رغم تعدد الأجهزة الرقابية في مصر والبالغ عددها 23 جهازًا منوط بها رقابة الوزارات والمؤسسات والأجهزة الأخري بالدولة لم تحدد القوانين بوضوح الجهة التي من حقها مراقبة هذه الأجهزة والتي تشمل الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية وجهاز الكسب غير المشروع ومباحث الأموال العامة.. ووفقًا لما أفرزته ثورة 52 يناير من مبادئ ومسئوليات ومحاسبة الفاسدين وإعلان الرقابة علي جميع أجهزة ومؤسسات الدول، تبقي مؤسسات الرقابة نفسها دون رقيب الأمر الذي يستلزم علي الأقل معايير محاسبية تخضع لها هذه الجهات لضمان عدم تكرار سيناريوهات الفساد مرة أخري. وطبقًا لأحكام القانون رقم 144 لسنة 1988 فإن أحد أهم اختصاصات الجهاز المركزي للمحاسبات هو معاونة مجلس الشعب في القيام بمهامه في الرقابة علي أعمال السلطة التنفيذية كما يختص الجهاز بفحص ومراجعة أعمال وحسابات أي جهة يعهد إليه بمراجعتها أو فحصها من قبل مجلس الشعب وبعد تعديل القانون السابق بإصدار القانون رقم 158 لسنة 98 والتي أقر بوجود إدارة للتفتيش المالي والإداري تتبع مباشرة رئيس الجهاز وهي بمثابة الرقابة الداخلية حيث ترفع تقاريرها لرئيس الجمهورية ليوافق عليها أو يرفضها. كما ينص الدستور في المادة 118 منه علي وجوب عرض تقرير الحساب الختامي للدولة سنويا علي الجهاز لإبداء ملاحظاته علي مجلس الشعب والذي أجاز له الدستور أيضًا حق طلب أي بيانات أو تقارير أخري من الجهاز. وتتولي وزارة المالية الرقابة علي النواحي المالية من خلال مندوبها بالجهات الحكومية يتولي الجهاز الرقابة اللاحقة والتي تكون من خلال سلطته تقرير إحالة المسئول إلي المحكمة التأديبية أو الطعن علي الأحكام والقرارات الإدارية. أما جهاز الرقابة الإدارية والذي تم إنشاؤه في الخمسينيات كأحد فروع النيابة الإدارية يقوم بالتحري عن مرتكبي جرائم الفساد أو القصور الإداري الموجود بأجهزة الدولة لتقوم النيابة الإدارية بالتحقيق فيه، وبصدور قانون 54 لسنة 1964 تحولت الرقابة الإدارية إلي هيئة مستقلة، تتلقي أكثر من 40 ألف شكوي سنويا ويتبعها سجن يتم فيه حبس المتهمين إلي أن يتم تحويلهم للنيابة. أما عن تصنيف وطبيعة عمل الرقابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات فيقول د. محمد ميرغني أستاذ القانون الدستوري بحقوق عين شمس إن الرقابة ثلاثة أنواع النوع الأول منها هو الرقابة السياسية والثاني الرقابة الإدارية والثالث: الرقابة القضائية أما عن الرقابة السياسية فدورها يتمثل من خلال البرلمان والأحزاب وجميع مؤسسات المجتمع المدني والصحافة والإعلام بينما يتمثل دور الرقابة القضائية في السلك القضائي الذي يضم المحاكم والنيابات، والنوع الأخير وهو الرقابة الإدارية أي رقابة الإدارة علي الإدارة والجهاز المركزي للمحسابات، وهيئة الرقابة الإدارية يمثلان هذا النوع من الرقابة والتي تنقسم إلي رقابة إدارية ذاتية أي أن كل جهاز إداري يوجد به جهاز للرقابة الداخلية أو بمعني آخر رقابة الرؤساء علي المرؤوسين، والنوع الثاني وهو الرقابة الخارجية وتقوم بها أجهزة متخصصة مثل الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية والمخبارات ويؤكد د.ميرغني أن الجهاز المركزي للمحاسبات يراقب نفسه بنفسه بجانب مراقبته لجميع مؤسسات وهيئات الدولة، ولكن إذا ما تم الكشف عن وجود أي انحرافات بداخله ففي هذه الحالة تتم محاسبة المتسبيين في ذلك حتي وإن كان رئيس الجهاز نفسه مرورًا بأصغر موظف فيه، ويتم ذلك بناء علي قرار من رئيس الجمهورية لأن الجهاز المركزي للمحسابات يخضع مباشرة لرئاسة الجمهورية بعدما كان يخضع لمجلس الشعب، ونفس الحال في الرقابة الإدارية عند حدوث مخالفات أو تجاوزات فعلي الفور يتم التحقيق فيها أيضًا بقرار من رئيس الجمهورية لأنه ليس هناك من لا يخضع للمساءلة، وبالتالي فالرقابة الإدارية والجهاز المركزي للمحسابات يخضعان أيضًا للمساءلة في حالة وجود أي مخالفات بها ويشير د. ميرغني إلي أن من أهم المبادئ العامة للقانون أنه ليس هناك من يعظم علي المساءلة مهما كانت وظيفته مادام أن هناك خطأ ما قد ارتكبه ويستدعي التحقيق معه في حين تري د. فوزية عبد الستار أستاذ القانون الدستوري بحقوق القاهرة ورئيس اللجنة. التشريعية بمجلس الشعب سابقًا أنه من غير المتصور أن تخضع هذه الأجهزة للرقابة، لأن دورها الرئيسي هو مراقبة جميع الجهات والمؤسسات الموجودة بالدولة وتشير د. فوزية إلي أنه من الناحية الوظيفية يخضع الجهاز المركزي للمحاسبات لإشراف مجلس الشعب حيث يقدم تقاريره السنوية للمجلس ولكن في حدود معينة لأن المجلس لا يراقب أعمالاً أما هيئة الرقابة الإدارية فمن الناحية الوظيفية أيضًا يخضع لإشراف رئيس الوزراء ولكن هذا فقط من الناحية النظرية، أما في الواقع فلا يتم ذلك لأنه في حالة وجود مخالفات سواء بالجهاز المركزي للمحسابات أو هيئة الرقابة الإدارية فهي تخضع للتحقيق داخليا وتلفت د. فوزيه النظر إلي أن القانون لم يحدد نصوصًا واضحة تتعلق بالجهة المنوط بها رقابة الجهاز المركزي للمحسابات أو هيئة الرقابة الإدارية. ويقول المستشار إبراهيم صالح النائب السابق لرئيس محكمة النقض بالرغم من تعدد الأجهزة الرقابة في مصر فإن ذلك لم يمنع الفساد الذيضرب جميع مؤسسات الدولة بسبب مجموعة من الموظفين الذين ماتت ضمائرهم، والأغرب أن هذه الأجهزة لا تجمعها رابطة فمثلاً جهاز الكسب غير المشروع يخضع لإشراف وزارة العدل، وجهاز أمن الدولة لوزارة الداخلية ونيابة التهرب الضريبي لوزارة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات لمجلس الشعب والرقابة الإدارية لمجلس الوزراء؟ وفي الواقع فإن تعدد هذه الأجهزة غير قانوني ومن المفترض أن يتم توحيدها في جهاز رقابي واحد يضمها في نسيج واحد، يتولي محاسبتهم في حالة القصور أو الإخلال بالمسئولية العامة ويتفق مع هذه الفكرة المستشار جلال إبراهيم رئيس محكمة الاستئناف الأسبق قائلاً: لا توجد جهة تنأي عن المساءلة القانونية في حالة ارتكابها أي تجاوزات أو مخالفات حيث إن قواعد اختيار العاملين سواء في الجهاز لمركزي للمحاسبات أو هيئة الرقابة الإدارية صارمة، وهذا لا يمنع وجود مخالفات أو تجاوزات من أحدهما لأن الأمر يرتبط في المقام الأول بطبيعة النفس البشرية، وفي هذه الحالة فإن الرقابة تكون داخليا علي جميع العالمين، فإذا وجب الأمر يتم تحويلهم إلي النيابة العامة. ويري المستشار مرسي الشيخ الرئيس السابق لمحكمة الاستئناف أن الوقت قد حان لتوحيد تلك الأجهزة في جاز رقابي واحد، وألا تكون إدارة مثل هذه الأجهزة في يد شخص واحد، وإنما لجنة أو هيئة عليا يتم اختيار أعضائها من خلال الانتخاب المباشر أو من بين الشخصيات العامة الذين ترشحهم الأحزاب والقوي السياسية والنقابية. ويضيف المستشار مرسي الشيخ أنه من الممكن أن تضم الهيئة العليا جميع تيارات الشعب من أدباء وفنانين وإعلاميين غيرهم، فهي لجنة شعبية في المقام الأول وليست لجنة قانونية أما الدور الفني القانوني فهو من اختصاص أعضاء الجاز وليس الهيئة العليا. ويقول "سعيد زايد حميدان" المحامي إن القواينن التي تم إنشاء هذه الأجهزة الرقابية علي أساسها لم تحدد من يراقب عمل تلك الأجهزة لكن من المتعارف عليه أن من يوجه السؤال لتلك الأجهزة هو من خوله القانون لتلقي تقاريرها فالرقابة الإدارية مثلاً تتبع رئيس الوزراء وبالتالي فهو من يحق له مساءلة أفرادها إذا أخطأوا، وبالنسبة للجهاز المركزي للمحاسبات فهو يتبع مجلس الشعب وتحديدًا لجنة الخطة والموازنة، وهي المخولة بمحاسبته، ويضيف حميدان أن الدستور أوضح أن القاعدة العامة في متابعة الدعاوي العمومية والتي هي من اختصاص النيابة العامة، وأن النائب العام هو الموكل من الشعب بذلك، وبالتالي فالنيابة العامة هي صاحبة الحق الأصيل في مراقبة جميع المخالفات سواء علي المستوي العام أو الخاص، وأوضح أنه في ظل ظهور حالات فساد فردية داخل الأجهزة الرقابية نفسها لابد أن تنقسم تلك الرقابة إلي رقابة برلمانية ورقابة رأي عام.. أما الرقابة البرلمانية فهذا يعني أن ترفع تقارير الأجهزة الرقابية إلي البرلمان ليناقشها في جلسات علنية، بالإضافة للشق الثاني من القرابة وهو الرقابة الخاصة بالرأي العام حيث يستلزم ذلك نشر تقارير المخالفات التي تم رصدها في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة لضمان عدم تشويه الحقائق أو إخفائها.