بالصور.. كنيسة رؤساء الملائكة تحتفل بأحد الشعانين    نشرة «المصري اليوم» الصباحية.. أسرة محمد صلاح ترفض التدخل لحل أزمته مع حسام حسن    اعتقال عشرات المؤيدين لفلسطين في عدد من الجامعات الأمريكية    الزمالك يسعى لخطف بطاقة التأهل أمام دريمز بالكونفيدرالية    عاجل.. مدحت شلبي يفجر مفاجأة عن انتقال صلاح لهذا الفريق    الفرح تحول لجنازة.. تشييع جثامين عروسين ومصور في قنا    حالة الطقس اليوم الأحد ودرجات الحرارة    الأزهر: دخول المواقع الإلكترونية المعنية بصناعة الجريمة مُحرَّم شرعاً    البنوك المصرية تستأنف عملها بعد انتهاء إجازة عيد تحرير سيناء.. وهذه مواعيدها    عيار 21 بكام.. انخفاض سعر الذهب الأحد 28 أبريل 2024    الأهرام: أولويات رئيسية تحكم مواقف وتحركات مصر بشأن حرب غزة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 28 أبريل    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    لا بديل آخر.. الصحة تبرر إنفاق 35 مليار جنيه على مشروع التأمين الصحي بالمرحلة الأولى    كينيا: مصرع 76 شخصًا وتشريد 17 ألف أسرة بسبب الفيضانات    محاكمة المتهمين بقضية «طالبة العريش».. اليوم    موعد مباراة إنتر ميلان وتورينو اليوم في الدوري الإيطالي والقناة الناقلة    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    الأطباء تبحث مع منظمة الصحة العالمية مشاركة القطاع الخاص في التأمين الصحي    سيد رجب: بدأت حياتى الفنية من مسرح الشارع.. ولا أحب لقب نجم    السكك الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد لقضاء شم النسيم بالإسكندرية    لتضامنهم مع غزة.. اعتقال 69 محتجاً داخل جامعة أريزونا بأمريكا    زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    التصريح بدفن جثة شاب صدمه قطار أثناء عبوره المزلقان بقليوب    ماكرون يعتبر الأسلحة النووية الفرنسية ضمان لبناء العلاقات مع روسيا    أتلتيكو مدريد يفوز على أتلتيك بلباو 3-1 في الدوري الإسباني    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    تسليم أوراق امتحانات الثانوية والقراءات بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    غدا.. محاكمة عاطل متهم بإنهاء حياة عامل في الحوامدية    عضو اتحاد الصناعات يطالب بخفض أسعار السيارات بعد تراجع الدولار    حسام البدري: أنا أفضل من كولر وموسيماني.. ولم أحصل على فرصتي مع منتخب مصر    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    هيئة كبار العلماء السعودية تحذر الحجاج من ارتكاب هذا الفعل: فاعله مذنب (تفاصيل)    بعد التراجع الأخير.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 28 أبريل 2024 بالأسواق    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    حسام غالي: كوبر كان يقول لنا "الأهلي يفوز بالحكام ولو دربت ضدكم (هقطعكم)"    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    تشيلسي يفرض التعادل على أستون فيلا في البريميرليج    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رقابة المحكمة الدستورية على الصياغة التشريعية
نشر في الزمان المصري يوم 05 - 06 - 2015


تقرير :الدكتور عادل عامر
إن مبدأ سمو الدستور يفترض وجود (دستور) وان يتصف هذا الدستور باحترام خاص ومميز عن بقية القوانين قائم على أساس السمو والعلو لهذا الدستور . وان هذا الافتراض يفترض وجوده في جميع الدساتير وذلك انطلاقاً من فكرة وفلسفة الدستور القائمة على هذا الأساس ، ولكن الواقع العملي لا يتفق مع ذلك إذ نجد أن ذلك قد يكون متحققاً في دساتير معينة وغير متحقق في دساتير أخرى ، وان مدى تحقق ذلك يختلف أيضا" من دستور إلى آخر وذلك تبعاً لاعتبارات معينة مادية وظرفية خاصة بكل دستور.
حيث لا يتصور وجود السمو للدستور في النظم الديكتاتورية سواء كانت ظاهرة بشكل صريح أم كانت مقنعة ، حيث إن الاحترام المقصود في المبدأ يقتضي من الحكام تفعيله قبل غيرهم ممن يخضعون للدستور ، بشكل غير مباشر ، في حين إن النظم الديكتاتورية تكون قائمة على أساس العنف والاستبداد وعدم احترام القوانين وعلى رأسها الدستور الذي يخاطبهم بأحكام مباشرة للتقييد من سلطاتهم . أي أن مبدأ سيادة الدستور هو في حقيقته مبدأ خاص بالنظم الديمقراطية لذلك نجد إن النظم غير الديمقراطية تبتعد عنه وتحاربه ولا تقبل به لان الدستور هو المظهر الأساسي لشريعة الحق ، والفوضوية تنكر الحق
الدستور هو القانون الأساسي والأعلى في الدولة. وسمو الدستور يأتي من خصوصية السلطة التي أنشأته وأصدرته. والشعب هو مصدر السلطات ، وهو الذي ينشي الدساتير سواء من خلال انتخاب ( الجمعية الوطنية التأسيسية) أو من خلال ( الاستفتاء الدستوري) ، أو كليهما معاً ، وبهذا يكتسب الدستور سموّه.
مفهوم الدستورية يعني أن الدستور هو القانون الأعلى والأسمى في الدولة وأن كل السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية ) تخضع لأحكامه. والدستور هو الذي يوزع السلطات ويحدد اختصاصاتها ، ولا يمكن لأي سلطة ان تمارس اختصاصاتها خارج الحدود التي عينها الدستور. وأن السلطة التشريعية مقيدة بأحكامه في إصدار القوانين ، وهذا القيد الدستوري يوجب ألاَ تكون القوانين الصادرة منافية للدستور. كما أن السلطة التنفيذية مقيدة بأحكام الدستور في تصرفاتها لتطبيق القوانين من خلال إصدار اللوائح والقرارات ، والسلطة القضائية مقيدة بأحكام الدستور في إصدارها للأحكام القضائية.
إن السلطة التشريعية مختصة بإصدار ما تشاء من قوانين ، ولكن عندما ينص الدستور على تشكيل هيئة تكون من مهماتها النظر في دستورية القوانين ، فإن ذلك يعني قيام تلك الهيئة المختصة بإقرار صحة التشريع المحال إليها من عدمه وأن الفيصل في ذلك هو دستور الدولة ، وهذا ما يعرف بالرقابة القضائية على دستورية القوانين.
الخلاصة: الدستورية تعني أن الدولة تخضع لحكم القانون من خلال مبدأ التدرج القانوني ، أي أن القانون الأساسي والأعلى والأسمى في الدولة هو الدستور الذي تصدره السلطة التأسيسية ، ثم يليه في ذلك (القانون العادي) الذي تصدره السلطة التشريعية ، ثم اللوائح والقرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية ،…. ويجب ألا يتعارض أي نص مع النص الذي يعلوه درجة. وللسلطة القضائية الفصل في دستورية القوانين ومدى توافقها مع النصوص الدستورية. دساتير بعض الدول التي تأخذ بالرقابة القضائية على دستورية القوانين ذهبت إلى إعطاء الحق لكل أنواع المحاكم في القيام بهذا النوع من الرقابة بحيث تستطيع أي محكمة في السلم القضائي مهما كانت درجتها أن تنظر في دستورية القوانين، وسند هذا الاتجاه أن رقابة دستورية القوانين لا تعدو أن تكون جزءً من الوظيفة الأصلية للسلطة القضائية، بحيث إذا تعارض قانون عادي مع نص دستوري فأن واجب القاضي أن يفصل في النزاع المطروح حسب القانون الأعلى وهو النص الدستوري،
ويأخذ بهذا الدستور الأمريكي حيث تباشر المحاكم الأمريكية على اختلاف درجاتها هذا الاختصاص. بعض الدول جعلت الاختصاص برقابة الدستورية للمحكمة العليا في النظام القضائي العادي، حيث أسندت بعض الدول مهمة الفصل في مدى مطابقة القانون العادي للنص الدستوري للمحكمة العليا في النظام القضائي العادي (لمحكمة النقض) ومن الدول التي آخذت بهذا النظام سويسرا، بوليفيا كولومبيا وفنزويلا ودستور ليبيا 1963 المعدل، السودان. إنشاء محكمة خاصة تتولى الرقابة على دستورية القوانين اغلب الدول التي أخذت بمركزية الرقابة، حيث الاختصاص برقابة الدستورية موكل إلى محكمة خاصة أنشئت لهذا الغرض وقد أخذ بهذا النظام الدستور التشيكوسلوفاكي والنمساوي والعراقي ثم بعد الحرب العالمية الثانية الدستور الايطالي وألمانيا وتركيا والكويت والبحرين. ورغم أن القضاء هو ملاذ الأفراد من عسف السلطة ، إلا أن المحكمة العليا لم تقم بتجاهل هذا القانون الجائر الذي حرم الأفراد من حقهم الدستوري في الالتجاء للقضاء . وقد كان في وسع المحكمة العليا ان تتجاهل هذا القانون بالكامل وتتمسك بحقها في حماية حقوق الأفراد استنادا على النصوص الدستورية والقانونية الراسخة والقائمة على المبادئ العامة لحقوق الإنسان ومنها ( مبدأ حق التقاضي ومبدأ حق الأفراد في اللجوء للقضاء).
وهذه الحقوق واردة في كل الوثائق والصكوك والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، وقد تم النص عليها في عدد من الوثائق الدستورية والقانونية الليبية ومنها: ( المادة 14 من الدستور الليبي لسنة 1951 ، المادة 16 من قانون المحكمة العليا لسنة 1953 ، المواد 44 ، 50 من القانون المدني ، المادة 4 من قانون المرافعات ، المادة 30 من الإعلان الدستوري لسنة 1969، المادة 2 من القانون 88 بشأن القضاء الإداري لسنة 1971 ).
إضافة إلى ما استقر عليه قضاء المحكمة العليا وإقرارها لمبدأ حق التقاضي. المشار إليه – قد التزمت حدود اختصاصها أم أنها جاوزت هذه الحدود، يشدنا إلى البحث- أولاً- في صلاحية نص المادة (67) من الدستور للتطبيق مباشرة على وقائع النزاع الموضوعي من عدمه. وقد ذهب رأي فقهي إلى أنه لا يمكن اعتبار "الأصل في المتهم البراءة" إلا مبدأ دستورياً عاماً وليس قاعدة دستورية صالحة للتطبيق مباشرة في معزل عن سائر القواعد الدستورية الأخرى وعلى سبيل المثال، فإن النصوص التي تجيز القبض على المتهم وتفتيشه وحبسه احتياطياً تتعارض في ظاهرها مع مبدأ "الأصل في المتهم البراءة" إلا أن الضمانات التي يحيط بها القانون هذه الإجراءات الجنائية هي التي تحدد مدى احترام هذا المبدأ.
وهذا القول قول سديد ولكن هل يعني هذا أن محكمة النقض مارست رقابة دستورية محلها القواعد وليس محلها النصوص فجاوزت بذلك حدود ولايتها ؟!.
والجواب – عندنا – أن محكمة النقض لم تجاوز حدود ولايتها لأنها حين امتنعت عن تطبيق الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم (62) لسنة 1975، في شأن الكسب غير المشروع التي قلبت عبء الإثبات ونقلت إلى المتهم عبء إثبات براءته بالمخالفة للمادتين (41) ، (67) من الدستور لا تكون بذلك قد فصلت في مسألة دستورية ولكن في مسألة قانونية بحتة، وعلة ذلك، أنه حين تقضي المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص تشريعي فالعبرة بالقاعدة التشريعية المركبة على هذا النص، وبالتالي يكون لزاماً على أية محكمة موضوع الامتناع عن تطبيق أي نص تشريعي مركب عليه نفس القاعدة القانونية المقضي بعدم دستوريتها على الوقائع اللاحقة لليوم التالي لتاريخ نشر الحكم بعدم الدستورية، إلا أن هذا لا يعني على الإطلاق، أن هذا الالتزام هو التزام من محكمة الموضوع بنص المادة (49/3) من قانون المحكمة الدستورية العليا، فليس صحيحاً- عندنا- ما قرره الفقه والقضاء ، من أن مفاد نص المادة (49/3)، أن الحكم بعدم دستورية نص مؤداه عدم تطبيق النص على الوقائع اللاحقة لليوم التالي لتاريخ نشره، وكذلك على الوقائع السابقة على هذا التاريخ.
ومن العجيب أن يجمع الفقه والقضاء على أن مفاد نص المادة (49/3) هو عدم تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته على الوقائع اللاحقة لليوم التالي لتاريخ نشر الحكم ، ويثور الخلاف على عدم تطبيقه على الوقائع السابقة على هذا التاريخ ، مع أن الوقائع اللاحقة هي التي لا يتصور أن تكون محلاً تنصب عليه القوة الملزمة للحكم بعدم الدستورية والواردة بالمادة ( 49 /3) ، لأن النص ( القاعدة التشريعية ) المقضي بعدم دستوريته قد اختفى تماماً من النظام القانوني للدولة من اليوم التالي لنشر الحكم كأثر للحجية المطلقة للحكم بعدم الدستورية وليس كأثر للقوة الملزمة له.
وبناء على ذلك، فإن محكمة النقض حين امتنعت عن تطبيق نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم (62) لسنة 1975 في شأن الكسب غير المشروع فقضاءها هذا قضاء صائب، لأن هذا النص مركب عليه قاعدة قانونية سبق أن قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نصوص أخري مركب عليها نفس هذه القاعدة القانونية، فتكون محكمة النقض بذلك قد فصلت في مسألة قانونية وليست مسألة دستورية. أي أنه إذا كانت محكمة النقض قد جاوزت- في قضائها المشار إليه- حدود اختصاصها في بعض الحيثيات إلا أنها لم تجاوز بحكمها- في محصلته النهائية- حدود اختصاصها، وجاء حكمها فاصلاً في مسألة قانونية وليست مسألة دستورية. وعلى عكس هذا القضاء ، نجد أن محكمة النقض قضت في أحد أحكامها أن " نص الفقرة الأولى من المادة 21 من القانون 52 لسنة 1969 – المنطبق على واقعة النزاع – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – يقضى باستمرار عقد الإيجار وامتداده في حالة وفاة المستأجر أو تركه العين المؤجرة لصالح أقارب المستأجر حتى الدرجة الثالثة نسباً أو مصاهرة بشرط أن تثبت إقامتهم مع المستأجر بالعين المؤجرة مدة سنة سابقة على وفاة المستأجر أو تركه العين أو شغله للمسكن أيهما أقل ولا يحول دون إعمال هذا النص قضاء المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 المماثل له . لأن القضاء بعدم دستورية أحد النصوص لا يؤدى بمجرده إلي عدم دستورية مثيله – الذي لم يعرض على المحكمة الدستورية العليا –
فالأحكام بعدم الدستورية هي أحكام عينية لا تنصب إلا على ما عينته المحكمة بذاته فهي – دون غيرها – المنوط بها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح عملاً بنص المادة ( 175 ) من الدستور والمادة ( 25/1 ) من القانون 48 لسنة 1979″.ونحن من جانبنا لا نؤيد هذا القضاء، لأنه كما قلنا آنفاً حين تقضي المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص تشريعي فالعبرة بمضمون القاعدة القانونية المركبة على هذا النص، فلا يتصور أن تتغير صفة شخص ما لمجرد أنه خلع ثيابه وارتدى ثياباً أخرى، فالشخص واحد في الحالتين.
إن الدستور يتمتع بسمو مادي, وسمو شكلي, يجعله متربعا" على قمة الهرم القانوني في الدولة وعلى التشريعات الأخرى إلا الانقياد لأحكامه وعدم الخروج عليها مضمونا" وشكلا", ولكن كيف السبيل لضمان دستورية القوانين ؟
إن السبيل الأوحد للضمان المذكور هو نظام الرقابة على دستورية القوانين 0 والرقابة المذكورة قد تكون سياسية أو قضائية, سابقة أو لاحقة لصدور التشريع , والرقابة القضائية أما أن تكون رقابة امتناع أو رقابة إلغاء ففي الطريقة الأولى فان القضاء يمتنع عن تطبيق القانون المخالف للدستور على المنازعة المرمية في ساحته ولكنه يبقى نافذا مؤثرا" في مواجهة الآخرين من غير أطراف الدعوى في حين يستطيع القضاء في رقابة الإلغاء إلغاء القانون المخالف للدستور وعده كأن لم يكن شيئا مذكورا 0ولم تنتهج دساتير الدول نهجا" واحدا" فيما يخص الرقابة على دستورية القوانين وتختلف الرقابة على دستورية القوانين من دستور لأخرى, فبعض الدساتير تمنع الرقابة على دستورية القوانين بشكل صريح مثال ذلك الدستور البلجيكي لعام (1831) والدستور البولوني لعام (1921) , غير أن أغلب الأنظمة الحديثة التي تبنت مبدأ الرقابة على دستورية القوانين تفضل الاعتماد على الهيئة القضائية المكونة من حقوقيين , وكانت الولايات المتحدة قد سبقت الجميع على اعتماده عندما تبنت اجتهاد المحكمة العليا , وأقرت باختصاصها في إجراء الرقابة على دستورية القوانين , وقلدت سويسرا الولايات المتحدة في هذا المضمار فكان دستورها لعام (1874) , وان يكن ذلك محصورا" بالقوانين الصادرة عن الكانتونات دون الدولة الفدرالية , وحاولت بعض المحاكم الفرنسية في عهد الجمهورية الثالثة لعام (1875) , التشبه من حيث الاجتهاد بالمحكمة العليا الأمريكية فاصطدمت بمعارضة البرلمان ومحكمة التمييز ومجلس الدولة , ولكن الجمهورية الرابعة لعام (1946 ), استطاعت تذليل الصعوبات وإدخال مبدأ الرقابة على دستورها وتبوأ المبدأ مكانة مرموقة في دستور الجمهورية الخامسة الحالية0
ومن الجدير بالذكر أن لبنان قد تأثر بالتجربة الفرنسية وسارع إلى تعديل دستوره والنص على إنشاء المجلس الدستوري وقد انتبه واضعو قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية , الدستور المؤقت في حينه إلى أهمية الرقابة على دستورية القوانين ونصت المادة (44/أ) منه (( يجري تشكيل محكمة في العراق بقانون تسمى المحكمة الاتحادية العليا )) ( )وقد اصدر مجلس الوزراء بعد موافقة مجلس الرئاسة وحسب صلاحياته التشريعية الأمر رقم (30 في 24/ 5/ 2005) قانون المحكمة الاتحادية العليا , حيث استند الأمر إلى أحكام المادة الرابعة والأربعون من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية , والقسم الثاني من ملحقه , وبناء على موافقة مجلس الرئاسة0 وجاء في المادة الأولى من قانون المحكمة (( تنشأ محكمة تسمى المحكمة الاتحادية العليا ويكون مقرها في بغداد تمارس مهامها بشكل مستقل لا سلطان عليها لغير القانون )) كما وان دستور العراق لعام 2005 نص على تشكيل المحكمة الاتحادية العليا وأن كان بشكل يختلف عن تكوينها الذي نص عليه قانون إدارة الدولة وقانون المحكمة النافذ حيث ذكر في المادة (92/ ثانيا) (( تتكون المحكمة من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الإسلامي وفقهاء القانون يحدد عددهم وتنظيم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب)) فالدستور العراقي لم يغفل النص على تشكيل المحكمة ومراقبتها على دستورية القوانين ولها الكثير من الاجتهادات والأحكام الصادرة بهذا الشأن نستند إلى بعضها في الفصل الثالث من خلال تناولنا للرقابة على دستورية القوانين في العراق .
وكل ما نريد أن نصل إليه أن الرقابة على دستورية القوانين لا ينتج أثرها ما لم يكن هناك إيمان وتطبيق لمبدأ المشروعية ووجود قضاء مستقل لا تمارس عليه الضغوط السياسية والحزبية من أي جهة كانت , لكي يتسنى لدولة القانون أن يسود فيها القانون ولا تتحقق سيادة القانون ما لم تكن هناك رقابة حقيقية على دستورية القوانين0
ان الأخذ بمبدأ الرقابة على دستورية القوانين من شأنه حفظ الدستور و حمايته و إقرار القاعدة "سمو الدستور" و إبعاد لآثار الحكم الدكتاتوري و فرض الشعب لإرادته، و بما أن الدستور هو قانون فإن مهمة رقابته يجب أن توكل إلى هيئة قضائية لأنها أثبتت نجاحها. و مع اعتماد الجزائر على النظام المختلط فإنها تسعى إلى رقابة أحسن، و على الرغم من نقائص المجلس الدستوري يبقى الهيئة المكلفة بالسهر على حماية الدستور. وتأكيد لذلك ذهبت المحكمة الدستورية العليا في قضائها إلي :
" أن المادة الثالثة من القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا تنص على أنه "تسرى أحكام المادتين 15 و 16 من القانون المرافق على الدعاوى و الطلبات المتعلقة برد ومخاصمة أعضاء المحكمة العليا .. وتفصل المحكمة الدستورية العليا دون غيرها في جميع هذه الدعاوى و الطلبات" فإن مؤدى ذلك أن المشرع قد اختص المحكمة الدستورية العليا بالفصل في الدعاوى المتعلقة بعدم صلاحية أعضاء المحكمة العليا و كذلك مخاصمتهم إذ المقصود من دعاوى "رد" هؤلاء الأعضاء الواردة بالنص سالف الذكر هي الدعاوى المتعلقة بما كان يمنع أعضاء المحكمة العليا من سماع الدعوى لعدم صلاحيتهم لنظرها و ذلك وقت أن كانت المحكمة العليا قائمة تمارس اختصاصها قبل إنشاء المحكمة الدستورية العليا بالقانون رقم 48 لسنة 1979، و ليس المراد بدعاوى الرد في نص المادة الثالثة من هذا القانون هو حق الخصوم فى الدعاوى في التمسك بتنحية القاضي عن نظرها لقيام سبب من أسباب لرد المنصوص عليها في المادة 148 من قانون المرافعات و من حق لم يعد له محل بالنسبة لأعضاء المحكمة العليا بعد إلغائها . و إذ قضت المادة الثالثة المشار إليها بسريان حكم المادة 15 من قانون المحكمة الدستورية العليا على الدعاوى المتعلقة بعدم صلاحية أعضاء المحكمة العليا و مخاصمتهم على ما سلف بيانه ، وكانت المادة 15 من قانون المحكمة الدستورية العليا قد نصت في فقرتها الأولى على أنه " تسرى في شأن عدم صلاحية عضو المحكمة و تنحية ورده و مخاصمته ، الأحكام المقررة بالنسبة إلى مستشاري محكمة النقض……" فإن الدعوى التي ترمى إلى بطلان قضاء عضو المحكمة العليا – وكذلك عضو المحكمة الدستورية العليا بسبب عدم صلاحيته لنظر الدعوى والفصل فيها ، تخضع لذات الأحكام المقررة في قانون المرافعات بالنسبة إلى مستشاري محكمة النقض .
يبين من نص المدة 13 من قانون المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 1969 – و هي تماثل نص المادة 48 من قانون المحكمة الدستورية العليا – أن أحكام المحكمة العليا و قراراتها نهائية غير قابلة للطعن مما مؤداه أنها أحكام بأنه لا يجوز الطعن فيها بأي طريق عن طرق الطعن احتراما لحجيتها و بالنظر إلى وظيفة تلك المحكمة و ما أسند إليها من اختصاصات ، غير أن يستثنى من هذا الأصل الدعاوى المتعلقة بمخاصمة أعضائها و عدم صلاحيتهم و هي تخضع للأحكام المقررة في قانون المرافعات بالنسبة إلى مستشاري محكمة النقض على ما تقدم بيانه، و من ثم يجوز – وفقاً للفقرة الثانية من المادة 147 من هذا القانون – إذا وقع بطلان في حكم صادر من المحكمة العليا لسبب من أسباب عدم الصلاحية، أن يطعن الخصم في هذا الحكم بأن يطلب إلغاءه و ما يترتب على ذلك من وجوب إعادة النظر في موضوع الدعوى التي صدر فيها ذلك الحكم. و إذ عهدت المادة الثالثة من القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا – إلى هذه المحكمة – دون غيرها – ولاية الفصل في الدعاوى المتعلقة بالطعن في أحكام المحكمة العليا بسبب عدم صلاحية أعضائها على ما سلف بيانه، فأن مقتضى ذلك أنه ينبغي رفع هذا الطعن إلى المحكمة الدستورية العليا ذاتها وفقاً للإجراءات المقررة قانوناً أمامها " .
{الفقرة رقم 1،2 من الطعن رقم 2 لسنة 5 ق مكتب فني 3 جلسة 7/4 /1984- ص 395}.
ثالثاً : اختصاص المحكمة الدستورية العليا :
لقد حدد الدستور المصري الصادر سنة 2014 الاختصاص المنوط بالمحكمة الدستورية العليا القيام به حيث نص في المادة (175) منه علي أنه :
" تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح ، وتتولى تفسير النصوص التشريعية ، وذلك كله على الوجه المبين فى القانون ويعين القانون الاختصاصات الأخرى للمحكمة وينظم الإجراءات التي تتبع أمامها " .
وتطبيقاً لذلك حدد المشرع في قانون المحكمة الدستورية العليا الاختصاصات الموكولة إلي المحكمة حيث أسند إليها اختصاصات أخري إلي جانب الاختصاص بالفصل في دستورية القوانين , وذلك علي النحو التالي :
نصت المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا علي أنه :
" تختص المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بما يأتي :
أولاً : الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح.
ثانياً : الفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة المختصة من بين جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، وذلك إذا رفعت الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين منها ولم تتخل إحداهما عن نظرها أو تخلت كلتاهما عنها.
ثالثاً : الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والآخر من جهة أخرى منها " .
ونصت المادة (26) من قانون المحكمة الدستورية العليا علي أنه :
" تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور وذلك إذا أثارت خلافاً في التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضي توحيد تفسيرها " .
كذلك أيضاً نصت المادة (27) من قانون المحكمة الدستورية العليا علي أنه : " يجوز للمحكمة في جميع الحالات أن تقضي بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة اختصاصاتها ويتصل بالنزاع المطروح عليها وذلك بعد إتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية " . ومن جماع النصوص السابق الإشارة إليها يتضح أن المحكمة الدستورية العليا تمارس الاختصاصات الآتية :
(أ)- الرقابة علي دستورية القوانين :
فالقاعدة العامة أن المحكمة الدستورية العليا تختص بمراقبة دستورية القوانين بعد إصدارها وبمناسبة تطبيقها علي المنازعات الموضوعية أو تعلقها بهذه المنازعات " أي الرقابة الدستورية اللاحقة علي صدور القوانين " . واستثناءا من هذه القاعدة فإن المحكمة الدستورية العليا تختص بالرقابة الدستورية السابقة علي القانون , وذلك استنادا إلي تعديل المادة (76/12) من الدستور والخاصة باختيار رئيس الجمهورية بموجب الاستفتاء الشعبي بتاريخ 25/5/2005 , 26/3/2007 والتي نصت علي أن :
" يعرض رئيس الجمهورية مشروع القانون المنظم للانتخابات الرئاسية علي المحكمة الدستورية العليا بعد إقراره من مجلس الشعب وقبل إصداره لتقرير مدي مطابقته للدستور " . وعلي ذلك فإن القوانين المنظمة لانتخابات رئاسية الجمهورية هي وحدها التي يجب عرضها قبل إصدارها علي المحكمة الدستورية العليا وذلك وفقاً للضوابط الآتية :
1- فإن هذه المشروعات تحال من قبل رئيس الجمهورية وحده دون غيره , فلا يملك أي شخص أخر أو جهة أخري هذا الحق . وذلك حماية لمركز رئيس الجمهورية من عدم الاستقرار والخضوع لتهديد الرقابة اللاحقة
2- أن الإحالة إلي المحكمة الدستورية تكون وجوبيه , إذ يتعين علي رئيس الجمهورية إحالة مشروع القانون المتعلق بتنظيم الانتخابات الرئاسية بعد إقراره من مجلس الشعب وقبل إصداره إلي المحكمة الدستورية العليا , ومن ثم فلا يتمتع بأي سلطة تقديرية في هذا الشأن .
3- وفقاً للمادة (113) من الدستور فإنه يجب علي رئيس الجمهورية إحالة مشروع قانون الانتخابات الرئاسية بعد إقراره من مجلس الشعب خلال مدة ثلاثين يوماً , فإذا انتهت هذه المدة دون الإحالة فإن هذا المشروع لا يمكن إصداره ولا يمكن أن يصبح قانوناً .
4- يلتزم رئيس الجمهورية بالقرار الذي يصدر من المحكمة الدستورية العليا بشأن مشروع قانون الانتخابات الرئاسية , فإذا رأت المحكمة عدم دستورية نص أو أكثر من نصوص مشروع القانون , يجب علي رئيس الجمهورية رده إلي مجلس الشعب الذي يكون له الحرية الكاملة في أن يعدل هذه النصوص أو أن يستبدلها بنصوص أخري أو أن يصمم علي نفس المشروع ويرسله إلي رئيس الجمهورية الذي يجب عليه إرساله مرة أخري إلي المحكمة الدستورية , فإذا صممت المحكمة علي رأيها أعيد المشروع إلي مجلس الشعب الذي يجب عليه في هذه الحالة الأخذ برأي المحكمة الدستورية .
5- وتبت المحكمة في دستورية مشروع القانون المتعلق بانتخابات رئيس الجمهورية خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ عرض الأمر عليها , وهذا الميعاد ميعاد تنظيمي لا يترتب علي فواته سقوط مشروع القانون أو اعتباره قانوناً , ومن ثم فلا يفقد المحكمة اختصاصها بنظره حتى بعد فوات هذه المدة .
وقد ذهب البعض إلي أن هذا التعديل يعطي للمحكمة الدستورية العليا اختصاصا جديداً يتمثل في الرقابة السابقة إلي جانب الرقابة الدستورية اللاحقة .
" يراجع في ذلك د . ربيع فتح الباب – المرجع السابق – ص 70 وما بعدها " .
وقد قضت المحكمة الإدارية العليا قبل صدور قانون المحكمة الدستورية العليا بأنه :
" إن قانون المحكمة العليا الصادر به القانون رقم 81 لسنة 1969 قد خص في المادة الرابعة منه المحكمة العليا دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين إذا ما دفع بعدم دستورية قانون أمام أحدى المحاكم ، هذه الحالة تحدد المحكمة التي أثير أمامها الدفع ميعاداً للخصوم لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة العليا ، و توقف الفصل في الدعوى الأصلية حتى تفصل المحكمة العليا في الدفع " .
{ الفقرة رقم 1 من الطعن رقم 675 لسنة 15 ق مكتب فني 15جلسة 10/ 1/ 1970- ص 119}.
وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا علي هذا الاختصاص حيث ذهبت في العديد من أحكامها إلي القضاء بأن : " إن الفقرة الأولى من المادة الرابعة من قانون المحكمة العليا الصادر بالقرار بقانون رقم 81 لسنة 1969 كانت تنص على اختصاص المحكمة العليا دون غيرها بالفصل فى دستورية القوانين ، ثم نصت المادة 175 من دستور سنة 1971 على أن :
" تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين و اللوائح . وذلك على الوجه المبين في القانون " , و تطبيقاً لذلك نصت المادة 25 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 على أن تختص المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بما يأتي : أولاً – الرقابة القضائية على دستورية القوانين اللوائح . .
. و مؤدى هذه النصوص أن المشرع أخذ بقاعدة مركزية الرقابة القضائية على دستورية القوانين و اللوائح ، و أختص بها هيئة قضائية مستقلة هي المحكمة العليا – و من بعدها المحكمة الدستورية العليا – دون غيرها من الجهات القضائية ، و هو اختصاص عام يشمل كافة الطعون الدستورية على القوانين و اللوائح ، سواء تلك التي تقوم على مخالفات شكلية للأوضاع والإجراءات المقررة في الدستور بشأن اقتراح التشريع وإقراره وإصداره ، أو التي تنصب على مخالفة أحكام الدستور الموضوعية ، و ذلك لورود النصوص المشار إليها في صيغة عامة مطلقة ، و لأن قصر هذا الاختصاص على الطعون الموضوعية ينتكس بالرقابة القضائية بالنسبة للعيوب الشكلية إلى ما كان عليه الأمر قبل إنشاء القضاء الدستوري المتخصص من صدور أحكام متعارضة يناقض بعضها بعضاً ، مما يهدر المحكمة التي تغياها الدستور من تركيز هذه الرقابة في محكمة عليا تتولى دون غيرها الفصل في دستورية القوانين و اللوائح وحماية أحكام الدستور و صونها " .
{الفقرة رقم 1 من الطعن رقم 9 لسنة 1مكتب فني 2 جلسة 6/ 2/ 1982 – ص 11} .
كما ذهبت المحكمة الدستورية العليا إلي أن :
" المحكمة الدستورية العليا هي الهيئة القضائية العليا التي أنشأها الدستور حارسة لأحكامه ونصبها قوامه على صونه و حمايته ، و الجهة التي ناط بها القانون دون غيرها سلطة الفصل القضائي في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام و القرارات الصادرة منها " .
{ الفقرة رقم 22 من الطعن رقم 37 لسنة 9 ق مكتب فني 4 جلسة 19 / 5/ 1990-
ص 256 , الفقرة رقم 1 من الطعن رقم 59 لسنة 13 ق مكتب فني 6 جلسة 1/ 1/ 1994-ص 124 } .
كذلك ذهبت المحكمة الدستورية العليا في قضائها إلي أن :
" إن الدستور أفرد المحكمة الدستورية العليا بتنظيم خاص حدد قواعده في الفصل الخامس من الباب الخامس المتعلقة بنظام الحكم، فناط بها دون غيرها – في المادة 175 منه – مباشرة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح كما اختصها بولاية تفسير النصوص التشريعية، وذلك كله على الوجه المبين في القانون " { الفقرة رقم 9 من الطعن رقم 8 لسنة 8 ق مكتب فني 5 جلسة 7/ 3/ 1992- ص 224} .
كذلك أيضاً ذهبت المحكمة الدستورية العليا في قضائها إلي أنه :
" إذ كانت المحكمة الدستورية العليا ، هي الجهة القضائية العليا ، هي الجهة القضائية العليا التي أختصها الدستورية والمشرع كلاهما بولاية الفصل في المسائل الدستورية . وليس ثمة جهة أخرى يمكن أن تنازعها هذا الاختصاص أو أن تنتحله لنفسها ، فإن الفصل في المخالفة الدستورية المدعى بها ، غنما يعود إليها دون غيرها " . {الفقرة رقم 4 من الطعن رقم 98 لسنة14ق مكتب فني 6 جلسة 5/ 3/ 1994-ص 198}. وذهبت أيضاً المحكمة الدستورية العليا في قضائها إلي أن : " المحكمة الدستورية العليا هي المختصة وحدها بنظر الدعوى الدستورية الماثلة إعمالاً للمادة 175 من الدستور و المادة [25] من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه – اللتين عقدتا لها دون غيرها ولاية الرقابة القضائية على دستورية القوانين و اللوائح " . { الفقرة رقم 2 من الطعن رقم 20 لسنة1ق مكتب فني 3 جلسة 4/ 5/ 1985- ص 209}. كما ذهبت المحكمة الدستورية العليا في قضائها إلي أن : " عهد الدستور بنص مادته الخامسة والسبعين بعد المائة إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بمهمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين في القانون . وبناء على هذا التفويض أصدر المشرع قانون هذه المحكمة ، مبيناً اختصاصاتها ، محدداً ما يدخل في ولايتها حصراً . فخولها في المادة 25 إختصاصاً منفرداً بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح ، مانعاً أي جهة قضائية من مزاحمتها فيه ، مفصلاً في المادتين 27 ، 29 طرائق هذه الرقابة وكيفيتها ، وذلك ضماناً منه لمركزية الرقابة على الشرعية الدستورية ، وصولاً من بعد إلى بناء الوحدة العضوية لأحكام الدستور ، بما يكفل تكاملها وتجانسها " .
{ الفقرة رقم 3 من الطعن رقم 156 لسنة 18 ق مكتب فني 8 جلسة 6/6/ 1998- ص 1413 , وفي ذات المعني الفقرة رقم 2 من الطعن رقم 79 لسنة 19 ق مكتب فني 8 جلسة 6/ 6/ 1998- ص 1436 } .
(ب)- الاختصاصات الأخرى للمحكمة الدستورية العليا :
تختص المحكمة الدستورية العليا إلي جانب الاختصاص بالرقابة علي دستورية القوانين ببعض الاختصاصات الأخرى التي نص عليها قانون المحكمة الدستورية العليا في المادتان (25 / ثانياً , ثالثاً ) , (26) , وذلك تطبيقاً لنص المادة (175) من الدستور , وتتمثل هذه الاختصاصات فيما يلي :
1- الفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة المختصة من بين جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي ، وذلك إذا رفعت الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين منها ولم تتخل إحداهما عن نظرها أو تخلت كلتاهما عنها :
وقد تواترت أحكام المحكمة الدستورية العليا علي تأكيد هذا الإختصاص في قضائها حيث قضت بأنه :
" أن مناط قبول دعوى الفصل في تنازع الإختصاص – وفقاً للبند "ثانيا" من المادة 25 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979- هو أن تطرح الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين من جهات القضاء أو الهيئات ذات الإختصاص القضائي و لا تتخلى إحداهما عن نظرها ، أو أن تتخلى كلتاهما عنها ، و شرط انطباقه بالنسبة إلى التنازع الإيجابي أن تكون الخصومة قائمة في وقت واحد أمام الجهتين المتنازعتين عند رفع الأمر إلى المحكمة الدستورية العليا مما يبرر الالتجاء إلى هذه المحكمة لتعيين الجهة المختصة بنظرها و الفصل فيها ، و هو ما حدا بالمشرع إلى النص في الفقرة الثالثة من المادة 31 من قانون المحكمة على أنه يترتب على رفع دعوى التنازع على الاختصاص وقف " الدعاوى القائمة " المتعلقة به حتى الفصل فيه ، و من ثم يتحدد وضع دعوى تنازع الإختصاص أمام المحكمة الدستورية العليا بالحالة التي تكون عليها الخصومة أمام كل من جهتي القضاء المدعى بتنازعهما على الإختصاص في تاريخ تقديم طلب تعيين جهة القضاء المختصة إلى هذه المحكمة ، و لا إعتداد بما تكون أي من جهتي القضاء سالفتى الذكر قد إتخذته من إجراءات ، أو أصدرته من قرارات تالية لهذا التاريخ " .
{ الفقرة رقم 3 من الطعن رقم 1 لسنة 6 ق مكتب فني 3 جلسة 21/ 12/ 1985- ص 428, الفقرة رقم 3 من الطعن رقم 6 لسنة 5 ق مكتب فني 3 جلسة 1/ 3 / 1986- ص 440 ,
الفقرة رقم 3 من الطعن رقم 11 لسنة 4 ق مكتب فني 3 جلسة 3 / 5/ 1986- ص 444 ,
الفقرة رقم 2 من الطعن رقم 2 لسنة 10 ق مكتب فني 4 جلسة 2/ 2/ 1991- ص 544 ,
الفقرة رقم 2 من الطعن رقم 13 لسنة 8 ق مكتب فني 4 جلسة2 /3/ 1991- ص 552}.
كما تعرضت المحكمة الدستورية العليا لحالات التنازع السلبي في الإختصاص حيث ذهبت في قضائها إلي أن " مناط قبول طلب الفصل في التنازع على الاختصاص وفقا للبند ثانياً من المادة 25 من قانون هذه المحكمة هو أن تطرح الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين من جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي ، ولا تتخلى إحداهما عن نظرها أو تتخلى كلتاهما عنها ، وكان فض التنازع السلبي على الاختصاص يتوخى أن يكون لكل خصومة قضائية قاض يمحص جوانبها إنهاء للنزاع موضوعها فلا يبقى معلقاً إلى غير حد بما يعرض للضياع الحقوق المدعى الإخلاء بها ويقوض الأغراض التي يتوخاها حق التقاضي بإعتباره مدخلاً للفصل إنصافاً في الحقوق المتنازع عليها ضمانا لتقديم الترضية التي تعود بها هذه الحقوق إلى أصحابها فقد صار متعينا أن ترد هذه المحكمة الخصومة القضائية المتسلب من نظرها إلى جهة قضائية تكون قواعد الاختصاص الولائى التي رسمتها السلطة التشريعية في مجال توزيعها لهذا الاختصاص بين جهات القضاء على اختلافها قد أولتها دون غيرها سلطانا مباشراً عليها .
{ الفقرة رقم 1 من الطعن رقم 13 لسنة 18 ق مكتب فني 8 جلسة 6/12/ 1998- ص1530 } .
هذا وتتولي المحكمة الدستورية العليا الفصل في حالة تنازع الإختصاص بتحديد المحكمة المختصة بنظر النزاع , حيث ذهبت في قضائها إلي أن :
" المشرع إذا ناط بالمحكمة الدستورية العليا دون غيرها الفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة المختصة بنظر النزاع طبقا للبند ثانياً من المادة 25 من قانونها فإن مقتضى الحكم الصادر منها بتعيين هذه الجهة هو إسباغ الولاية عليها من جديد ، تلتزم بنظر الدعوى غير مقيدة بقضائها السابق في هذا الشأن ولو كان نهائياً " .
{ الفقرة رقم 3 من الطعن رقم 10 لسنة 19ق مكتب فني 9 جلسة4/12/1999- ص 1196}.
كما ذهبت المحكمة الدستورية العليا إلي أنه :
" سبق قضاء محكمة الإسكندرية الابتدائية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى ثم بعدم نظرها لسبق الفصل فيها ، لا يحول دون القضاء باختصاص جهة القضاء العادي بنظر النزاع وذلك لأن المشرع إذ ناط بالمحكمة الدستورية العليا دون غيرها الفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة القضائية المختصة بنظر النزاع طبقا للبند ثانياً من قانونها ، فإن مقتضى الحكم الصادر منها بتعيين هذه الجهة هو إسباغ الولاية عليها من جديد بحيث تلتزم بنظر الدعوى غير مقيدة بقضائها السابق في هذا الشأن ولو كان نهائياً " .
{ الفقرة رقم 3 من الطعن رقم 7 لسنة 16 ق مكتب فني 9 جلسة 6/2/ 1999- ص 115}.
2- الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والآخر من جهة أخرى منها :
وقد تواترت أحكام المحكمة الدستورية العليا علي تأكيد ذلك في قضائها حيث ذهبت إلي أن :
" مناط قبول طلب الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين طبقاً للبند ثالثاً من المادة 25 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 هو أن يكون أحد الحكمين صادراً من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات إختصاص قضائي ، و الآخر من جهة أخرى منها ، و أن يكونا قد حسما النزاع في موضوعه ، و تناقضا بحيث يتعذر تنفيذهما معاً بما مؤداه أن النزاع الذي يقوم بسبب التناقض بين الأحكام و تنعقد لهذه المحكمة ولاية الفصل فيه ، هو ذلك الذي يقوم بين أحكام أكثر من جهة من جهات القضاء أو الهيئات ذات الإختصاص القضائي و لا تمتد ولايتها بالتالي إلى فض التناقض بين الأحكام الصادرة من محاكم تابعة لجهة واحدة منها، ذلك أن المحكمة الدستورية العليا – و على ما جرى به قضاؤها – لا تعتبر جهة طعن في هذه الأحكام ، و من ثم لا إختصاص لها بمراقبة إلتزامها حكم القانون أو مخالفتها له تقويماً لإعوجاجها و تصويباً لأخطائها ، بل يقتصر بحثها على المفاضلة بين الحكمين النهائيين المتناقضين على أساس من قواعد الإختصاص الولائى لتحدد على ضوئها أيها صدر من الجهة التي لها ولاية الفصل في الدعوى ، و أحقها بالتالي بالتنفيذ " .
{ الفقرة رقم 3 من الطعن رقم 7 لسنة 13ق مكتب فني 5 جلسة 4/7/1992- ص 444 } .
وفي معرض تقديم التفسير، وضعت المحكمة في هذا القرار التفسيري ضوابط جديدة في حدود تفسير النصوص الدستورية، وتراجعت عن منهجها السابق في تطبيق مضمون التفسير الذي تنتهي إليه على الوقائع التي استدعت التفسير، فقد قررت أن ما تباشره المحكمة لا يحمل على أنه "من أعمال التشريع أو يمس من قريب أو بعيد بمبدأ الفصل بين السلطات أو ينطوي على إخلال به لاسيما أن المحكمة تقوم بعملها وفق الإطار الذي رسمه لها الدستور، والمحكمة في هذا الشأن لا تباشر في ذلك إلا وظيفة فنية ذات طابع قانوني متخصص مجرد، كما أنها لا تقوم بهذه المهمة بوصفها جهة إفتاء وتقديم المشورة وإبداء الرأي في مسألة تستفتى فيها لم تحسم بعد ليتدبر المستفتي أمره فيها لانحسار هذا الاختصاص عنها، إنما دورها في إطار ما عقد لها من اختصاص في هذا المضمار يقتصر في المقام الأول على تفسير نصوص الدستور وفق ضوابط محددة مردها إلى عبارات هذه النصوص ودلالاتها والأغراض المقصودة منها بمراعاة موضعها من سياق باقي النصوص التي تتكامل معها، محددة معناها ومرماها كاشفة _المحكمة_ عن حقيقتها، ملتزمة بجوهرها دون إقحام عناصر جديدة عليها أو تغيير محتواها أو النيل من مضمونها أو الخروج عن أهدافها بما لا يعد تفسير المحكمة لهذه النصوص تنقيحا للدستور". واستبعدت المحكمة الخلاف النظري حول نصوص الدستور من دائرة مبررات التفسير.
ومما يلفت النظر في قرار المحكمة أنها انتبهت إلى حدود ولايتها في تفسير النصوص الدستورية فلم تتوغل أو تتمادى في تطبيق التفسير على واقعاته حيث قررت "وإذا كانت هذه المحكمة قد أعملت ولايتها وباشرت اختصاصها بنظر طلب تفسير النصوص الدستورية سالفة الذكر وبينت دلالتها وحقيقة المقصود منها، فإنها تقف عند هذا الحد دون التطرق إلى بيان الحكم الدستوري لتلك النصوص بالنسبة إلى الوقائع والموضوعات التي كانت محلا للاستجواب في شأنها، لانحسار هذا الأمر عن ولايتها".
وهكذا رأينا أن الاختصاص التفسيري للمحكمة الدستورية يثير العديد من المشكلات مثل مدى دستورية اختصاصها بتفسير نصوص الدستور، وحدود ونطاق وضوابط التفسير بما يستدعي التفكير الجدي في نزع هذا الاختصاص من المحكمة الدستورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.