خلال الفترة الماضية من حسم محكمة القضاء الإدارى مصير الجمعية التأسيسية للدستور، أعلن العديد من الشخصيات العامة ومرشحى الرئاسة السابقين ورموز القوى الوطنية، مقاطعتهم الجمعية التأسيسية اعتراضاً على هيمنة وسيطرة فصيل سياسى واحد على مقدراتها، وعدم تشكيل الجمعية بشكل متوازن يضمن تمثيل جميع أطياف وفئات الشعب، وطالبوا الكتلة المدنية والليبرالية فى الجمعية التأسيسية بالانسحاب، للضغط على المؤسسة الرئاسية من أجل إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية بشكل يضمن «التشاركية » فى صياغة الدستور . وقالت د. منى عامر المنسق الإعلامى للتيار الشعبى إن هناك أسباباً كثيرة لدعوة القوى السياسية للانسحاب من الجمعية التأسيسية، أهمها غياب مفاهيم أساسية تقع فى صلب اهتمامات المواطن المصرى، لضمان الحريات الأساسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى مجالات التعليم والتوظيف والصحة، وتكافؤ الفرص فى نصوص المواد التى أنجزتها الجمعية، بعد أن شاب تشكيلها للمرة الثانية نفس العوار القانونى والسياسى والاجتماعى الذى عاب تشكيلها الأول، لا سيما فى ظل مخالفة بعض نصوص المواد التى صدرت عن الجمعية لما استقرت عليه الأعراف الجامعة فى التاريخ المصرى، وصيانة وكفالة الحقوق والحريات الشخصية و العامة، إضافة لتعارضها مع المعايير والمواثيق الدولية، ودللت على ذلك برفض إدراج مواد وبنود من الاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها مصر، والتى تخص تحرر المرأة ورفض الرق والعبودية . وأشارت إلى أن المواد التى تم تسريبها من الجمعية التأسيسية تعكس وجود إصرار من قبل الأكثرية الإسلامية على القضاء على مدنية الدولة، مؤكدة أن استمرار التأسيسية يعنى صدور دستور جديد يعد مسخاً مشوهاً من دستور 1971. وقالت منى عامر : إن القوى السياسية والحزبية والشخصيات العامة التى اجتمعت الأسبوع الماضى ارتأت أن المشاركة فى دستور على هذه الشاكلة بمثابة خيانة لمبادئ ثورة 25 يناير التى خرجت تطالب بالعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية . وحملت منى عامر د. محمد مرسى، بصفته رئيس الجمهورية، المسئولية الكاملة فى أن يصدر الدستور غير معبر عن كل فئات الشعب المصرى، داعية ممثلى القوى السياسية الوطنية إلى مقاطعة التأسيسية والابتعاد عن تضليل الشعب المصرى للضغط فى سبيل اقرار دستور توافقى يعبر عن آمال وطموحات الشعب بعد ثورة عظيمة أبهرت العالم . وعن إمكانية نجاح الدعوة لانسحاب القوى المدنية من التأسيسية وتأثير ذلك على صياغة الدستور الجديد، قال عبدالغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، إن هناك ضرورة للانسحاب من الجمعية التأسيسية وتعريف الشارع المصرى بمخاطر الدستور القادم، حتى لا ندخل فى تجربة مماثلة للاستفتاء على التعديلات الدستورية والاستقطاب الدينى الذى أدخل مصر فى متاهة نلمس تداعياتها المؤسفة حتى وقتنا هذا . وأشار شكر إلى أن هناك اجتماعا خلال الساعات المقبلة لبحث آليات التصعيد فى مواجهة الدستور الإخوانى الذى يفتقد العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى أنه يخدم مصالح مجموعات قليلة من الشعب المصرى . وعدد شكر آليات التصعيد قائلاً : قد يكون الأمر عن طريق تنظيم مليونيات للتنديد بالدستور أو عن طريق السلاسل البشرية أو حملات التوعية أو الدعاوى القضائية، وغيرها الكثير من الفاعليات الرافضة لأسلمة الدولة وأخونة الدستور . وأوضح شكر أن الوقت الراهن هو وقت الفرز الحقيقى للقوى السياسية المنتمية للثورة عن نظيرتها التى تنتمى إلى كرسى الرئاسة . وعلى الجانب الآخر، أوضح الدكتور بسام الزرقا، مستشار ر ئيس الجمهورية، عضو لجنتى نظام الحكم و الصياغة بالجمعية التأسيسية، أن تشكيل الجمعية تم من خلال هيئة منتخبة من الشعب، وبالتالى لن ترضخ لرغبة فئة أخرى غير منتخبة على التأسيسية، لأن ذلك يعد خللاً يرسخ لمبدأ تدمير البنية السياسية الناشئة حديثاً فى مصر. وانتقد الزرقا فرض وصاية بعض رموز القوى السياسية على الشعب المصرى، واعتبار أنفسهم ممثلين لهم، وهو ما يتعارض مع مبدأ الديمقراطية، لأن النخبة عليها إبداء الآراء وليس فرضها على أعضاء تم اختيارهم من جهة منتخبة اختصت بمهمة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور . واستبعد بسام الزرقا امكانية تواصل الجمعية التأسيسية مع رموز القوى الوطنية التى تطالب بوقف عمل التأسيسية، لا سيما أن الدعوة للتواصل تنجح بشرط وجود إرادة سياسية للتوافق، وليس بدعوة الهدم وإسقاط المؤسسات، مقراً بأحقيتهم فى اقناع أى من ممثلى القوى الوطنية للانسحاب من التأسيسية، خاصة أن كتابة الدستور عمل وطنى لا يتوقف على أفراد أو ممثلى تيار سياسى واحد . فيما أبدى د. رفعت لقوشة، أحد الأصوات الليبرالية فى الجمعية التأسيسية للدستور، تفهم دواعى وأهداف دعوة رموز القوى السياسية الوطنية لانسحاب القوى السياسية الوطنية من التأسيسية وإعادة تشكيلها، إلا أنه أكد أن هناك وقتاً لتعديل المسارات المنحرفة إذا ما تم بذل الجهد المطلوب لتصحيح الأوضاع وتعديل المسار . وأكد لقوشة أن قرار انسحاب القوى المدنية من عضوية الجمعية التأسيسية قد يدخل البلاد فى نفق مظلم يؤدى إلى الفوضى أو الأزمات المزمنة، وأشار إلى أن حشد وتعبئة القوى المدنية يجب أن يهدف إلى إيجاد الحلول قبل المطالبة بإسقاط الجمعية التأسيسية التى قد تكون بدائلها أسوأ منها . وأضاف : إن حل الجمعية التأسيسية يعنى أن الرئيس محمد مرسى هو الذى سوف يعيد تشكيلها، وهو ما قد يدفع البعض للطعن على شرعيتها، الأمر الذى قد يؤدى إلى مزيد من التشرذم والتشظى للقوى السياسية، وبالتالى استغراق وقت مفتوح للإصلاح والتوافق، وهو خيار لطريق مسدود يؤدى إلى كوارث . واعتبر رفعت لقوشة أن المصلحة العامة تقتضى بذل الجهد لتعديل المسارات التى تتساوى احتمالات نجاحها أو فشلها ولكن هذا لا يعنى التخلى عن المحاولة .