مشروع النهضة هي نفس سياسات الماضي التي تعطي الهيمنة للباحثين عن الكسب السريع بأي ثمن. وعلقت د. جيهان جمال رئيس مركز الدراسات الاقتصادية: مشروع النهضة مجرد مجموعة من الأحلام والطموحات والأفكار الوردية التي يمكن أن يفكر فيها ويحلم بها أي مصري يجلس علي النيل ويتمني حل مشكلة البطالة وتشغيل الشباب وإنهاءأزمة السكن ورغيف الخبز والطاقة والمرور وبناءومشاريع ضخمة وغير ذلك من الأحلام، مشيرة إلي أن مشروع النهضة يفتقد للموضوعية والواقعية وأنه لا يحتوي علي أسس واضحة ودراسات دقيقة تؤكد إمكانية تحققه علي أرض الواقع. أضافت أنأي مشروع لابد أن تكون له دراسات جيدة ومقومات وعناصر إنتاج نستطيع الحكم عليه وعلي مدي إمكانية نجاحه من عدمه مشيرة إلي أن مشروع النهضة لا يمكن أن نطلق عليه مصطلح مشروع لأنه يفتقد كل ذلك ويعبر فقط عن خطوط عريضة في كل مجال. وتساءلت جمال: أين تمويل ذلك المشروع الكبير في ظل توجه النظام الحاكم للاقتراض من صندوق النقد الدولي رغم رفض نفس قيادات هذا النظام لنفس القرض في عهد حكومة الجنزوري،وقالوا إننا قادرون علي جذب 200 مليار دولار فأين تلك المليارات ولماذا لم يبدأوا في مشروعهم حتي الآن. أما د. رمضان معروف الخبير الاقتصادي فيقول إن الإخوان المسلمين لم يفصحوا حتي الآن عن رؤيتهم لمشروع النهضة،وأن المشروع مازال حبرا علي ورق حتي الآن رغم أن الفرصة سانحة ومهيأة الآن لتطبيقه. وتساءل معروف عن سر عدم طرح الإخوان للمشروع حتي الآن رغم الظروف الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد. وعن أسباب تأخير الإخوان في طرح هذا المشروع للحوار المجتمعي حتي الآن قال: الإخوان يريدون أن تكون الحكومة كلها إخوانية ويريدون مجلس الشعب والرئاسة معتقدين أنهم دون السيطرة علي كل ذلك لا يستطيعون تنفيذ مشروع النهضة، وهذا خطأ كبير يقع فيه الإخوان المسلمين لأن السيطرةوالاستحواذ سوف يزيد المعارضة ضد مشروعهم لأن سيطرة الحزب الواحد يعيد إلي أذهان الكثيرين فكرة الحزب الوطني السابق وبهذا الفكر سيكونون حزب الحرية والعدالة هو الرقيب وهو المنفذ، وهذا يخالف مبدأ الفصل بين السلطات وسوف يؤدي إلي تأخير التحول الديمقراطي في مصر.